الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عزة رشاد.. شهادة كاتبة

عزة رشاد.. شهادة كاتبة
عزة رشاد.. شهادة كاتبة


ستة، رقم كبير أو صغير جدًا، حسب توقيت الرؤية لسِتة كتب حفرت لى مكانًا ككاتبة رواية وقصة فى هذا الزمكان، مكان خصوصى «كبر أو صغر» يربطنى بكتبى، وهم غير قليلين لحسن الحظ، كُتبى التى أحبها أحيانًا وأكرهها أحيانا، أشاكسها برفق أغلب الوقت.


هكذا قدمت الكاتبة عزة رشاد، نفسها لصباح الخير  وتساءلت: «ما الذى فى هذه الكتب منى؟ الكثير؟ أم لا شىء؟ لا أدرى، المؤكد أننى، حتى الآن، لا أحتمل فراقها ولا أتنكر لها.. حَلَت أو مَسخَت.. هى لى.. هى أنا. سواء الروايات: «ذاكرة التيه، شجرة اللبخ»، أوالكتب القصصية: «أحب نورا.. أكره نورهان». و«نصف ضوء»: التى نلت عنها التشجيعية 2010، أو «بنات أحلامى» أو «حائط غاندى» التى اختيرت فى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى 2017 وماذا بعد الكتاب الأخير؟
يدهشنى بداية الذعر القديم من الكتابة، الذى كان عائقًا بشكلٍ ما، ذعر التبجيل للكلمة المكتوبة؟ أم التحسب لقارئ ما، رقابة ما؟ مشنقة معلقة على جذع شجرة خرافية. أتساءل الآن ما سر غموض اللحظة؟ وجع شخبطات القلم فوق ورق ضاق بالكلمات؟ ماالذى تعنيه الكلمات؟ أو تفعله؟ وهذه العتامة المضجرة.. وصوت يهمس «لا جديد تحت الشمس». أفكر فى البنت ذات النظارات الطبية تحتج على مدرس الفصل وتتحمل العقاب، رافضة أن يفتش عن عبارات الحب فى كراسها. ويعلو صوتها: من أنت؟ اذهب أنت ووقارك إلى الجحيم. ولكن فى أى عام حدث هذا؟. تخوننى الذاكرة، وتغالى فى خيانتى فأنسى أحيانًا أننى مشطورة إلى نصفين، أمتهن الطب وأعشق الكتابة. وتسألنى صديقة: كيف أوفق بين الاثنين؟ لا أوفق حقيقة، بل أشعر بأننى على هامش كل شىء، أجمع ذاتى من هوامش عدة بحس يملؤه العبث، أشيّد مملكتى الحسية والمعرفية المخاتلة، ونسبيا فقد أمكننى بعد سنوات أن أدجن هذه الصراعات، وأرى فى المعرفة «علمية كانت أو أدبية» جميع ألوان الطيف المتكامل.. يخفت صوت البنت المحتجة، ينكمش القلب، بينما للقلم مآرب أخرى.. يبحث دومًا عن ثورته الخاصة.. صيرورة أخرى.. وجع مغاير.. كلمة لم تُقل بعد. لحظة ضعف، وخز غير محدد، دمعة ترفض الكشف عن نفسها، حبر سرى، أو تغير مزاجى مائة وثمانين درجة.. عناء لا طائل منه، خيبة أمل.. تكبر وتكبر، ثم فرحة تنسيك هذا كله.. وجدتها.. كلمتى.. صوتى.. نبرتى.. معجمى. وجدتنى... أُحبنى الآن أكثر.. لست نبيّة ولا من الحالمين فى تغيير العالم، كتبت من قبل شهادات إبداعية، لم أعد أشعر أن هذا الأسلوب فى التعبير يلائمنى الآن، ويكفينى أن أكتب عن التغيير الذى منحتنى إياه الكتابة، فبعد التوجس القديم من المناطق الشائكة صرت أهفو إليها.. فهل يعد كسر التابوهات هدفًا فى الكتابة؟ بداية، نعم، كسر التابوهات يعتبر عملاً رياديًا وتنويريًا برأيى، فالإبداع الحقيقى معنِى بإخضاع  كل شىء للنقد، معنى بغربلة الموروث، بالهدم وإعادة البناء على أسس مغايرة.
