السبت 5 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

صناع السجاد اليدوى: نحتاج دعم الدولة

صناع السجاد اليدوى: نحتاج دعم الدولة
صناع السجاد اليدوى: نحتاج دعم الدولة


 السجاد اليدوى فن له أصوله وتاريخه، ومنذ أقدم العصور يُغزل الكليم والسجاد اليدوى المصنوع من الحرير والصوف وغيرها فى بيوت الأسر المصرية فى مختلف المحافظات. أسيوط، البرلس، «فوة» كفر الشيخ هى المحافظات التى انطلقت منها صناعة السجاد منذ أكثر من مائه عام، وانضمت  إليها الفيوم والمنوفية -وخاصة قرية ساقية أبو شعرة- إلى عالم صناعة السجاد اليدوى.

 ويؤكد الكثير من (أسطوات) هذه الصناعة أن العصر الذهبى لتصدير السجاد اليدوى كان من بداية السبعينيات وحتى عام 2010، وكانت مصر من أولى الدول فى تصدير السجاد، لكن توقفت حركة التصدير منذ 2010، لعدة أسباب داخلية، بالإضافة إلى ظهور دول منافسة فى هذه الصناعة معتمدة على الماكينات فى الكثير من خطوات تصنيع السجاد مثل تركيا وأفغانستان.
ومع هذا فلدى (أسطوات) هذه الصناعة أمل كبير فى العودة إلى هذا العصر الذهبى للصناعة، إذا توافرت بعض المطالب وسهلت لهم الدولة بعض العقبات الممكنة.
صناعة السجاد تبدأ من أسيوط، لأنها بلد الأيدى الماهرة فى الصناعة، وتجارها ماهرون فى الحصول على المواد الخام اللازمة لتصنيع السجاد، يقول الأسطى خالد الدهان-55 سنة، الذى بدأ عمله فى أسيوط، وانتقل فيما بعد للقاهرة: فى بداية عمل الأسطى خالد كان أغلب الزبائن يميلون لاختيار السجادة ذات الزخارف والأشكال الكلاسيكية التقليدية، أما الآن فيميل ذوق الشباب لاختيار الرسومات البسيطة الرقيقة أو المودرن الحديث.
أسعار السجاد اليدوى وفقًا لما عاصره الدهان منذ بدايه عمله فى السجاد اليدوى وهو ابن السابعة عشر، بدأت بـ 3 جنيهات للكليم الـ 2 متر، أما الآن فقد يصل سعر الكليم إلى 600 جنيه والسجادة إلى 800 جنيه للمتر، وفقًا للخامات المستخدمة سواء كانت صوفًا أو حريرًا أو غيرهما، ومن عوامل زيادة سعر السجاد من وجهة نظر الدهان هو ارتفاع سعر الأيدى العاملة، ففى وقتنا الحالى يطلب العامل ما لا يقل عن 100 جنيه نظير عمله فى اليوم الواحد، مما يزيد التكلفة على التاجر وبالتالى الزبون.
يقترح خالد الدهان إقامة قرية أو مدينة بأكملها لصناعة السجاد بدلًا من تشتتها الآن فى الكثير من المحافظات، إلى جانب تخفيض الضرائب والجمارك االمرتفعة التى يتم فرضها على المواد الخام المستوردة، إلى جانب الاتجاه لتصنيع هذه المواد الخام فى مصر.
نجاح نصر «واحد من أسطوات صناع السجاد اليدوى الذى ورث المهنة أبًا عن جد، فمنذ كان عمره 6 سنوات وهو يعمل مع والده فى غزل الكليم والسجاد اليدوى فى مدينه فوه فى محافظة كفر الشيخ».
بدأ نجاح العمل فى السجاد اليدوى وهو ابن الست سنوات وكان دوره يقتصر على الجلوس بجانب العمال لفك تشابك الغزل، وصنع أول كليم بنفسه وهو فى عمر الخامسة عشر عامًا وبعدما عشق هذه المهنة ترك التعليم وتفرغ بشكل كامل لتصنيع السجاد والكليم.
يصف نجاح حال عامل السجاد اليدوى فى العصر الذهبى،  أنه كان أفضل من موظفى الحكومة، حتى عندما كان يتقدم أحدهم لخطبة فتاة كان يوافق أهلها فورًا، إذا كان صنايعى سجاد يدوى،  لأن هذه الصناعة كانت رائجة فى ذلك الوقت.
