الأربعاء 28 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حكاية مبنى «ابن طولون»أقدم منابر مصر

حكاية مبنى «ابن طولون»أقدم منابر مصر
حكاية مبنى «ابن طولون»أقدم منابر مصر


رُغْمَ أن مسجد ابن طولون هو الجامع الثالث من حيث الإنشاء فى مصر، بعد جامِعَى عمرو بن العاص المبنى فى القرن الأول الهجرى، وجامع العسكر المبنى فى العصرالعباسى «المندثر»، فإنه الجامع الذى يمتلك الآن أقدم منبر لايزال موجودًا فى مصر، وبعد اختفاء أواندثار منبره الأول.

فى كتابه «العمارة العربية فى مصر الإسلامية»، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ينقل أستاذ العمارة الإسلامية بهندسة القاهرة، فريد شافعى، عن المؤرخ ابن دقماق قوله «إن أحمد بن طولون الذى بنى جامعه الشهير فى القاهرة بأعلى جبل يشكر، 265 هجرى 879- ميلادية، قد زوده بمنبر، لكنه اندثر مع الزمن، بعد أن نقل للجامع الظاهرى، بالمنشأة على شاطئ النيل».
أمّا المنبر الموجود حاليًا بجامع ابن طولون، فهو من عمل السُّلطان المملوكى البحرى لاجين، الذى أمر بإنشائه سنة 696 هجرى- 1296 ميلادية، كما هو مسجل على واجهة المنبر، وهو بهذا التاريخ يكون هو أقدم منبر لايزال موجودًا فى مسجد فى مصر، كما يؤكد د.علاء محمود، المدير بمتحف الفن الإسلامى.
ويعدد د. «علاء» مميزات «المنبر الأقدم فى مصر» المصنوع من الخشب، فى أنه مكوّن من باب بضلفتين، يعلوه إطار متوّج بصفوف من المقرنصات، تعلوه شرفات صغيرة، ويؤدى الباب إلى السلالم التى تؤدى إلى مقعد الإمام، الواقعة تحت الجوسق، المميز لأعلى المنبر.
وللمنبر جانبان أو «ريشتان جانبيتان» كل واحدة منهما على هيئة مثلث، يعلوهما درابزين من الخشب الخرط، ووجه كل ريشة مزخرف بحشوات هندسية صغيرة، عليها زخارف نباتية دقيقة الحفر، كما يتميز المنبر بزخرفة الأطباق النجمية، المطعّمة بالعاج والسّن والصدف.
وهى الأطباق النجمية المميزة للفن العربى الإسلامى فى العصر الأيوبى، التى نجدها فى منبر مسجد جامع الخليل بفلسطين، الذى أمر بإنشائه نور الدين زنكى، وكان الطبق النجمى مكونًا من 6 قطع أو أجزاء، ثم تطوّر ونضج هذا الفن فى العصر المملوكى، ليتكوّن الطبق النجمى من 8 قطع كمنبر جامع ابن طولون.
ثانى أقدم منبر
أمّا ثانى أقدم منابر مساجد مصر، فهو منبر مسجد ومدرسة تتر الحجازية بمنطقة الجمالية، الذى أمرت بإنشائه وصناعته «تتر» ليوضع فى مسجد المدرسة التى أمرت ببنائها لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة، و«تتر» بحسب المؤرخ المقريزى هى أميرة مملوكية، كانت موضع تقدير المصريين لاهتمامها بالعِلم، وهى ابنة الناصر محمد بن قلاوون، وعُرفت بالحجازية بعد زواجها من الأمير المملوكى بكتمر الحجازى.
ومنبر تتر محفوظ الآن بمتحف الفن الإسلامى، ويتكون من باب وريشتين وجوسق، ومزخرف بالحشوات المجمّعة، واستعمل فى صناعته الخشب العزيزى، والساج الهندى، ومُطعّم بالسّن والصدف، وقد أنشئ عام 761 هجرى - 1347 ميلادية.
المنبر الثالث
أمّا المنبر الثالث من حيث القِدَم فى مساجد فى مصر، كما يؤكد د. علاء محمود، فهو منبر مسجد السُّلطان قايتباى « -872 901 هجرية»، المحفوظ فى متحف فكتوريا وألبرت فى لندن، وهو من أروع المنابر التى أنشأها قايتباى.
فى حارة السكرية:
أشهر ورش تصنيع المنابر
على بُعد خطوات من باب زويلة، وتحديدًا فى 10 حارة القياتى، السكرية سابقًا، يجلس الحاج حسنى فى ورشة «نجارة الفن العربى» التى ورثها عن جده «أبوزيد حسن أبوزيد»، والتى تخطى عمرها 70 عامًا»، وهى الأشهر فى تصنيع المنابر بفن الأرابيسك والخرط.
يتحسر الحاج حسنى على صَنعة النجارة العربى التى تحتاج مهارة وإتقانًا وحُبّا للفن، قائلًا «التوك توك قضى على الصنعة ومافيش صبيان عايزين يتعلموا».
