الخميس 22 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ومن يعتذر لمصر..؟

ومن يعتذر لمصر..؟
ومن يعتذر لمصر..؟


كان الخبر المنشور علي عدد من المواقع الإلكترونية لا يلفت النظر كثيرًا بسبب وثائقية محتواه، فهو أشبه بقرار إدارى..
 قررت الدولة تغيير أسماء ما يزيد علي 500 مسجد بجميع محافظات مصر تأتي عملية التغيير تلك كحق أصيل للدولة لا ينازعها فيه أحد، بل إن ترك المساجد تحمل تلك الأسماء المثقلة بالدلالات الفاشية والأيديولجية يُعتبر إهانة لقدسية المسجد قبل أن يكون تقصيرًا من الدولة وجب عليها تلافيه..


عندما تطالع بعض أسماء هذه المساجد يصدمك حجم الفاشية الدينية التى حاصروا بها ديننا الحنيف السمح، فهناك مساجد أطلقوا عليها  أسماء أرباب الفاشية الدينية أو جمعيات تنشر أفكارها أو حتى الفكرة نفسها. شعرت بأمل كبير من هذه الخطوة التى تبدو للعابر هينة فى فعلها لكن الحقيقة هى عميقة فى أثرها.. ورُغم الأمل فإن هناك ألمًا عميقًا انتابنى وأنا أطالع هذه القائمة الطويلة من الأسماء شعرتُ أن هذه الأسماء ليست أسماء، بل هى خناجر حادة استخدمها الفاشيست فى طعن قلب الأمة المصرية الطيبة  المتسامحة على مدار عقود مضت احتل خبر آخر مساحات كبيرة من الاهتمام يتعلق باعتذار أحد الفاشيست عمّا اقترفه من جرائم خلال السنوات السابقة، فقد ظهر الإخوانى عائض القرنى على إحدى الفضائيات السعودية وهو يعتذر على ماضيه المشين فى تسميم عقول الملايين من المسلمين مقابل المال والنفوذ والزعامة وخدمة أسياد الخارج.
كان الاعتذار يقطر دمًا.. فما قام به هذا «القرني» لم تكن كلمات رحلت بعد تلفظها بل تحولت إلى غواية ثم أفعال على الأرض سار وراءها ملايين المخدوعين ليحطموا إرثهم الحضارى ويكفروا ويقتلوا وينشروا الفتنة فى كل مكان.
هناك من ينظر إلى هذه الفترة المشينة التى انطلق فيها الفاشيست الإخوان وأذنابهم من السلفيين يدمرون العقل المصرى ويغتالون الهوية المصرية بأنها نتاج عوامل اجتماعية واقتصادية تلاقت فى محطة الصدفة فأدت إلى هذا الخراب الذى لاتزال آثاره تعشش فى عقول آخرين لم يتخلصوا بعد من سموم الخداع.
لم يأتِ التخريب والقتل مصادفة والعوامل الاجتماعية والاقتصادية بريئة من هذا الأثم، فكل ما حدث وما قام به هؤلاء القتلة المأجورون تم تدبيره وتحضيره فى أقبية الساسة وأجهزة المخابرات لأجل حصار الأمة المصرية وتعطيلها عن القيام بمشروعها الحضارى الإنسانى الذى فى لحظة انطلاقه تمتد آثاره الطيبة للوطن العربى ثم الإقليم حتى تصل  تجلياته إلى العالم كافة.
عند نقطة التحضير والتدبير فى الأقبية أعود إلى ما كتبته قبل عام على هذه الصفحات تحت عنوان (صفقة الذنوب).. «فى السنوات الأولى من السبعينيات أطلق الرئيس السادات سراح الفاشيست الإخوان من السجون وسمح لمسوخ السلفية والوهابية ببث سمومهم فى المجتمع، وتم ذلك بمباركة أمريكية وتمويل سعودى وقتها من أجل أهداف متعددة للأطراف المتحالفة فى الصفقة».
بالنسبة للرئيس السادات كانت ألعابه السياسية تقوده فى كثير من الأحيان إلى قرارات لا تراعى أساسيات الدولة والأمة رُغم قناعاتى الكاملة بأن السادات كان رجُل دولة وأمّة من طراز نادر، ويكفيه قرار حرب أكتوبر المجيدة، فهو قرار لا يتخذه إلّا رجُل بحجم أمّة.
