الخميس 29 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حكاية مبنى ضريح فرعونى للزعيم

حكاية مبنى ضريح فرعونى للزعيم
حكاية مبنى ضريح فرعونى للزعيم


 بعد وفاة سعد باشا زغلول، فى 23 أغسطس 1927، قررت الحكومة المصرية برئاسة عبدالخالق باشا ثروت، تخليد ذكرى الزعيم ببناء ضريح ضخم، يبنى بجوار بيته، وإنشاء تمثالين للزعيم، أحدهما فى القاهرة وضع بالجزيرة، والآخر فى الإسكندرية أقيم فى محطة الرمل.. من ناحيتهما اعترضت السرايا والإنجليز على قرار الحكومة، بإقامة التمثالين والضريح، فمن وجهة نظر السرايا أنه ليس لمحمد على باشا وابنه إبراهيم باشا غير تمثال واحد، وأن الخديو إسماعيل ليس له تمثال، فكيف يكون لسعد تمثالان.

أما الإنجليز فكان اعتراضهم نابعا من أن وجود التمثالين والضريح سيبقيان على استنفار المشاعر الوطنية بشكل دائم.
لكن قرار عبد الخالق ثروت تضمن أن تتحمل الحكومة جميع نفقات الضريح، وتم اختيار قطعة الأرض المجاورة لبيت الأمة، واكتمل البناء فى 1931 خلال وزارة إسماعيل صدقى،  الذى كان من خصوم سعد زغلول، فعارض أن يقتصر الضريح الضخم على شخص واحد، واقترح تحويل الضريح إلى مدفن يضم رفات كل الساسة والعظماء.
لكن «صفية» زوجة الزعيم رفضت هذه الفكرة بشدة، وأصرت على أن يكون الضريح خاصا بسعد فقط، وفضلت أن يظل جثمانه فى مقابر الأسرة بالإمام الشافعى،  إلى أن تتغير الظروف السياسية، ويسمح بنقله فى احتفال يليق بمكانته التاريخية كزعيم للأمة.
«الضريح فى انتظار تغيير سياسى»
وعندما تشكلت حكومة الوفد برئاسة مصطفى النحاس، طلبت صفية زغلول «أم المصريين» نقل جثمان سعد إلى ضريحه بشارع الفلكى،  بجوار بيت الأمة، وحدد النحاس باشا يوم 19 يونيو 1936 للاحتفال بنقل رفات زعيم الأمة إلى ضريحه، بعد أن ظل فى مقابر الإمام الشافعى تسع سنوات. وصدر أمر النحاس فى صورة قانون برقم 53 لسنة 36 بنقل الرفاة إلى الضريح، وصادق عليه البرلمان، ونقل الرفاة فى مشهد مهيب يوم الجمعة 19 يونيو 1936.
ونص القانون الذى صدق عليه صاحب الجلالة فاروق الأول وأصدره على:
- مادة 1: تنقل رفاة المغفور له سعد باشا إلى ضريح سعد، باحتفال رسمى على نفقة الدولة، يوم الجمعة 29 ربيع الأول 1355 هجرية 19 يونيو 1936، ويكون الضريح مبانيه وحرمه طبقا للرسم الموضوع لهما، وطبقا للشرط المقرر فى الكتابين المرفقين بهذا القانون، مخصصا على وجه الدوام لدفن المغفور له، وزوجه من بعده، دون غيرهما.
- مادة 2: على وزير الداخلية والمالية تنفيذ هذا القانون الذى يصبح نافذا بمجرد نشره فى الجريده الرسمية.
صدر فى سرايا عابدين فى 16 يونيو 1936، وقد وقع على القانون كلٌّ من: مكرم عبيد بصفته وزيرا للمالية، ومصطفى النحاس بصفته وزيرا للداخلية ورئيسا للوزراء، وصدق عليه مجلس الوصاية المكون من الأمير محمد على،  وعبد العزيز عزت باشا وشريف صبرى باشا.
وترصد الصحف الصادرة يومها تفاصيل نقل الجثمان، وتظهر الصور أنه نقل على عربة عسكرية تجرها ثمانية خيول، واخترق الموكب القاهرة من الإمام الشافعى إلى الضريح، الذى كان قد أقيم بجواره سرادق ضخم لاستقبال كبار رجال الدولة، والمشيعين من أنصار سعد، وألقى النحاس كلمة فى حب زعيم الأمة.
