..التابو فى سينما جيل الثمانينات

صباح الخير
جاء اختيارى لهذا الكتاب تحديدا لأهمية المرحلة التى اختصها الكاتب والناقد أحمد شوقى فى الرصد وهى مرحلة الثمانينات، مرحلة أفرزت عددا كبيرا من المبدعين وتركت للمكتبة الفنية إرثا شديد الثراء، اختص الكاتب جيل الثمانينات وجراتهم فى تناول التابوهات كلا منهم بأسلوبه بشكل مختلف تماما عن سينما السبعينات التى اتسمت بالجرأة فى التناول ولكنها كانت بشكل تجارى بحت يعتمد على المباشرة.
الكتاب يتناول بالرصد والتحليل التجارب الفنية لخمسة من أعمدة سينما الثمانينيات، ودورهم فى تحطيم العديد من التابوهات على مختلف الأصعدة، وتوضيح دور هذا الجيل فى الفن السينمائى فى مصر والعالم العربى.
رصد الكتاب تجربة المخرجين داود عبدالسيد، محمد خان، عاطف الطيب، خيرى بشارة، ورأفت الميهى، الذين برزوا إبان عقد الثمانينات من القرن الفائت، ضمن تيار الواقعية الشابة فى السينما المصرية، والتحول الإبداعى الذى أحدثته هذه الأسماء فى السينما المصرية والعربية.
يحكى شوقى كيف تكونت فكرة الكتاب عندما كان يعيد مشاهدة أحد أفلامه المفضلة وهو فيلم الصعاليك» للمخرج الكبير داود عبدالسيد ويقول: « عندما وجدتنى أريد الكتابة عن الفيلم، فلدى ما أقوله مما لم ينتبه له أحد من قبل على حد علمى وأقصد التوظيف الدقيق للعلاقات الجنسية الخمس التى يضمها الفيلم، بحيث تكون نقاط مفصلية لمراحل حياة البطلين.
فتحت ملفا جديدا وبدأت الكتابة فوجدت عندى مقالا مكتملا وجدت نفسى أفكر فى أن أفلام مخرجى جيل الثمانينيات (موجة الواقعية الجديدة) حسب المصطلح الدارج والتى قد تكون أكثرموجات السينما المصرية حظا فى التناول النقدى، قد تم تناولها بصوركثيرة، بعضها قائم على أساس منهجى والآخرعلى تحليل أيديولوجى أوعلى شكل السرد.
«اخترت هذا الجيل باعتباره الأقرب لقلبى وخبراتى وذائقتى الشخصية، ولأنى كنت ولازلت أعتبره أهم حركة حقيقية شهدتها السينما المصرية فى تاريخها الممتد، واخترت خمسة أسماء لكبار مخرجى الجيل، وهم داود عبدالسيد ومحمد خان ورأفت الميهى وخيرى بشارة وعاطف الطيب، ليكونوا محل تركيزى واهتمامى، وتطورت الفكرة بتوسيع دائرة التناول من التابو الجنسى فحسب، لتشمل التابوهات الثلاثة: «الجنس والسياسة والدين» يشرح المؤلف.
جيل تمكن من أن يصنع فارقا ضخما فى صناعة السينما المصرية، وتكوين أول «موجة سينمائية» حقيقية فى مصر، مكونة من مجموعة من الفنانين (مخرجين ومؤلفين ومصورين ومونتيرين) يجمعهم فهم مقارب لفن السينما، ويعملون انطلاقا من هذا الفهم ليقدم كل منهم إبداعه الخاص فى إطار الحراك الجماعى للصناعة نحو صورة أكثر توائما مع احتياجات عصرهم وتقدم الوسيط الذين ينقلون أفكارهم وأحلامهم من خلاله.
الجيل نفسه حطم عدة تابوهات خاصة بنمط الصناعة ومراحل صنع الفيلم، بخلاف تحطيم تابوهات الجنس والسياسة والدين دراميا وبموضوعية شديدة جدا، يوضح شوقى فى فصله الختامى أن مخرجين الثمانينات لم يكونوا أول من أقدم على هذه التغييرات، ولكنهم أول من فعلها بشكل منهجى:
• نسب الفيلم لمخرجه
إنجاز مخرجى جيل الثمانينيات فى نسب الفيلم لمخرجه، وهو الأمر الذى صار اليوم فى حكم الحقيقة المسلم بها خاصة مع نفس المجموعة، فصار المشاهد ينتظر فيلم داود عبدالسيد أو محمد خان ويعرّفه بهذه الصفة، بغض النظر عمّن يلعب دور بطولته.