تذكر ابن كفر الشيخ صاحب الـ 55 عامًا منزل والده القديم ذات الثلاثة أدوار، حيث كان كل دور به مجموعة من الأنوال وصل إجمالى عددها لما يقرب من 30(نول) بمقاسات وأحجام مختلفة، تأتى إليها العاملات صباح كل يوم لغزل السجاد والكليم واستمر هذا المنزل يحمل نكهة المصنع حتى وفاة والده، وبعدها تفرق الإخوة وقرروا أن يكون المنزل منزلًا عاديًا للسكن، خاليًا من معالم صناعة السجاد اليدوى.
قرر نجاح نصر أن يستمر فى نفس عمل والده خاصة بعد تركه الدراسة وعدم قدرته على إيجاد فرصة عمل جيدة، إلى أن استطاع يؤسس لنفسه مقر عمل أشبه بالمصنع، واستطاع من خلاله أن يحقق شهرة كبيرة حيث وصل سجاد مصنعه للبنوك والسفارات ورئاسة الجمهورية فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك.
«أغلب شباب كفر الشيخ اتجهوا للوظائف الحكومية أوللأعمال التجارية ذات المكسب المرتفع بالمقارنة مع صناعة السجاد والكليم التى تحتاج إلى وقت ومجهود كبير، ولكى تعود صناعة السجاد لعصرها الذهبى تحتاج لتدريب مجموعة من الشباب الصغير على هذه الصناعة، لاستعادة الأيدى العاملة التى تركت المهنة».
فى حى المعادى الهادئ، وفى مكتبه المحاط بالسجاد اليدوى المخصص لتزيين الحوائط، عاد ممدوح الأسيوطى بالذاكرة لما يقرب من 80 عامًا حيث كانت بداية محل والده فى شارع الأزهر وبعدها بسنوات قليلة بدأ وهو فى المرحلة الإعدادية مساعدة والده والانخراط فى دهاليز السجاد اليدوى بداية من تصنيعه وحتى بيعه فى الشارع التجارى الأشهر فى القاهرة.
يحكى: تصنيع السجاد تكون بدايته من أسيوط، ففى هذه المحافظة الصعيدية قرر الكثير من الأسر أن يحولوا منازلهم إلى مقر عمل خاص بهم، فبعد تجهيز النول فى فناء المنزل يبدأ الريس - أكثر سكان القرية خبرة فى عالم تصنيع السجاد-  فى توزيع الخامات والرسومات المطلوبة على الأسر العاملة، ويوضح لكل أسرة عدد العقد الموجودة فى كل سجادة وكذلك مساحتها ويتفق معهم على موعد التسليم، ولا يتوقف دور الريس عند هذا الحد بل يشرف بنفسه بين الحين والآخر على ما وصلت له الأسرة فى التصنيع، وخلال فترة التصنيع كان الأسيوطى يمر مع والده مرة واحدة أسبوعيًا برفقة الريس للاطمئنان على سير تصنيع السجاد بشكل سليم، ثم يعودا للقاهرة لاستكمال باقى الأعمال.
فى شارع الأزهر.. شارع تجهيز العرائس، كانت محلات الأسيوطى للسجاد اليدوى والكليم واحدة من المحلات التى يمر بها أى عروسين قبل الزواج وكذلك أصحاب الذوق الرفيع الراغبين دائمًا فى التجديد، ويشارك فى تصنيع السجاد اليدوى الذكور والإناث معًا، لكن كعادتها الأنثى أثبتت براعة ومهارة أكبر من الذكور فى هذا المجال تحديدًا، والذى يحتاج مهارة وحسا فنيا.
«البنت يدها ناعمة وخفيفة على الخامات وتحديدًا الحرير، وبالإضافة، لذلك فهى تتمتع بصبر هائل يجعلها تستطيع إتقان السجاد المصنوع من الحرير وذات العُقد الضيقة، ولذلك سنجد أن السينما والتليفزيون سلطت الضوء على النساء والفتيات فى هذه الصناعة تحديدًا» يقول ممدوح.
«صبر أيوب، مال قارون، عمر نوح» هذا ما يحتاجه كل صناع وتجار السجاد اليدوى،  لأن دورة صناعته لا تقل عن شهر ومن الممكن أن تصل لعدة سنوات يصف ممدوح خط  إنتاج الصناعة من بدايته: صناعة السجاد من الصناعة المتعددة الخطوات، حيث تبدأ بالحصول على الصوف أو الحرير المخصص لصناعة السجاد وبعدها يتم غسله ثم صبغه، ثم تأتى مرحلة العزل التى يكون فيها المادة المصنوع منها السجاد عبارة عن فتل وخيوط رفيعة، وتستمر مرحلة الغزل حتى تتم صناعة السجادة كاملة ويتوقف طول المدة أو قصرها على عدد العقد وحجم السجادة وتفاصيل الرسمة الموجودة بها.