معبد فرعونى
فضلت حكومة عبد الخالق باشا ثروت وأعضاء حزب الوفد أن يبنى الضريح على الطراز الفرعونى،  حتى لا يصبغ الضريح بصبغة دينية، يعوق محبى الزعيم من المسيحيين والأجانب من زيارته. وصمم الضريح المعمارى وكبير مهندسى القصور الملكية، وكبير مهندسى وزارة الأشغال، مصطفى فهمى باشا (1886-1972) وهو من رواد عمارة التأصيل والحفاظ على الهوية والجذور المعمارية المصرية، مع الاستفادة من نظم العمارة والبناء الحديثة. وهو من صمم مبانى دار الحكمة «نقابة الأطباء حاليا» ومبنى جمعية المهندسين المصريين بشارع رمسيس، ومستشفى الجمعية الخيرية بالعجوزة وغيرها.
وتبلغ مساحة أرض الضريح نحو 4815 مترا مربعا، أما الضريح المبنى فى وسطها فيحتل مساحة 650 مترا مربعا، بارتفاع 26 مترا، تحيط به حديقة على الطراز الفرعونى، كما يوضح الدكتور المهندس هشام فتحى، أحد مؤسسى مكتب الاستشارات الهندسية تى اتش اى،  وهو المكتب الذى قام بترميم الضريح فى 2003، واستغرق الترميم والتجديد 6 أشهر، بتكلفة مليون جنيه.
 كان الدكتورعبدالرحيم شحاتة، محافظ القاهرة، قد اتخذ قرارا بترميم الضريح على نفقة المحافظة وقتها، ووضعه على الخريطة السياحية لها، وأقام المحافظ حفلا بحديقة الضريح حضره كبار الشخصيات والفنانين وأساتذة العمارة والآثار، احتفالا بانتهاء الترميم فى عام 2003.  
ويلفت الدكتورهشام إلى أن المعمارى مصطفى فهمى  استوحى من العمارة الفرعونية شكل المعبد وفكرة المقبرة عند وضعه لتصميم ضريح سعد،  ليجمع الضريح بين شكل المعبد من الأعلى والمقبرة من الداخل. ولذلك استخدم أعمدة وتركيبة مدفن ضخمة من الجرانيت الأسوانى،الشائع استخدامه فى العمارة الفرعونية كما فى المسلات،  للدلالة على جلالة وعظم صاحب المكان، فضلا عن استخدامه وحدات زخرفية فرعونية كزهرة اللوتس والصقر حورس، فى الواجهات والسور، أما حوائط الضريح فبنيت من الحجر الجيرى، كما تتميز واجهاته بالزوايا القائمة المميزة للعمارة الفرعونية.
وللضريح بابان يعلوهما زخرفة للصقر حورس، أحدهما يطل على شارع منصور، وهو من الخشب المكسو بالنحاس بارتفاع 6 أمتار ونصف المتر، وهو نسخة طبق الأصل من الباب الآخرالمطل على شارع الفلكى،  وتتقدم البابان 15 سلمة من الجرانيت، لتضفى مهابة إضافية للتصميم، وقدسية وأهمية على غرار سلالم المعابد. ويوضح المهندس هشام أن حديقة الضريح  صممت أيضا بحسب ما عرف عن شكل الحديقة الفرعونية، التى تكون مزروعة عادة على هيئة  زوايا قائمة، ويكون فيها ممرات على شكل مربعات، وتوزع الأشجار فيها بدقة.
وتغطى حوائط  المبنى،  من الداخل والخارج، بطبقة من الرخام الجرانيت، بارتفاع 255 سم، كما أن السلالم مكسوّة أيضا بنفس النوع من الرخام، ويحاط الضريح بسور من الحديد والنحاس والكريتال، بطراز فرعونى ينتهى من أعلى بأشكال زهرة اللوتس من النحاس، وقد فُقدت بعض منها، فتم صب مثيل لها من النحاس، استخدم فى أعمال الترميم، كما يشرح المهندس هشام.
وداخل الضريح توجد تركيبة ضخمة من الجرانيت، بها فتحتان، الأولى لسعد زغلول، والأخرى لزوجته صفية.