فى سمبوزيوم الخزف الدولى: حين يصبح البورسلين فكرة ولونا

صباح الخير
كتب: مى طلبة
تجربة متميزة للفنانين، لاستخدام خامات خارجة من تحت أيدى عمال مصنع صينى، لإعادة استخدامها فى أشكال وألوان وأفكار جديدة، تجربة تكشف احتياج الفنانين لتوفير خامات لا يمكن الحصول عليها بسهولة، وتتيح لهم فرصة تجريب ألوان لا يمكنهم التنبؤ بها إلا بعد عمليات حرق الخامة بحرارة معينة.
لحظات وخبرات يحكيها الفنانون المشاركون فى معرض «سمبوزيوم الخزف الدولى الرابع»، الذى أقيم مؤخرًا بقاعة الهناجر بدار الأوبرا، واستضاف الفنانين الكبيرين د. أحمد نوار، رئيس قطاع الفنون التشكيلية سابقًا، ود. طه حسين، العميد السابق لكلية الفنون التطبيقية.
وتحكي رئيسة السمبوزيوم هذا العام، د. مرفت السويفى، الأستاذة بقسم الخزف بالتربية الفنية بحلوان، فكرة الملتقى، التى تولدت بعد تجربتين لها، الأولى عندما دُعيت إلى أكثر من سمبوزيوم بالخارج، تنظمه وترعاه مصانع الخزف والصينى، والثانية تجربتها مع أحد الدارسين الذى كان دائم الأعذار إذا ما طلبت منه خوض تجارب التشكيل، لتكتشف أن العائق الحقيقى لهذه الأعذار «مادى».
وهنا جاءتها فكرة إنشاء صندوق لمساعدة المقبلين على مناقشة الماجستير والدكتوراه، لتجد أن فكرة السمبوزيوم ستكون أكثر سلاسة، بل ستضيف إمكانية تبادل خبرات ومعلومات، ونظمت أول دورة بكلية التربية الفنية جامعة حلوان، وبعدها عرضت الفكرة على مصنع الخزف والصينى (شينى) الحكومي ورحبوا بالفكرة للغاية، واستضافوا الدورات التالية داخل المصنع.
مجموعة د. مرفت السويفى، جمعتها تحت اسم(عيون حورس)، وهى الفكرة الممتدة من معرض أقامته سابقًا بنفس العنوان، ويحاكى فكرة حورس فى المعتقد الفرعونى، فحورس رمز للشهيد والعين التى تحرس المكان ولا تفارقه، ولأن حورس أسطورة فإن الألوان أيضًا خيالية، فبعض البريق وضع فى غير مكانه الواقعى لإبراز المعنى.
يعنى إيه سمبوزيزم
«سمبوزيوم» يعنى اجتماع الفلاسفة للخروج بآراء متقاربة، وبالمثل يجتمع الفنانون تحت نفس الظروف وبنفس الخامات ليخرجوا بمعرض فنى يجمعهم.
ويوضح د. أحمد عبدالكريم، قوميسر السمبوزيوم، أن خامة الخزف هذا العام (البورسلين) وهى خامة شديدة الصلابة بعد الحرق، تشعر أنها مطعمة بالزجاج، لما تحويه من سيليكات، وتستخدم لصنع أدوات المائدة.
اختار د.عبدالكريم الشكل الخزفى بكينونته، مضيفًا إليه معالجات على طريقة الحفر النوبى للخشب، مستخدمًا وحدات من الفن الحديث من السمك والأشخاص، وعمدَ إلى تحقيق التفاوت اللونى بالجليس، مستخدمًا البنى وأزرق الكوبلت.
تجربة المصنع أثرت فى الفنانة «هبة عريبة»، التى كانت تذهب للمصنع بمسطرد فى مواعيد العمل الرسمية من الثامنة حتى الثالثة، وتجلس فى المكان المخصص للفنانين، ويوفر المصنع الخامات والإمكانيات، ولا تنس تلك الفرحة التى كانت تلاحظها على العمال وهم يتابعون كيف تتحول منتجات المصنع التى يتعاملون معها دائمًا، إلى قطع فنية بألوان وأشكال لم يتخيلوها من قبل، وختمت «أتمنى تكرار التجربة».