• الخروج من حيز الدراما الكلاسيكية
جاء جيل الثمانينيات ليحطم هذا التابو السردى الممتد بطول تاريخ الصناعة الكلاسيكى للدراما ذات الثلاث فصول، والتى تقع فى مساحة ما بين المسرح والحكى الشعبى، وهو الإنجاز الذى كان له الفضل الأول فى ظهور مصطلح «الواقعية المصرية الجديدة» الذى أطلقه الناقد الكبير سمير فريد على هذا الجيل لينتشر بسرعة هائلة ويصبح المسمى الذى يعرف به مخرجى الجيل.
والبطل فى أفلام جيل الثمانينات لم يعد هذا البطل الكلاسيكى النموذجى الإيجابى، بل صار أكثر إنسانية واتساقا مع الواقع: متخبط، يحمل قدرا من السلبية، يحمل نقاط ضعف وخطايا بقدر ما يحمل من نقاط قوة.
أفلامهم تحمل داخلها صياغات أخلاقية قد تبدو صادمة لو تم طرحها بمعزل عن السياق الفيلمى، بالإضافة إلى عثورهم على الصياغة الإنتاجية الأنسب، والتى تمنح المبدع مساحة من الحرية أكبر مما يتيحه النظام الإنتاجى السائد.
إنجاز جيل الثمانينيات لايتوقف على تجربة أفلام الصحبة، بل يمتد لعدة تجارب أخرى منها تجربة شركة «ستوديو 51» الذى أسسها رأفت الميهى لتنتج أفلامه بعيدا عن ضغوط السوق لتضمن استمرار وجودها، فتنتج كل أفلام مؤسسها حتى يومنا هذا.
• التابوهات على الطريقة الداودية
على مدار ربع قرن قدم داود عبدالسيد ثمانية أفلام روائية طويلة، كتب بنفسه السيناريو لسبعة منها) أحدها عن رواية لإبراهيم أصلان وآخر عن قصة لخيرى شلبى ومن بين هذه التابوهات يظهر داود عبدالسيد كأنضج أبناء جيله توظيفا للتابو الجنسى فى دراما أفلامه، سواء على صعيد امتلاك موقف واضح متبلور من البداية تجاه الجنس، أو فى توظيف العلاقة الجنسية نفسها كموتيفة درامية ذات ثقل قد لايكون محركا للحدث الرئيسى، لكنه يصفه ويوضحه.
الجنس فى عالم داود عبدالسيد أمر طبيعى وفطرى، يحدث بشكل مستمر فى حياة البشر، وبالتالى فلا يمكن تجاهله عن عرض هذه الحياة على الشاشة، والإنسان يمارس الجنس عندما يحتاجه، كما يأكل عندما يشعر بالجوع، لذلك فممارسته أمر غير مستهجن أو مدان، حتى لو حدث خارج منظومة الشرعية المجتمعية المتمثلة فى الزواج، ولكنه يفقد الكثير من صفاته الإنسانية التى يقدسها المخرج عندما يكون الجنس أمر هروبى يشغل صاحبه عما هو أهم، لأنه ينحو نحو الحيوانية مثال حالة يوسف بطل «البحث عن سيد مرزوق» والذى يقضى ليلة مع عاهرة تتسبب فى انشغاله عن الفتاة التى تحرك قلبه إليها والتى تمثل كل أمانيه التى توارت مع مرور أعوام من انتهاجه للسلبية، بل وتنتهى الليلة بإبلاغ العاهرة للشرطة عن مكانه، لتكون العلاقة معادلة لانخراط المثقف البرجوازى فى الملذات الحياتية بما يشغله عن دوره الأهم، كما يراه داود عبدالسيد، لتكون أفلامه هى صرخته فى وجه هذه المنظومة القيمية المختلة بالكامل ولعل أبرز توضيح لهذا الموقف يأتى فى التجليات الجماعية المتباينة فى فيلمى «الكيت كات» و«سارق الفرح».
