أحفاد على باشا مبارك يلتقون
منى صلاح الدين
لم يتوقع أحد ممن تلقوا دعوة لحضور ندوة إحياء ذكرى «على باشا مبارك» أن الندوة سيحضرها أحفاد أحفاده، الذين التقى بعضهم ببعض للمرة الأولى بعد مرور 125 عامًا على وفاة جدهم، المهندس والمؤرخ والمعلم على باشا مبارك «1823-1893».
الندوة نظمها مركز دراسات وبحوث العمران المعاصر، وبيت الخبرة الاستشارى «تى اتش إى» بمكتبة القاهرة، لإلقاء الضوء على هذه الشخصية الوطنية، ذات الإسهامات العظيمة فى نهضة مصر الحديثة، خاصة فى النهضة العمرانية والتعليمية.
أحفاد على مبارك لم يتحدثوا خلال الندوة، لكنها كانت فرصة لهم للتعارف، ومن بين هؤلاء المصرفى مجدى نصير، والمصرفية بالمعاش منى مبارك، وعماد الدين مصطفى خالد، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، ومها زينب يحيى مهران ابنة أستاذ الطب بعين شمس يحيى مهران وأخت أستاذ الطب بعين شمس زكريا مهران، وهم من فرع عائلة مبارك من جهة الزوجة المصرية-جليلة- لابن على باشا مبارك «على بك».
ومنهم أيضًا القصاصة زينب أحمد مبارك، وخالد أحمد عبد العزيز، ابن البطل أحمد عبدالعزيز، وحفيد على باشا مبارك.
ورثنا جينات العلم والتعلُّم
«الجهل وسيلة للاستعمار والتعليم طريق التحرر» فى حديث خاص لمجلة صباح الخير، قالت الحفيدة والقصاصة «زينب أحمد مبارك»، أبويا أحمد ابن على بك ابن على باشا مبارك، يعنى على باشا مبارك جد والدي، أما جدى «على بك» فتزوج من سيدتين، الأولى مصرية واسمها «جليلة» جدتي، والثانية تركية اسمها«سنية» وأنجب من كل واحدة ولدين وبنتا، وتعود أصول على باشا إلى قرية برمبال، التى تبعد نصف ساعة عن مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية.
تعبر زينب عن سعادتها بالاحتفالية، هذا معناه أننا عدنا للاحتفاء بالرواد، فكان آخر احتفال بجدنا الكبير، قبل 25 سنة، بدعوة من د. جابر عصفور فى 1993 حين كان وقتها أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للثقافة، بمناسبة مرور 100 عام على وفاة على باشا، الذى تُوفىّ فى 14 نوفمبر 1893، واليوم نحتفل بمرور 125 سنة على وفاته، و195 سنة على ميلاده.
معلومات زينب عن زواج جدها الأكبر على باشا مبارك، «تزوج من سيدتين، الأولى أنجبت ولدين، إسماعيل وحبيب، والثانية أنجبت يوسف وعلي، وبنتين لا أتذكر اسميهما، وفى الندوة تعرفت لأول مرة على أقاربى من فرع زوجة على باشا مبارك الأولى».
«تشعر زينب دائمًا بالفخر طوال عمرها لأنها حفيدة على باشا مبارك، خاصة أن اسمها ينتهى باسمه، لأنها من أحفاد الأبناء الذكور، عائلتنا الكبيرة ورثت حب التعليم والتعلم من جدنا الأكبر، فأغلب العائلة مهندسون وأطباء ومصرفيون ومنهم من حصل على أكثر من شهادة علمية، ولم يكتف بتخصص واحد، ورثنا جينات حب العلم، وإتقان العمل من جدى على باشا مبارك، الذى كان شديد الإيمان وذا درجة عالية من الأخلاق، وأحب وطنه، وكان كلما أقالوه من منصب فى الدولة، لا يستسلم، فيعود لقريته لرعاية أرضه وممتلكاته».
سمعت زينب من والدها أنه فى الوقت الذى كان عرابى باشا يتصدى فيه للمستعمر الإنجليزي، حاول على باشا مبارك إقناع عرابى أن وسلية التصدى للإنجليز، ليست بحربهم، لأننا لا نملك سلاحًا مثل الذى يحاربون به، ولكن لو استطعنا تعليم الشعب، لاستطعنا هزيمة المستعمر، لأن الجهل وسيلة للتحكم بينما التعليم وسلية للتحرر، وتحرير البلد وتقدمها.
«حكاية أول فيلم ليوسف شاهين»
والد زينب «أحمد على» كان يحتفظ بنسخة من الخطط التوفيقية بخط جدنا الأكبر على باشا مبارك، لكنها فُقدت وحزن كثيرًا لذلك، فوالدى مهندس تخصص كهرباء، وأحب الفنون وعمل باستديو مصر، وأثناء عمله بالاستديو قابل المخرج الشاب وقتها«يوسف شاهين» وقت عودته من دراسة الإخراج السينمائى فى أمريكا، فآمن بموهبته «وقرر والدى هو وزميله عبد العزيز الخشت أن ينتجا أول فيلم للمخرج يوسف شاهين، وهو فيلم بابا أمين، بطولة فاتن حمامة».