والغزل ليست هى المرحلة النهائية فى تصنيع السجاد اليدوى كما يظن البعض، لكن السجادة أو «العروس» كما يصفها ممدوح الأسيوطى،  والتى يجب أن تتزين قبل أن تصل لصاحبها، فبعد إتمام عملية العزل يتم غسل السجادة جيدًا ثم نشرها فى مكان مشمس جيد التهوية وتكرر هذه العملية عدة مرات، وفى النهاية يتم خياطة جوانب السجادة بأكملها ثم (كويها) وطرحها للبيع.
شغف ممدوح الأسيوطى بالسجاد اليدوى لم ينته، فرغم دراسته للهندسة، فإنه قرر أن يكون السجاد هو أساس حياته العملية فبدأ تطوير نفسه والصناعة من خلال سفره لبلجيكا والصين وعدة  دول أوروبية  للتعرف على الخامات الجديدة وما يفكر فيه العالم الآخر فى تطوير هذه الصناعة.
يتمتع الأسيوطى بالشغف وروح المغامرة وهو ما يميزه عن والده، فبعدما تحرر من عباءة والده وأصبح مسئولًا عن الأسيوطى للسجاد اليدوى بدأ يضيف كل ما هو جديد حتى وإن كان لا يتناسب مع ذوق العميل الحالى، فالأهم بالنسبة له التطوير والذوق الرفيع، على عكس والده الذى كان ينظر للصناعة بنظر التاجر.
كريم الأسيوطى اتبع خُطى والده فبعد دراسته للهندسة قرر العمل مع والده فى عالم السجاد اليدوى،  ورغم أن القرار نابع من كريم نفسه دون أى ضغوط من والده فإنه ليس لديه نفس الشغف الذى ملأ والده منذ بدأ العمل فى السجاد اليدوى وهو ابن الثانية عشر عامًا.
السجاد اليدوى يحتاج إلى دعم كبير من الدولة حتى يعود من جديد ويزدهر مثل بداية ظهوره، وقدم ممدوح الأسيوطى مجموعة من الاقتراحات اللازمة لإحياء هذه الصناعة من جديد.. وأهم هذه الاقتراحات هو إنشاء معارض للسجاد اليدوى فى مصر حتى وإن كانت ذات إمكانيات بسيطة، فذلك سيتيح فرصة أكبر لزيادة فرصة انتشار السجاد اليدوى من جديد، وطالب أيضًا بتخفيف الجمارك على سفر كبار مصنعى وموزعى السجاد اليدوى فى مصر، للمشاركة فى معارض السجاد اليدوى،  لأن العارضين يضطرون لدفع جمارك ورسوم كبيرة نظير سفر معروضاتهم «لابد من الانفتاح على الدول الأوروبية، فأغلب زبائن السجاد المعروض فى مصر من الأمريكان والفرنسيين وكذلك العرب».•
 
كيف تحسب عمر السجادة؟


قبل سنوات طويلة ومع بداية ظهور السجاد اليدوى فى مصر، كان يعتز كل عامل بعمله الذى أبدع فيه، وكان يوقع أسفل كل سجادة باسمه وبالتاريخ الذى أتم فيه عمل السجادة، ولكن كان يتم التوقيع بالتاريخ الهجرى ولحساب عمر السجادة بالتاريخ الميلادى يتم طرح 33 ثم إضافة 622، ذلك وفقًا لما هو موجود فى كتب السجاد العالمية.


أسرار الحفاظ على السجاد اليدوى


فى مكتب الأسيوطى سجاد مر عليه عشرات السنوات لكنه ما زال محتفظًا بكافة تفاصيله كالجديد، والسر فى ذلك هو الطريقة التى يتم بها حفظ السجاد، فأعداء السجاد اليدوى «العته والرطوبة». لذلك ينصح ممدوح الأسيوطى عشاق هذا النوع من السجاد بمسح الأرض جيدًا قبل فرش السجادة، وفى أسوأ الحالات إذا تم بل السجادة يتم تجفيفها فورًا بالمكواة أو السيشوار، أما للهروب من العتة فيجب حفظ السجاد ولمه جيدًا قبل تخزينه.