فأهالى الكيت كات يقومون جميعا بعلاقات جنسية خارج إطار الشرعية يفترض أنها سرية، بينما يعلم كل منهم فى قرارة نفسه أن عالمهم بلا أسرار، وأن الجميع يعلم بأمر هذه العلاقات ويمررها، إما لأنه مارس أو يمارس علاقة مشابهة، أو لأنه يدرك أن هذه العلاقات ماهى إلا حيلة إنسانية ذكية للتعامل مع الواقع التعيس واستخلاص لحظات السعادة من داخله، وهذه اللحظات التى تنير حياة سكان الحى الفقير لا يمكن أن تكون مدانة حتى ولو كانت منظومة القيم الزائفة تدعى ذلك.
على النقيض تماما يأتى موقف سكان الحى العشوائى بالمقطم فى سارق الفرح، والذين يعيشون حياة مختلفة تهان فيها إنسانيتهم بشكل يومى، بحرمانهم من كل ما يثبت هذه الإنسانية، فيكون الموقف الجماعى هو التمسك الشديد بقيمة العذرية وشرعية الزواج، باعتباره االشيء الوحيد الذى يؤكد لهم أنهم لايزالون بشرا لم يتحولوا بعد لحيوانات.
أما الطرح الأكثر جرأة فيما يتعلق بالدين فكان فى الفيلم الذى أسيئ تفسيره طويلا «أرض الخوف» أما من الجانب السياسى فموقفه كان واضحا من اليوم الأول، فهو رافض على الدوام لسطوة السلطة وتدخلها فى حياة البشر، ولتحيزها ضد ما يفترض أن تتحيز لصالحه.
فرجل السلطة فى «الصعاليك» فاسد يتعمد الإضرار بالمصلحة العامة لعقد صفقات ومكاسب شخصية، والضابط عمر ممثلا لسلطة في «سيد مرزوق» ينحاز للسيد المرزوق صاحب المال على طول الخط، فينبهر به ويروى عنه الحكايات، ويساعده ويتلمس له الأعذار، على العكس تماما من موقفه من المواطن يوسف، الذى يضيق عليه الخناق ولايهتم بمساعدته حتى على فك قيد يضايقه ويحيل حياته جحيما.
ثم لنرى المخبر في «مواطن ومخبر وحرامى» مجرد كيان متخبط، يتسول الخدمات من معارفه المهمين الذين يحرص على خطب ودهم، ويميل لحل المشكلات بالطرق العرفية بعيدا عن القانون الذى يمتلك سلطة تطبيقه.
التابوهات على الطريقة الخانية
الجنس كموقف شخصي
وإذا كانت سينما داود عبدالسيد تقوم على موقف واضح تجاه التابو الجنسى، فإن التعامل مع الجنس يأتى بصورة مغايرة تماما فى عوالم محمد خان.
فالمسيرة الممتدة من الأفلام لايمكن وصفها اتخاذ موقف واحد يمثل مظلة تتحرك الدراما تحتها، بل يتم تبادل المواقع فيها ليصبح الجنس فيها موقف شخصى، تتباين قواعد الحكم عليه بتباين الشخصيات التى تضع كل منها لنفسها إطارها الخاص الذى تقبل فيه بعض الممارسات وترفض فيه ممارسات أخرى، فالسرد فى سينما محمد خان يقوم بشكل عام على البساطة البنائية، وعلى الاستعاضة عن البناء الدرامى المحكم بالتعمق فى نفوس الشخصيات وجعلها المحرك الرئيسى للشحنات العاطفية والفكرية لدى المشاهد.
ولتطبيق هذا الطرح عمليا يمكننا المقارنة بين مواقف أبطال أفلام محمد خان من الجنس، بداية من مشهد انطلاق «ضربة شمس» الذى يلمح بتجاوز القيم السائدة وانخراط البطل شمس فى علاقة جسدية مع حبيبته وفى الأغلب حبيبته فقط دون غيرها، مرورا بفارس بطل «طائر على الطريق» الذى لايرفض دخول علاقة جنسية عابرة لكنه يرفضها عندما يعلم أنها مع امرأة متزوجة، فمنظومته القيمية لاتسمح بخيانة رجل لايعرفه، لكنه يعود ويمارس الجنس مع امرأة متزوجة أخرى عندما يقع فى حبها ويعلم أنها أسيرة زوجها الطاغية، فهو بذلك لايخون أحد بل ينتصر للفطرة التى تكبلها قيود اجتماعية باعت فوزية لجاد مثلما باعت نوال بطلة «موعد على العشاء» لزوجها عزت، وثبوت رؤية المخرج يكمن فى إدانته فى المرتين للزواج الأشبه بالصفقة، يمكننا أن نستمر فى رصد المواقف المتعددة من الجنس.