اتخذ السادات أيضًا قرار السلام، وهو قرار نرجعه لحكمة الفلاح المصرى بداخله الذى يستطيع فى عزم قهر العدو وتحقيق الانتصار واسترجــــــاع الأرض وفى الوقت نفسه يزن الأمور بعقل عركته الحياة على مدار سبعة آلاف عام فتعلم متى يكون السلام انتصارًا كما الحرب.
لكن فى السنوات الأولى من السبعينيات كان رجُل السياسة  داخل السادات مسيطرًا ونحّى رجُل الدولة جانبًا فنظر تحت أقدامه كعادة كل سياسى فى تحقيق المصلحة المباشرة.
أراد السادات تطويق التيارات اليسارية بجميع تنوعاتها ليستقر له الحُكم عن طريق إطلاق يد الفاشيست الإخوان وأذنابهم من السلفيين فى الحياة السياسية والاجتماعية بصفة عامة، لو كان السادات رجل الدولة هو من سيتخذ القرار ما كان فعلها أبدًا.
وقف السادات فى سبتمبر 1981 أمام منصة مجلس الشعب معترفًا بخطأ قراره السياسى بإطلاق سراح الفاشيست الإخوان معتذرًا لرجل الدولة داخله، كرر السادات اعترافه ثلاث مرات فى خطاب سبتمبر الشهير.. فى اليوم الـ 31 بعد الخطاب أطلق الفاشيست رصاصات الغدر عليه ليستشهد فى يوم انتصاره.
الطرف الثانى فى الصفقة وقتها كانت السعودية، ولها هدف رئيسى وقف هبات رياح الأفكار التقدمية التى تأتى من القاهرة معتبراها تهديدًا لنظام الحُكم المستقر.
جندت السعودية كل إمكاناتها المالية لدعم المتسلفة وأصبحت مدن الوهابية فى المملكة مزارًا مقدسًا لكل مدعى وتأشيرة دخوله إلى قدس الأقداس الوهابى لحية مسترسلة وجلباب قصير وقشور من الدين لتحاصرالأمة المصرية الطيبة المتسامحة بميليشيات الحرام استطاع المال الوهابى اختراق طبقات من المثقفين الذين تحوّلوا من دعاة تحرر وحراس لبوابة  الهوية المصرية إلى دعاة جمود وخونة فتحوا الأبواب على مصراعيها أمام هذه الميليشات التى عملت بكل طاقتها على تمزيق وحدتنا الوطنية بنشر الطائفية الدينية ومسخ هويتنا الأصيلة ذات السبع آلاف عام.
حدث كل هذا تحت أعين الحراس الخونة، غضوا أبصارهم وتشبثت أيديهم بدولارات الفتنة الملوثة بدماء الشهداء الذين دافعوا عن هويتنا ووحدتنا أمّا طاعون الإرهاب الأسود فلم تنتبه المملكة لخطورة هذا التيار رُغم الإشارة الواضحة التى لاحت أمامها عندما اقتحم جهيمان العتيبى ومجموعة من المجانين فى نوفمبر 1979 الحرم المكى مدعين أن جهيمان هو المهدى المنتظر ولكن المملكة غضت الطرف عن الفاشيست الإخوان والمتسلفة، وعلى العكس أطلقت ما سُمى بالصحوة، وهى النسخة الأكثر تشددًا من المذهب الوهابى.
أطلقت المملكة هذه النسخة بسبب ضغوط نظام الملالى الذى استولى على إيران فى فبراير من نفس عام دخول جهيمان الحرم المكى.
أطل المخرج الأمريكى من خلف ستار مسرح الصفقة سعيدًا بالعرض الذى تجرى أحداثه كما كتبها فى النص.. شيعة فى إيران وصحوة فى المملكة والفاشيست الإخوان وأذنابهم من المتسلفة يرتعون فى مصر وكأن عام 79 هو عام تصنيع خنجر الإرهاب الذى أمسكه العم سام فى يده ليقطع أوصال المنطقة.
