الخميس 13 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مدينتى الفاضلة أين ترعرعت سيدتى «السلطة»!

مدينتى الفاضلة أين ترعرعت سيدتى «السلطة»!
مدينتى الفاضلة أين ترعرعت سيدتى «السلطة»!


اكتبى عن السبعينيات!! ولماذا أنبش بإرادتهم فى الحلوة والُمرة!! ماشى،  سأعتبرها فرصة للتهوية، لتخفيف أحمال السنين.. أستدعى عضلات المقاومة وأرفع أجنحتى،  أرتفع أمتارًا عن سطح الأرض.. أخيرًا يخفت التلوث، تصفو الحياة وأسمع ألحانها عذبة كالطفولة.. الحياة تبتسم، تطرد شياطين وتجذب أحبابًا، اللى نازل من فوق واللى هارب من تحت..
 نتزايد  فنهلل ونصفو.. تلمحنا سحابة الفرح، فتلقى لنا من وهجها سحابة تسبح بنا تحررنا  تمامًا، تفضلوا معنا فى سياحة علاجية على السحاب.. مشاهد لقطات ومواقف تتدفق مارقة على شاشة السماء، ألبوم حياة يلقى التحية ويعبر.. لا وقت للبحلقة ولا التبرير ولا التعديل ولا الحزن ولا الفرح، اللى حصل حصل.. أرى مراهقة عفية تحت العشرين، تقبض على رخصة مرور من الثانوية للجامعة، بختم نسر يتحرش بصورتها ويدمغها، عيناها بلا خوف لكن شاردتين.. تهرب من طوابير القطعان إلى معهد الإعلام، فى وقت كان لقب «معهد» معناه درجة تانية وكسر نِفس الأهل.. و«إعلام» يعنى غابة مفتوحة.. كانت هزيمة 67 قد كسرت الشعب ولطخت الإعلام بعار الكذب.. وزارة الإعلام سجًان متربص يراقب ويُستٍف قوائم الإعدام.. بات للحقيقة وجوه متناقضة! كلمة الحق جريمة «خيانة».. الطابور الخامس «وطنية»!! تغييب الشعب «واجب قومى».. تدخل جريدة الأخبار فكأنك فى ساحة شعبية، ماعدا بعض المكاتب والدور التاسع مقر أصحاب الدار، على ومصطفى أمين.. يتصدر صالة التحرير مكتب «الرقيب»، الذى يقبض راتبه من الجريدة! ويتمتع بخط تليفون مباشر وقلم أحمر دم الغزال، هو موظف غلبان بدرجة ثعلب مكار يضع الحلة فوق النار انتظارا لصيد لا يأتى،  لأن الرقابة احتلت الأقلام.. انقسم الصحفيون إلى أقلية: كُتاب انتحاريون مسحراتية عقول، وأغلبية ما بين ماشيين جنب الحيط، أو مندوبين لنشر إنجازات الوزير.. أو طبالين، زمارين، مغنواتية موالد لتعويض هزال المرتب من أى كريم أو لئيم!! الصحافة ساحة مصارعة رومانية، إلا إذا انتسبت لمدرسة « أين ترعرعت سيدتى الُسلطة».. عاشت المعارضة «رذالة وعيب» عندما نصب الحاكم نفسه ولى النعم، وأعلنت الحكومة تحذير لا مساس و:«إلا».. لكن،  كان بكل صحيفة فُرسان برماح وسيوف وخيول أصيلة.. طل وجه أستاذى العزيز جلال الدين الحمامصى ببريق عيونه وابتسامته المرعبة، فى مشاهد متلاحقة، جالسًا وسط لجنة الاختبار الشفهى لأول دفعة تفتتح معهدا للإعلام لا مقر له بعد ولا أدوات، لاصطياد شباب مغامرين.. مجرد حلم لثلاثة أصحاب على أعتاب الستين، فرض عليهم واجبهم المهنى الوطنى سرعة إنجازه!! وها هو الحمامصى ُمعلمًا كالأنبياء، وليس محاضرًا بنظريات، يعلمنا المهنية بالأمثلة والتطبيق، والديمقراطية بالمواقف، يتابع انتخابات مجلس إدارة مجلتنا صوت الجامعة، وطباعتها فى الأخبار، وممارسة توزيعها على باب الجامعة.. لا يعاتب ولا يجامل ولا يعاقب، فقط يجيب عن تساؤلاتنا، لا يؤيد ولا يرفض قراراتنا، إنما ينتظر النتائج مثلنا.. صرنا بأبوته عائلة، جمعنا قبل ظهور نتيجة البكالوريوس فى مكتبه ليختار كل منا أين يحب أن نعمل! أغلبنا اختار جريدة الأخبار لننعم بحضوره ونتشدد بمعاركه مع موسى صبرى لتمرير مقاله اليومى «دخان فى الهواء».. يقاطعنا مشهد احتفاله باختلافنا فى إجابة اختبار الشهر، وكان «سؤالا» واحدا ماكرا لتقييم كفاءة «أنف» كل منا كمخبر صحفي.. مثل، ما رأيك فى تغطية  قضية ووتر جيت؟ التى بدأت بقضية تجسس على الحزب الديمقراطى المنافس فى انتخابات التجديد للرئيس نيكسون عام 72، نتابع أسلوب تناول القضية فى الإعلام الأمريكى لدراسة تكتيك قيادة الرأى العام العالمي.. وبدأ بخبر إعادة فتح القضية بعد الحكم على المتلبسين بزرع أجهزة التنصت بمبنى ووترجيت.. صحفيان بجريدة الواشنطن بوست نشرا شكوكًا تشير إلى فساد مصادر تمويل حملة الرئيس، واشتراك جهات مثل وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالية ووكالة الاستخبارات المركزية فى الجريمة، بالتعتيم وحجب أشرطة التسجيل.. وتستمر أخبار ادعاء الشفافية وتنتهى بإدانة نيكسون بالكذب«!!» واستقالته، ثم عفو رئاسى من جيرالد فورد.. وبعد 33 سنة- 2005- يتم إعلان الحقيقة ولأسباب سياسية، أن مكتب التحقيقات الفيدرالية هو صاحب تسريب الخبر للصحيفة لإسقاط الرئيس.. وكأنه فيلم أكشن لتأكيد القوة وبراعة التخطيط الأمريكى للتحكم فى مصائر البشر والشعوب بالوسائل المشروعة والمستهبلة، لتلميع صورتها المثالية كقوة عظمى تنتفض إذا كذب الرئيس!!
 نعبر أمام ثمار معارك السبعينيات فى وطني.. حيث الكلمة نور للإنارة للحاكم والمحكوم، وليس لإشعال الحرائق.. الثمار طازجة، سجلها الفن بأفلام مثل «ليل وقضبان» و«الهروب» و«زائر الفجر» الذى دفع مؤلفه «ممدوح شكرى» حياته فداءه، بعدما أصابه قرار منع عرض الفيلم بجلطة فى المخ وتوفى تاركًا الحرية لمقص الرقيب.. ومعارك عبدالرحمن الشرقاوى مع شيخ الأزهر عبدالحليم محمود، فى بداية وصول الفكر الوهابى من السعودية إلى مصر.. استقراء لمستقبل مرعب فى وحل الطائفية والإرهاب الدينى الذى تجرعناه وما زلنا.. عوقب الشرقاوى بمصادرة مسرحيتيه– الحسين ثائرا والحسين شهيدا-، وإقالته من رئاسة مجلس إدارة روز اليوسف، لكنه أمامى الآن صافى الفؤاد مهيب القامة وبدون نظارته الطبية.. وهاهم فرق الهجرة الجماعية من غضب الحاكم وشهداء اعتقالات 75 للتأديب ومحاولة التركيع، عشرات كبار كتاب ومثقفين ومفكرين وشعراء، أناروا دروبًا، وزرعوا أحلامًا، يوسف إدريس والسعدنى وعبد المعطى حجازى،  د. فؤاد زكريا، عبدالرحمن الخميسى،  بيكار.. مكتوب بالنور على سحابتهم «أكبر عملية تجريف للعقل فى تاريخ مصر».. تلاها انحدار التعليم وتركه يتعفن فى القاع!! يمر مصطفى وعلى أمين، الأول يبث الأمل والثانى يزمجر.. ثنائى المخ والعضلات، أيام شعبية الأخبار العظيمة بقدر قامة مؤسسيها.. يطل مشهد من رحلات قوافل ليلة القدر.. وهذا المواطن البائس الذى أرسلونى لتحقيق أمنيته « كيلو لحم»!! يا الله، لم يعد قعيدا كما تركناه يوم وصلنا الجُحر الذى يسكنه بزفة من سكان المنطقة، لمحوا سيارة الأخبار السوداء قادمة على الطريق، فأيقظوه وأعدوه للقائنا.. بكى فرحا باللحم، ودوت الزغاريد مثل إعلانات الصابون فى رمضان.. أرى البائس مبسوطا لأن البلدوزرات كسحت العشوائيات ومعاش تكافل يقدم الكرامة.. الحمد لله الدولة دخلت مدرسة ليلة القدر.
وفى انتظار اليوم الذى يتوقف فيه التاريخ عن تكرار نفس التفاصيل والنتائج كأنه جدول الضرب!! ليعود المصريون شبه بعض وبيضحكوا. •