الإثنين 21 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

طوب أحمر وألسنة لهب وأبراج تسكنها الساحرات

طوب أحمر وألسنة لهب وأبراج تسكنها الساحرات
طوب أحمر وألسنة لهب وأبراج تسكنها الساحرات


لن يختلط عليك الأمر.. ستعرف هذه المبانى جيدًا عندما تنظر إليها وينتابك شعور بالرهبة أو الانقباض.
مشاعر يؤكدها المتخصصون فى فنون العمارة والآثار أيضًا، مبانٍ تستخدم الطوب الأحمر فى الحوائط، وتستخدم الأحجار فى أركان المبنى، والأسقف جمالونية شديدة الانحدار، أمّا النوافذ فمستطيلة بعقود مدببة.
لكن أهم ما يميز تلك المبانى المرعبة أنها غالبًا ما تنتهى من الأعلى  بأبراج، سواء تلك التى تشبه أبراج القلاع الحربية فى العصور الوسطى، أو الأبراج ذات النهاية المخروطية المغطاة بالقرميد، كأبراج قصور الساحرات كما صورتها السينما العالمية.
مع عصر محمد على، انتشرت العديد من أنماط العمارة الأوروبية، وبخاصة خلال  عصر الخديو إسماعيل صاحب النهضة  المعمارية، ومن  بين هذه الطرز كان  الطراز الإنجليزى كما يؤكد الدكتور عبدالمنصف سالم أستاذ العمارة والآثار بجامعة حلوان، الذى يُعرف بالعمارة المرعبة أو المخيفة، لاستخدامه الطوب الأحمر، والنوافذ المنتهية بزخرفة ألسنة اللهب، وأبراج مخروطية حمراء.  
وانتشر هذا الطراز مع مجىء الاحتلال الإنجليزى لمصر فى  1882ميلادية  ليستخدم فى المبانى وبعض الأحياء الراقية وفى  قصور الأمراء والأعيان  سواء فى القاهرة أو الإسكندرية وحتى الصعيد.. ومن أهم طرز العمارة الإنجليزية فى مصر، طراز «كريستوفر رن» وهو اسم المعمارى الإنجليزى الذى أسس هذا الطراز وفيه يكون مسقط البناء أو القصر، إذا شاهدته من أعلى، على هيئة حرف «H»، والطراز الثانى هو  «انجوجوزيز» ويُعرف شكل البناء تبعًا لهذا النمط بـ«ذو الأزرع» أو «الأجنحة» كما يوضح دكتور عبدالمنصف.
 ومن أهم نماذج هذا الطراز قصر الأمير عمرطوسون بحى روض الفرج وتشغله الآن «مدرسة روض الفرج الثانوية».
أمّا نموذج الطراز الثانى فستجده فى قصر الأمير «سعيد حليم باشا» بشارع شامبليون الشهير بوسط القاهرة، ووالد هذا الأمير هو  محمد عبدالحليم، أحد أبناء  محمد على الكبير، ويتكون من مبنى رئيسى وجناحين.
كلية التربية الموسيقية
«الطراز القوطى الإنجليزى» الذى  ظهر فى أوروبا ما بين القرنين «9-12» الميلاديين ثم أعيد إحياؤه فى أوروبا فى القرنين «18-19» الميلاديين، انتقل إلى مصر فى القرن 19، وظهر فى العديد من المبانى والعمائر، وبخاصة الكنائس الإنجليزية والبروتوستانتية، فى القاهرة والإسكندرية.
من بين هذه الكنائس، كنيسة تقع فى حلوان أمام مسجد الخديو توفيق، وقصر أحمد باشا رفعت فى «جاردن سيتى» وقصر «إسماعيل محمد» الأنيق  بحى الزمالك، الذى أصبح مقرّا لكلية التربية الموسيقية التى تتبع  جامعة حلوان، ويتميز القصر بواجهاته ذات  الطوب الأحمر الداكن  ونوافذه المتعددة ذات العقود المدببة والأبراج الصغيرة التى تزين واجهاته، ويعلوه برجان كبيران.
قلاع القناطر الخيرية