ضد السلطة تلقائيا
وبعيدا عن الموقف الواضح من السلطة السياسية فى فيلم مثل «زوجة رجل مهم» والدينية فى فيلم مثل «الغرقانة»، فإن طبيعة الشخصية الرئيسية فى أفلام محمد خان تجعل الأفلام تلقائيا تتخذ موقفا معارضا للسلطات الحاكمة للمجتمع بصورها المختلفة.
الأمر هنا لاعلاقة له بموقف الشخصية نفسها من السلطة، فأغلب شخصيات خان تنشغل فى معظم الوقت بهمومها الخاصة ومشكلاتها الصغيرة، وهو ما يجعل من الصعوبة أن نصف معظم هذه الشخصيات بالمعارضة السياسية.
ويجب أن نفصل هنا بين مفهومى المعارضة والتمرد، فالبطل الخانى متمرد بطبعه ضد ظروفه وضد تصور المجتمع عن هويته وسلوكه والطريقة التى يفترض أن يعيش بها، ولكن هذا التمرد الاجتماعى نادرا ما يصاحبه معارضة سياسية من النوع الذى يمكن اعتباره تحطيما للتابو السياسى بما يقلق السلطات من الفيلم.
ولكن فى حالات معدودة اتخذ التمرد أحد أشكال المعارضة السياسية الواضحة سواء من قبل المخرج أو من قبل شخصيات أفلامه، أبرزها بالطبع اللوم.
الواضح للسلطة الممنوحة لكل من يشبه هشام «زوجة رجل مهم»، والتى تحوله تدريجيا من شاب واعد وموهوب فى عمله إلى مسخ يؤمن بهيمنته على مصائر العباد وكأن الشكل العام للسلطة فى عالم محمد خان أنها كيان مهيمن، يضغط على الشخصيات ويزيد من متاعب حياتها اليومية، بل ويتحرش بهم أحيانا وينتزع حقوقا ليس له، لايخاف سوى على مصالحه ويحرص عليها بينما يتجاهل حقوق البسطاء.
الدين وظهور متأخر فى مدينة محببة
المساحة الدينية هى الأصغر على الإطلاق بين التابوهات فى سينما محمدخان، يتشابه ظهورها المتأخر فى أفلامه مع زمن ظهورها فى سينما أبناء جيله داود عبدالسيد وعاطف الطيب، ولكن الصعود الواضح للتيار الدينى وظهور أثره على أرض الواقع كان لابد وأن يكون لها انعكاس فى سينما مخرجى جيل الثمانينيات أصحاب الحساسية المفرطة لمجتمعهم.
هذه الحساسية تتعلق عند خان بمدينته المحببة القاهرة، التى كان أحد أهم من وثّقوها بصريا فى أعمالهم، بشوارعها ومبانيها ومحطاتها ومهمشيها.
لذلك فكان من الطبيعى أن يستشعر تاثير هذا المد الدينى فى تفاصيل شديدة البساطة مثل رفض صديقة البطل فى «يوم حار جدا» أن تقبله كما اعتاد تقديما، لتخبره أن المجتمع تغير عن وقته سفره للخارج ولم يعد ذلك أمرا هينا.
التابوهات على الطريقة الطيبية
بدون تردد يمكن اختيار عاطف الطيب ليكون أكثر أبناء جيله جماهيرية، بتحقيق أفلامه لإيرادات مرتفعة كفلت له العمل باستمرار حتى وفاته المفاجئة، بمعدل أكثر من فيلم فى العام الواحد.