لكن كسر التابوهات يكون مأخذًا فى الإبداع الأدبى إذا تم كسر أحد هذه التابوهات  بشكل متكلف، خارج سياق العمل الأدبى ذاته، أو إذا شفَّ عن تعمد إلى مغازلة قارئ ما، يكون مأخذًا أيضًا إذا تم بشكل فج، كأن يأتى مثلًا كانفجار قنبلة بعد كبت طويل، ضجيج دون طحن، صارخًا وملقيًا بثقله على فنيات الكتابة التى اعتدنا أن تكون سلسة، رهيفة، وغير مباشرة، وهذا الاعتياد بحد ذاته يراه البعض مستحقًا لإعادة النظر.
• صناعة الروائى النجم
قالت صديقتى الكاتبة: ثمة أمر مؤسف مرتبط بهذه الفكرة، فللكاتب أن يكتب ما يريد، ومرحبًا بالجرأة وكتابة الجسد فى إبداع الرجال، أما إبداع المرأة فيتم التربص به للتحضير لاتهام المبدعة ذاتها.
وبالنسبة لى يبدو هذا صحيحًا جزئيًا، وليس على إطلاقه. فالأذى يطال الجميع.. ولكن، ما الذى تريده الكاتبات؟ سُئلت مرة ثم مرات عديدة، وبرأيى أن ما تريده الكاتبات والكُتَّاب معًا هو تغيير الراهن، فالقسم الأكبر من الاهتمام فى بلادنا يتوقف على مكانة الكاتب وليس الكِتاب، هل الكاتب فى مكانة مهنية تؤهله لتقديم خدمات؟ هل يعمل بالصحافة؟ بالإعلام؟ بلجان ما، مجالس ما، بالتأكيد لا مقارنة بين أعداد الرجال والنساء فى هذه المجالات.. الأمر الآخر: هل الكاتب منخرط فى «شِلّة»؟ «جروب»؟ صداقات وجماعات ما؟ قل أن تتواجد بها الكاتبة بسبب كثرة أعبائها الحياتية، وبالتالى تقل فرصتهن فى الاهتمام المستحق.. ثمة أمر آخر يقلص مساحة الاهتمام بإبداع المرأة، هو ترويج أفكار عامة خاطئة بشأنه، كفكرة  أن كل الكتابات النسائية متشابهة، وهذا أبعد ما يكون عن الصواب.
فالمرأة حكاءة بالضرورة «وهذا مثبت علميًا»، وربما يكون صحيحًا أنه يوجد حساسية ما للإبداع النسائى «بشكل عام» تميزه عن إبداع الرجل «بشكل عام»، لكن الباحث فى إبداع المرأة يجد تفاوتات وتنوعات شاسعة، سواء فى البناء أو القضايا، أو أنهن يكتبن عن التابوهات للفت الأنظار.
لكن كل هذا لا يعنى تعرض الكاتبات إلى تمييز على أساس الجنس، فالكُتاب الرجال أيضًا معرضون لنفس التهميش وإن بنسبة أقل. ولا أريد أن أفوت فرصة التساؤل بشأن ظاهرة تجييل الإبداع الأدبى. ناهيك عن سياسة صناعة المبدع/ الروائى النجم، التى تحاول تكريس نمط واحد والإعلاء من شأنه على حساب بقية أنماط الكتابة. 
لكنى مازلت أفكر: ما الذى أنتظره من الكتابة؟ رضا من نوع ما، انتشاء قل أن يبلغه أى عمل آخر. •