تعلمت من أمى الصبر والاعتذار

صباح الخير
كتبت: رشا حسين عبدالرازق
من أصعب الأشياء على الابنه أن تصف الأم، صعبة هى الكلمات المعبرة عن هذه الرابطه التى تشكل حياة لا نعرف لها بداية أو نهاية. تتشابه أمى مع كل الأمهات فى تفاصيل المحبة والاهتمام والقلق، ولكنها أيضا تختلف عنهن تماما فى اختياراتها للحياة، فمنها تعلمت معنى أن أكون امرأة تفخر بكونها امرأة، زرعت فى روحى أننى إنسان ولست شىء ناقص، والمدهش أنها فعلت بفطرة شديدة دون مناقشات ومحاضرات، فكانت نموذج حى فى حياتى اليومية، أتعلم منها دون قصد، فخرجت للحياة مدركة أننى كائن حر مهما كان ثمن تلك الحرية.
منها تعلمت أن السعادة، وأن الحياة الآمنة تتحقق بصورة أجمل حين تشمل الآخرين، تقضى عمرها بحثا عن طرق لتحقيق العدالة الاجتماعيه والعالم الشبيه بالحلم حيث لكل إنسان حقوق متساوية مع الآخرين.
حين تضطر أمى لمغادرة البيت أثناء عملها بالسياسة، وحينما قضت وقتا فى السجن دفاعا عن حق الآخرين فى الحياة الكريمة، تردد لى: من حق كل أطفال العالم أن ينعموا بحياة آمنه مثلك أنت وأخيك.
تعلمت من أمى الصبر، فكم من محن مرت بها، بدءا من فقد الأم فى مراهقتها وتحملها مسئولية أسرة فى سن مبكر، وعبورا بفقد الأخوة الأصغر فى مقتبل العمر وانتهاءا بفقد رفيق العمر، وفى كل تلك المحن كانت قوية تردد دوما الحياة تستمر، ولا نملك رفاهية السقوط، وكنت كلما راودتنى فكرة الانهيار فى ازمة ما، أستحضر جملة أمى المعتادة «الحياة نعمة».
كان العمل السياسى والسفر فى مؤتمرات يأخذ أمى منى منذ الصغر، ولكن كان دائما هناك وقت لنا معا، فأمى صديقة حقيقية، أتحدث معها بطلاقة وحرية دون أى مخاوف فى كل تفاصيل الحياة، فتعلمت ألا أخجل من نفسى حتى وإن أخطأت، وتعلمت كيف أكون صديقة لطفلاى دون حدود، أقبل ماهما عليه دون أحكام ونتبادل المحبة بلا شروط.
أمى هى هذا النموذج الجميل من البشر التى تعترف بالخطأ وتعتذر عنه، وكنت أخجل من نفسى حين تقول لى أنا آسفه، ولكنى أحبها أكثر وأكرر لنفسى ليل نهار أنىى محظوظة بها، وبإنسانيتها الفطرية، التى أتقنتها بتجارب الحياة الصعبة، وكم أنا ممتنة لتلك الحياة التى منحتنى تلك الأم الخاصة جدا والعذبة جدا وأدعو أن ترانى ابنتى يوما بعيونى التى أرى بها أمى.