أنحصر مشروع عاطف الطيب السينمائى على تنوعه بدرجة كبيرة فى طرح القضايا الاجتماعية والتابوهات السياسية، فتمكن الطيب عبر أفلامه أن ينصب نفسه محاميا للشعب، يحاول فى كل مرة أن يقدم جانبا مسكوت عنه من المخالفات السياسية والاجتماعية، والأخطاء فى النظم الحاكمة لحياة المصريين، فبعد ما قدم مع محمد خان وبشير الديك نظرة عامة عن خلل النظام القيمى الذى صار مسيطرا على مصر ما بعد الانفتاح فى فيلمه الثاني «سواق الأتوبيس»، أخذ يفصل فى كل مرة أحد أوجه هذا الخلل، فى «التخشيبة» و«ملف فى الاداب»، والطاقة المهدرة لشباب يبحث عن مساحة فى الحب فوق هضبة الهرم»، «البرئ»، وتوظيف الإعلام فى شغل الرأى العام عن قضايا حساسة فى «الهروب»، وصولا إلى اليأس الكامل من النظام المجتمعى فى آخر أفلامه المكتملة «ليلة ساخنة» وقبله كشف المستور، نماذج متعددة لخط المعارضة السياسية المباشرة الذى اختاره عاطف الطيب لسينماه، والذى تمسك به حتى يومه الأخير فى العالم ليموت فى ذروة المشروع مثلما هو الحال بالكثير من شخصياته الرئيسية.. أما السلطة فى أفلام عاطف الطيب فهى دائما مدانة فى صورتها المطلقة، هذه المعارضة التى لاتحاول اتخاذ أى ساتر لتمر به من تحت أعين الرقباء كان لابد وأن تؤدى لبعض المواجهات الفعلية مع السلطة، وهو ماخاضه عاطف الطيب مرتين، أحدهما هى أزمة «البرئ» الذى اضطرلتعديل نهايته حتى يتم التصريح بعرضه، والثانية هى أزمة «ناجى العلى» الفيلم الذى تعرض لهجوم وصل لدرجة المنع.
الجنس الذكى والمتواري
النظرة العامة لمشروع عاطف الطيب السينمائى ستعطى نتيجة صحيحة هى أن أفلامه تخلو تماما من أى مشهد جنسى، بل وتكاد تخلو من طرح الجنس كموضوع للمناقشة من الأساس، اللهم إلا فى مرات قليلة تم طرحه فى أكثر صوره تدنيا وهى الدعارة، مع إدانة بالطبع على طول الخط للفكرة التى تصم من تقترب منها «ملف فى الآداب» وكلها مرات لايمكن إطلاقا اعتبارها تحطيما للتابو الجنسى، فهى تتسق تماما مع نظرة المجتمع وثوابته، وتستغل هذه الثوابت تجاه نوع معين من الجنس كموتيفات تحرك الدراما التى تهدف دائما لمناقشة قضية بعيدة تماما عن الجنس نفسه.
«إنذار بالطاعة»، و«الحب فوق هضبة الهرم».فيلمان ينطلقان من أزمة درامية واحدة هى صعوبة الزواج قضية اجتماعية وسياسية دائما، ولكنهما يقومان بطرح الأزمة التى تعد من أكثر الأزمات تواجدا على شاشة السينما المصرية من زاوية محرمة نادرا ما قام أحد باستخدامها بنفس الجرأة.
فالمحرك الرئيسى لبطل «الحب فوق هضبة الهرم» هو حاجته الجنسية التى يؤكد صناع الفيلم من اللحظات الأولى على تواجدها وسيطرتها عليه، كأحد صورة الطاقة المهدرة من كل بنى عمره جنسية كانت أو بدنية وذهنية، وهى بالطبع أزمة تابوهية يرفض الأوصياء الكبار طرحها للنقاش ويتجاهلونها.
الدين فى الوقت المعتاد
وكالمعتاد فى معظم أبناء جيل الثمانينيات، لم يظهر الدين كأمر يطرح للجدل سوى فى مرحلة متأخرة من أعمال عاطف الطيب، فمثل ماانتبه معظم بنى جيله فى هذه الفترة لخطر المد الدينى القادم بقوة لتغيير شكل الشارع المصرى، كان للطيب نصيب فى فيلميه الأخيرين «كشف المستور» و«ليلة ساخنة».