أما د.مروة زكريا أستاذة الخزف بالفنون التطبيقية بحلوان، فقد اختارت أن تُزيد تحدى خامة البورسلين وتعمل بتقنية الشريحة الخزفية، لصياغة خروج الحياة من الموت، وعلاقة الإنسان بالأرض، فالتشققات تعنى الموت، لكن التشقق ملون بألوان تصور الحياة، إضافةً إلى أوجه الأطفال التى تنبث منها، للتعبير عن تلك الحلقة اللانهائية.
الزر والعروة «موجب وسالب»
العلاقة بين الزر والعروة، كانت محور «عريبة» تجربة مصممة الجرافيك والديكور ومقدمة برنامج «بعضشى» فى المصنع، مستخدمةً الخامات المكملة من القماش والنحاس والجلد الطبيعى والأزرار المصنعة، وأضافت الشماعات من البورسلين لتكمل الحالة، لتعبر عن إحساسها بعلاقة الموجب والسالب التى يكوناها، و«السترة» التى يمثلانها.
اختارت عريبة ألواناً مبهجة وصريحة مثل البرتقالى والأصفر، «كل ثقب وتفصيلة كانت محسوبة لكى أستطيع أن أدخل الخامات المكملة، فقد أردت أن أدمج بين تخصصى الأشغال اليدوية والخزف».
ابن الثانية عشر أذان أحمد عبدالكريم، قال عن تجربته، إنه استمتع بالوقت بين الفنانين الكبار والتشكيل اليدوى بالطين بدلًا عن الكمبيوتر، إضافة إلى الخبرات المكتسبة فى عمليات التشكيل والجليس (التلوين) والحرق، واستخدامه لأدوات المائدة لخلق أشكال مثل المدفع وملحن يحبه.
الفنان يعرف بخبرة اللون
أما الفنان محمد فتحى حمزة البالغ 40 عامًا، ويعتبر نفسه هاويًا، فليس خريج كليات الفنون، بل درس التجارة ثم السينما، لكن وجد ذاته فى الخزف لأنه يحتوى على مختلف الطينات، ولكلٍ منها هوية واستخدام وطريقة فى التعامل، فشعر وكأنه يعامل مُختلف الناس، والسمبوزيوم كان فرصة عظيمة لأن المصنع وفر الخامات والتقنيات، إضافة إلى خبرة الاحتكاك بالعديد من الفنانين، يرى مجموعته الفنية تجريبًا لتشكيل الخامة وإعادة صياغتها، «تجريب الألوان خبرة لا تعرف إلا بعد الحرق وتختلف باختلاف الحرارة، وكثرة التجارب هى خبرة الفنان».
ويرى الفنان ريمون صموئيل، من مواليد 72 والمتخصص بالموزاييك، أن السمبوزيوم يُعد أكبر معرض خزفى، ويتمنى تنظيم سمبوزيوم للموزاييك أيضًا، أعماله الثلاثة تحاكى إحساس ورد النيل، واستطاع تشكيل أطباق بالمصنع بالنباتات الصغيرة، وأطباق أخرى تحتوى على وجوه يمتزج فيها الطابع الإفريقى بالشعبى.
أما د. منال هلال رئيس قسم النحت بالفنون التطبيقية حلوان، فاتبعت نهج دوشامبت فى تحويل الصناعات إلى مصنوعات يدوية، وأعادت تركيب المنتجات، فقطعت الملاحات واستخدمت القعر والغرة كعيون، والفائض من الماكينات كشعر، «اعتبرت البورسلين خامة وتعاملت معها بتفكير النحات لا الخزاف».
وهكذا انتهت رحلتى الصغيرة داخل معرض السمبوزيوم، بعد كلماتهم وابتساماتهم الودودة، ونظرات الترحيب بأى زائر للقاعة، بدون أى كلل أو ملل فى الإجابة عن أى سؤال، بل بحماس المُعلم والفنان. •