وإذا ما ذهبت فى رحلة نيلية  لمدينة القناطر الخيرية ستلاحظ ما يعرف «بالقلاع السعيدية»، وهى أبراج بناها الوالى محمد سعيد باشا بأعلى القناطر الخيرية بهدف تأمين القاهرة من الناحية الشمالية، وهى مشيدة على الطراز الإنجليزى، وبالمثل استراحة «محلج القطن» وبوابتها بالقناطر، واستراحة محمد سعيد باشا بالقناطر أيضًا، كما يوضح دكتور عبدالمنصف، وفى حى المعادى الذى شُيد فى أوائل القرن العشرين، وتحديدًا فى 1910 الكثير من الفيلات والقصور والكنائس التى تنتمى للطراز الإنجليزى القوطى المخيف، بسبب تفضيل الجاليات الأجنبية، وخاصة الإنجليزية للحياة فى هذا الحى.
مدارس من خشب
مدرسة السعيدية بالجيزة ومدرسة السنية الثانوية للبنات بالسيدة زينب، ومدرسة التوفيقية بشبرا، التى بُنيت خلال عصر الاحتلال الإنجليزى لمصر، تأثرت بالطابع الإنجليزى فى البناء، فظهر فى عمارتها الخلط بين الطابع الإنجليزى وبين طابع فينسيا المعروف ببواكبه وعقوده التى يمر الناس من تحتها.
ويلفت انتباهك فى هذه المدارس استخدام الخشب فى تغطية الأسقف الأخيرة، «الرفرف»، واستخدام الخشب فى الشرفات والممرات والترابيزين، والأمر نفسه نجده فى مبنى دار العلوم القديم، بالمنيرة، كما يوضح أستاذ العمارة بآثار القاهرة مختار الكسبانى.
فندق الأقصر
فى ساحة أبوالحجاج بمدينة الأقصر يقع فندق الأقصر القديم، المطل من الخلف على معبد الأقصر، مبنى على الطراز الإنجليزى القوطى.. وعلى امتداد السكة الحديد من الدلتا إلى الصعيد، بنى الإنجليز محطات رئيسية على الطراز الإنجليزى، تهدَّم عدد كبير منها الآن، ولم يتبق منها سوى محطة مصر بالإسكندرية، واشتهر على امتداد خط السكة الحديد، مبانى حجرية من الدبش بأسقف جمالونية أو مستوية  على غرار مثيلاتها فى إنجلترا، كانت سكنًا لعمال الدريسة، الذين يعملون بهيئة السكة الحديد، فى أعمال الصيانة والنظافة وغيرها.كما يؤكد الكسبانى.
طوب أحمر محروق
لم يقتصر التأثير الإنجليزى على المبانى والمنشآت فى مصر،  بل على تخطيط الأحياء أيضًا، مثل حيىّ المعادى وجاردن سيتى، تأثر هذان الحيّان اللذان شُيدا فى عصر الخديو عباس حلمى الثانى بفكر  معمارى إنجليزى يُدعى «هال»، الذى ابتكر فكرًا جديدًا لتخطيط  الأحياء السكنية فى إنجلترا، سُمى بتخطيط «المدينة الحديقة» أو الصديقة للبيئة، ويعنى أن يحاط كل مبنى أو عقار بمجموعة من الأشجار والنباتات لتكون رئة ومتنفسًا للسكان، وأن يكون للحى شوارع صغيرة تنتهى إلى ميادين وهكذا، كما يوضح المعمارى سيف أبوالنجا رئيس جمعية المعماريين المصريين.
ويلفت إلى أنه رُغم أن  حى مصر الجديدة بُنى على الطراز العربى الإسلامى، فإن به العديد من المبانى والفيلات إنجليزية الطراز، كالجزء القديم من  نادى هليوبوليس  بمدفئته المميزة، الذى شُيد على هذا الطراز، لأن  رواده الأوائل كانوا من الإنجليز، الذين عملوا فى فرع الإدارة والمحاسبة فى الشركة البلجيكية التى أنشأت حى مصر الجديدة 1910ميلادية، وأيضًا تلك الفيلا الشهيرة فى شارع بيروت أمام محطة مترو مصر الجديدة، وهى صورة طبق الأصل  للنموذج الأسكتلاندى للقصور بزخارفه المعدنية المشغولة، مكونة شكل الديك بأعلى الفيلا.  
أمّا أشهر نماذج العمارة الإنجليزية فى مدينة الإسكندرية فهى، الكنيسة الإنجليزية المشيدة 1854 ميلادية فى ميدان المنشية، ثم يأتى نادى «سبورتنج» المبنىّ كله على  الطراز الإنجليزى كما يوضح المهندس سيف أبوالنجا، واستخدم فى بنائه الخشب والطوب الأحمر المحروق المعروف بـ«سورناجا». •