التابوهات على طريقة خيرى بشارة
المخرج خيرى بشارة كان أكثر أبناء جيله انفتاحا على تجربة أساليب سردية وصناعة أنواع من الأفلام لم يقدم عليها أحد غيره، وقام على مدار مشواره الفنى الممتد بتغيير جلده عدة مرات، بدأها خلال الثمانينيات بمجموعة أفلام السرد المختزل الغير قائم على الإشباع، وهى الأفلام التى أسست مع أعمال زملاءه مفهوم الواقعية الجديدة، ثم انطلق فى التسعينيات ليجرب السرد الكاريكاتيرى فى «كابوريا» والدراما الكلاسيكية فى «رغبة متوحشة».
سياسة مجازية ودين مهمل
على جانب آخر يصعب جدا أن نصف أحد أفلام خيرى بشارة بتحطيم التابوهين السياسى والدينى، وإن كانت السياسة متواجدة فى أعماله باستمرار فيصورة مجاز مرسل فمعظم أزمات شخصيات خيرى الداخلية والخارجية تمثل السياسة عاملا مهما من عوامل وجودها، ولكنه لايشير بوضوح إلى هذه العلاقة، بل يتركها داخل السياق ليفهمها المشاهد حسب وعيه.
فعائشة بطلة «يوم مر يوم حلو» وبناتها يمثل غياب العدالة الاجتماعية عامل رئيسيا فى أزماتهم.
أما التابو الدينى فقد ظهر على استحياء شديد فى سينما خيرى بشارة، بصورة تجعل من الصعب استخراج استنتاج نهائى يضعه داخل إطار عام، فاقتصر الأمر على علاقة أحمد الشاذلى الملتبسة بالدين كعلاقته بأى جذور أخرى.
التابوهات على الطريقة الميهية
لايمكن أن نحلل أفلام مخرجى جيل الثمانينيات بمعزل عن الجانبين السياسى والاجتماعى لها، بما كان لهما من تأثير واضح على تكوين عقلية مبدعى هذا الجيل يمكن تلمسه بدرجات مفاوتة داخل أفلامهم.
أهم ما يميز المنظور المختلف لمشروع رأفت الميهى فى رأيى هو الارتباط الوثيق بالسياسية، يصل فى بعض الحالات لمناقشة قضايا شديدة الدقة والحساسية كعلاقة المواطن بالسلطات التنفيذية ومدى صلاحية القانون بشكل عام، ولكنها مناقشة تأتى داخل سياق مفرط الخيال، كوميدى فى معظم الحالات، لايصرح بالأمر ولكن يدسه داخل ثنايا العمل وبدءا من فيلمه الثانى «الأفوكاتو» انطلق الميهى بنجاح فى عالم الكوميديا، ليستخدم حيلة لم تفشل أبدا، هى الاعتماد على النظرة المعتادة للفيلم الكوميدى باعتباره عملا خفيفا فى تمرير أفكار وتحطيم تابوهات.
فالأفوكاتو يهاجم النظام القانونى الحاكم بأكمله، والذى لم يصبح الفساد فيه مجرد استثناء، بل تحول إلى قواعد مقننة يوافق الجميع عليها ويتعايشون معها، بل ويمكن وضعها فى قوالب منطقية تحمل قدرا لابأس به من الإقناع وما أظهره الميهى بخفة ظل يصعب أن تمسك بها السلطة أو تدينها.
جرأة دينية وجنسية
جرأة الميهى لم تقتصر على الشكل السردى ولا على الطرح السياسى، بل تظهر بشدة فى طريقة تعامله مع التابو الدينى، بصورة تجعله واحد من أجرأ من أقدم على التعامل مع الأمر فى تاريخ السينما المصرية بأكمله.
ولا يوجد ما أنسب للتأكيد على هذا الوصف من الشخصية الملغزة التى لعب على حسنين فى فيلم «تفاحة»، والتى تشير كل التفسيرات وكل محاولات فهم حديث الشخصيات عنه أو مناجاتهم له أنه يمثل صورة الإله ذاته وعلاقته بما يحدث للبشر، وهو توظيف درامى فائق الجرأة لايكتفى فقط بتحطيم التابو الدينى، بل يعمل بصورة أكبر على إعطاء الفيلم أبعادا أعمق، وهو نفس التعامل المرهف الذى تلمسه مع التابو الجنسى فى «السادة الرجال»، والذى تعامل فيه الميهى مع فكرة التحول الجنسى بجرأة وانفتاح غير مسبوقين.