وتتذكر زينب أن والدها أعاد نظم رباعيات الخيام، بالعامية بالمصرية فى شكل زجل، وكان يحلم بنشرها فى يوم ما، وأخذت ابنتى جينات جدها فى حبها للفن، وتعمل مذيعة فى راديو النيل «مريم الخشت» وقدمت أدوارًا فى مسلسلات أذيعت برمضان فى العام الماضي «لاتطفئ الشمس، وليالى أوجيني، وكلبش».
«حفيد على مبارك والجدة التركية وابن البطل أحمد عبد العزيز»
خالد أحمد عبدالعزيز، المولود فى 1941، الذى يعمل بالسياحة، ابن قائد الفدائيين فى حرب 1948، «البطل أحمد عبد العزيز» المسمى باسمه الشارع الشهير بحى المهندسين فى القاهرة، هو أيضًا حفيد على باشا مبارك من جهة والدته، «أمى حفيدة على مبارك، وهى ابنة على بك ابنه، من زوجته التركية، فكان جدى على بك يسافر إلى اسطنبول خمسة أشهر فى العام لتجارته، وكان متزوجًا من أخرى مصرية، وقال لها ذات يوم أنا سأتزوج تركية، وبالفعل تزوج جدتي، وأقاما هناك فى تركيا وأنجبا ولدين وبنتا مثل الزوجة المصرية، ثم عادا للعيش فى مصر بعد ذلك».
يؤكد خالد أنه مازال هناك جزء من العائلة يعيش فى قرية برمبال بالدقهلية، ولكن من فرع آخر وليس «فرع جدى على بك»، عشت أنا وعائلتى الصغيرة متنقلا بين مصر وتركيا، ولايزال أخى المتزوج من تركية يعيش فى تركيا حتى الآن، وبعض أبناء العائلة عاشوا ودفنوا فى تركيا، مثل جدى على بك المدفون فى اسطنبول، بينما زوجته جدتى التركية دفنت فى مصر.
حصل خالد على شهادته التعليمية الابتدائية والإعدادية والثانوية فى تركيا، ودرس السياحة والفنادق فى سويسرا، وعمل فى مصر فى مجال السياحة والفنادق «سعيد بتكريم جدى على باشا مبارك، لأننا نحتاج فى هذه الأيام إلى استلهام روحه وشخصيته، لتطوير التعليم الذى أصبح يستنزف ميزانية الأسرة المصرية».
خالد أحمد عبدالعزيز، اقتنى جدى أبو والدي، كتاب الخطط التوفيقية فى نسخته القديمة، من تأليف جدنا على باشا مبارك، والذى جعله ثانى أكثر مؤرخ لمصر بعد المقريزي، وهو كتاب يمثل ذكرى جميلة فى العائلة، لكن اشترته مؤسسة البابطين من 40 سنة.
«مؤلفات على باشا مبارك المختفية»
منظم الندوة الخبير السابق بالجهاز القومى للتنسيق الحضارى، المعمارى الكبير أحمد رفعت، رئيس مركز وبحوث العمران المعاصر، قال عن على باشا مبارك، إن أهم ما يميزه هو أنه رجل ذو همة ورغبة فى التغيير، شغل ثلاث وزارات المعارف والأوقاف والأشغال، وقد أسند إليه الإشراف على القناطر الخيرية، وإنشاء الرياحات الكبيرة، «الترعة الواسعة» واستطاع فض نزاع كان موجودًا بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس، فكافأه الخديو إسماعيل، بأن أعطاه نظارة المدارس، وفى تلك الأثناء أصدر على باشا مبارك 1868، لائحة لإصلاح التعليم، عرفت بمشروع لائحة رجب، نسبة لشهر رجب الذى انطلق فيه المشروع.
وعينه الخديو إسماعيل وزيرًا للأشغال العمومية وإدارة السكك الحديدية، والإشراف على الاحتفال بافتتاح قناة السويس 1869، وكانت آخر مناصبه فى حكومة رياض باشا كوزير للمعارف، وعندما استقالت هذه الحكومة 1891 لزم بيته وأدار أملاكه فى برمبال، وتوفىّ فى سراياه فى الحلمية 1893.
عرض المهندس أحمد، لعشر مؤلفات نادرة لعلى باشا مبارك «لم تُطبع منذ صدرت فى 1897»، وهى تمثل أغلب مؤلفاته، وقد جمعها المهندس أحمد من عدة جهات خارج مصر، ومنها مكتبة شيكاغو بأمريكا، وبنفس أغلفتها القديمة» من هذه الكتب «علم الدين -الجزء الأول-»، «تقريب الهندسة»،«تنوير الأفهام فى تغذى الأجسام»، «تذكرة المهندسين وتبصرة الراغبين».
وهنا أعلن أستاذ العمارة بجامعة القاهرة محمد رضا، عن أن كلية الهندسة ستتبنى إعادة طبع مؤلفات على باشا مبارك التى تخص علوم الهندسة، لتدرس لطلبة الكلية، ومنها كتابا «مدخل للهندسة»، «تذكرة المهندسين».