«حسنى» هوالأخ الأصغر لـ «حسن» الذى يعمل معه فى الورشة، ويطلق عليه جيرانه «حسن أرابيسك»- فى إشارة إلى تشابه الورشة ونجارتها بل وأسماء أصحابها «حسن وحسنى» مع أبطال مسلسل «أرابيسك»، لأسامة أنور عكاشة.
ورث الستينى حسنى أبوزيد، حب الصنعة عن عائلته التى اشتهرت بصناعة منابر المساجد فى مصر وخارجها  منذ أكثر من مئة عام، فهو يرسم بنفسه الرسومات الهندسية والوحدات الزخرفية، ثم يقطعها بالماكينة ليشكل منها حشوات مجمّعة بطريقة العاشق المعشوق، التى تميزمهارة الصانع، وتستخدم فى صُنع المنابر الخشبية وبعض النوافذ وأبواب المساجد وتمتاز بالمتانة الكبيرة.
 صُنعة ترميم المنابر
على مكتب الحاج حسنى كتالوج يحتفظ فيه بصور، لنماذج من أعماله وإنتاج الورشة، لأنواع مختلفة من المنابر من حيث ارتفاعها وطريقة وضعها داخل المسجد، وإن كانت بالطول أمْ بالعرض، والتى تظهر مهارة وابتكار المنفذ، ومنها منبر صنعه لجامع الحصرى، ويعد أكبر منبر فى المساجد الحديثة، ويتكون من  15 درجة وريشتين وباب أمامى وينتهى من أعلى بقبة تسمى «مقلة».
وتزين أحد جدران الورشة صور، منها للجد أبوزيد مع المنبر الذى صنعه للمركزالإسلامى بواشطن، واحتفال الصحافة بذلك عام 1950.
 جدهم أبوزيد الأكبر سافر مع السلطان سليم الأول إلى الآستانة لتعليم الأتراك فن وصناعة الخشب العربى، ثم عاد بعد فترة لمصر، وجد والده «أبوزيد حسن أحمد» شارك فى صناعة سقف جامع الرفاعى فى أواخر القرن 19، وعمل مع تاجر بإزار بخان الخليلى وتعلم منه ترميم الأخشاب القديمة، ليعمل مرممًا للأخشاب فى لجنة حفظ الآثار العربية التى أنشأها الخديو عباس حلمى الثانى، برئاسة المجرى «ماكس هرتز باشا»، وهى اللجنة التى يرجع إليها الفضل فى صيانة الكثير من الآثار الإسلامية.
كما أن هذا الجد هو مَن نفذ أعمال خشب أسقف وبناوير ودرابزينات «على هيئة منابر» وأبواب ونوافذ معهد الموسيقى العربية برمسيس، الذى افتتحه الملك فؤاد عام 1925.
ونفذ جده أعمال ترميم الأخشاب فى جوامع سنان باشا وسارية الجبل، كما صنع منابر مساجد المرسى أبوالعباس 1940، وعبدالرحيم القناوى 1947، والمسجد العتيق بالسودان1949، وعمر مكرم 1954 ، ومنبر المركز الإسلامى بواشنطن ولندن، «ولم يمهله القَدَر استكمال عمل منبر جامع الحسين الذى استغرق تنفيذه 3 سنوات، فأكمله والدى وعمى سعيد وكَتبتُ اسميهماعليه».
يفتخر الحاج حسنى بوالده «أبوزيد» المتوفى 1988 واشتهر ببراعته فى صناعة المنابر بوحدات الخرط وأجمل الحشوات المجمعة، واستعانت به أستاذة العمارة والفنون الإسلامية بآثار القاهرة «سعاد ماهر» ليشرح للطلبة فن وطرُق تصنيع المنابر وغيرها من الأخشاب العربى.
الأب أبوزيد سجّل معه التليفزيون المصرى، فيلمًا تسجليّا، بعنوان «العاشق والمعشوق»، يشرح فيه فن الأرابيسك والخرط العربى وعمل الزخارف الهندسية الإسلامية.
أمّا أهم الأعمال التى قام بها الحاج حسنى، فمنها ترميم المشربيات والأثاث بمنزل جاير أندرسون الأثرى، بجوار جامع ابن طولون 2004، وكان حفيد أندرسون معه يرمم الحجر، وترميم مدخل ونجارة كنيسة العذراء مريم بالمعادى، وترميم منبرمسجد السلطان بيبرس الخياط  بالفحامين، ذى السبع درجات.
دعم تعليم صناعة المنابر
لا يمانع حسنى فى تعليم من يريد التعلم بورشته، ويشارك فى العديد من الفاعليات والندوات التى تعنى بالحفاظ على الحِرَف والصناعات التراثية، كالتى شارك فيها مؤخرًا بمتحف الفن الإسلامى بباب الخَلق، ومن قبلها فى ندوة فى «بيت يكن» التراثى، التى تعهدت خلالها بعض الجهات المانحة بتقديم الدعم لتعليم أجيال جديدة الفنون والحِرف التقليدية، وهو فى انتظار البدء، لتعليم مهارة تصنيع المنابر وشغل الخرط التراثى بعناصره «الميمونى للقطع الصغيرة، والصهاريجى للخرط الكبيرة»، الذى يستخدم فى عمل المشربيات والنوافذ والقواطع الخشبية التى تفصل الرجال عن النساء فى المساجد.