فى هذا العام نفسه يظهر إلى العلن أسباب إطلاق هذه المسوخ الفاشية الإخوانية والمتسلفة «فى حوار أجراه زبيغنيو بريجينسكى مستشار الأمن القومى فى إدارة كارتر- وهو عراب الصفقة ومخططها-  مع المجلة الفرنسية لو نوفيل أوبسرفاتور عام 1998كشف أسباب الصفقة، فالولايات المتحدة قبل دخول السوفييت إلى أفغانستان دعمت العناصر المعادية للسوفييت فى كابول حتى استفزت السوفييت ووقعوا فى الفخ ليدخلوا إلى أفغانستان بجيوشهم ويبدأ العدد التنازلى لسقوط الإمبراطورية السوفيتية.
ساعد فى السقوط بدعم أمريكى الفاشيست الإخوان وميليشيات المتسلفة وكأن التاريخ يعيد نفسه، فالإمبراطورية الإنجليزية أنشأت جماعة الإخوان وموّلت مؤسسها حسن البنا من أجل السبب نفسه إقامة حزام دينى فى الشرق الأوسط لمواجهة المد الشيوعى بعد نجاح ثورتهم فى عام 1917 ولسبب داخلى خاص بمصر وهو ضرب الحركة الوطنية المصرية ومشروعها التنويري».
أطالع خبر تغيير الأسماء ذات الدلالة الفاشية من على مساجدنا أرى أن الدولة الآن.. دولة 30يونيو تعمل بجد على إزالة آثار العدوان الفاشى الذى سمم حياتنا ومسخ هويتنا.
أراقب الاعتذار الذى يقطر دمًا من هذا «القرني» وأضعه أمام وقائع وحقائق «صفقة الذنوب» أجد أن الاعتذار وصاحبه على درجة عالية من التفاهة أمام كارثية الصفقة التى كان هدفها الأمة المصرية.
تعطينا تفاصيل الصفقة أسماء المنفذين من إمبراطوريات رحلت وأخرى لاتزال موجودة  ودول غنية أنفقت مليارات من الدولارات لخدمة أهداف الإمبراطوريات وتمتلئ التفاصيل بالخدم من الفاشيست الإخوان هذا غير الخونة الذين باعوا هويتهم مقابل الدولار وآلاف الإرهابيين المنفذين سواء مأجورين أو مخدوعين.
تآمر هؤلاء جميعًا ضد الأمة المصرية من أجل تعطيل مشروعها الحضارى وصمدت الأمة وقدمت الشهداء من طليعة أبنائها فى الجيش والشرطة ومثقفيها للدفاع عن هويتها المصرية الأصيلة أمام هذا الغزو الفاشى المدعوم بقوة الإمبراطوريات والبترودولار.
فى الـ 30 من يونيو كتبت الأمة المصرية كعادتها كلمة الانتصار لصالحها ومزقت أوصال صفقة التآمر المستمرة ضدها منذ عقود، والآن تزيل آثار العدوان كما يحدث فى تغيير أسماء المساجد.. لكن لو راجعنا ما حدث ووضعنا  كشف حساب يحصى ما جرى سنجد أن الأمة المصرية تكبدت خسائر فادحة اقتصادية واجتماعية دفاعًا عن هويتها ووجودها بسبب لا ذنب لها فيه غير أنها أمة لها مشروع حضارى يدعو للتسامح والشراكة ويرفض الهيمنة والاستغلال.
مشعلو الحرب والحرائق وصانعو الصفقة معروفون ولو تم تقدير حجم الخسائر التى تكبدتها الأمة المصرية بسبب هذه الحرب والصفقة اقتصاديّا خلال العقود الماضية حتى الآن ستصل إلى تريليونات الدولارات، هذا غير ما لا يمكن حسابه من حجم التشوه الذى لحق بالعقل والمجتمع المصرى نتيجة هذه الحرب الملعونة.
يجب عليهم دفع ثَمَن أفعالهم، ولكن قبل دفع الثمَن يجب أولًا أن يصطف هؤلاء المعروفون أمام الأمة المصرية صاغرين ليقدموا اعتذارهم على ما ارتكبوا من جرائم فى حقها.•