الثلاثاء 1 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

وردة بيضاء تلعب روليت روسى

وردة بيضاء  تلعب روليت روسى
وردة بيضاء تلعب روليت روسى


تستدرجك الكتابة بمهارة.. تعطيك قليلًا من السعادة فتستمر مقتنعًا بأنك لن تغادر حالة البهجة.. لا تمر سوى حروف قليلة فتتورط فى الألم والخوف وتتسرب جرعة السعادة من بين يديك وتبقى وحيدًا مع الألم والخوف.. تتكرر لعبة الاستدراج والألم يوميًا.. أسبوعيًا، أو كل حين حسب توقيت ممارسة هذه اللعبة الخطرة، تجد عملك أمامك.. صفحات مطبوعة تتأملها فى قلق وتخشى ردة الفعل..فما كان سِريّا فى خزائن عقلك أصبح الآن علنيًا ومن حق كل عابر مشاهدته وهناك من لا يكتفى بالمشاهدة بل يعلق وهذا حقه فلم يجبرك أحد أن تفضح السر..فتحمّل ولا تشتكى.

اللعبة الخطر
أمارس هذه اللعبة الخطرة المسماة الكتابة كل أسبوع على صفحات صباح الخير، وصباح مجلة تستشعر خوف الكاتب من مغامرة الكتابة وتعرف أن همه الأكبر هذه الوحدة الباردة الصامتة حين يواجه نصه أو عمله الذى يظن دائمًا أنه لم يكتمل، وهناك الأفضل.. وهذا الأفضل سيطارده الكاتب حتى اليوم الأخير.
تقدم صباح للكاتب فى كل أسبوع أنيسًا فى وحدته لوحة بديعة بريشة فنان تصاحب النص، يخف الألم كثيرًا عندما تتأمل عين الكاتب تفاصيل اللوحة ويسرى الدفء فى أوصال الوحدة فتتحول إلى صداقة عزيزة بين النص واللوحة.
الأنيس الملون
سعدت بشدة بالأنيس الملون الذى يحل ضيفًا ودودًا كل أسبوع على مغامرتى فى الكتابة حتى أتى أنيس متمرد الطابع لا يقبل ضيافة النص بل يريد بكل عنفوان أن يبقى هو سيد الصفحتين، وما النص إلا عابر سبيل عليه أن يحمل على ظهره حروفه ويرحل تاركًا الصفحتين للسيد الأنيس.  تأملت توقيع صانع الأنيس أو اللوحة وجدت اسمًا رقيقًا فى تفاصيله، نسرين بهاء، لم أتخيل أن هذه الحروف المستمدة من ورود النسرين البيضاء تحمل كل هذا التمرد على النص، ولم أتوقع يومًا أن الزهور البريئة تحيك المؤامرات لتصبح سيدة الصفحتين.
أصبح الثلاثاء من كل أسبوع يوم صدور صباح هو يوم ممارسة لعبة الروليت الروسى القاتلة بالنسبة للنص الذى أكتبه، تدور الأيام الست كرصاصة واحدة فى أسطوانة المسدس، وفى اليوم السابع تطلق الوردة البيضاء لوحتها على النص فتحتويه تمامًا معلنة انتصارها فى لعبة الروليت.
أسابيع تمر ولا أعترف بانتصار الوردة البيضاء ولوحتها إلى أن جاء يوم كان على النص وصاحبه أن يعترفا بأن الوردة البيضاء أعلنت دولة اللوحة على الصفحتين.
عن الإسلام السياسى
كتبت فى هذا الأسبوع مقالًا بعنوان (المسجد غير مسئول) جاءت تفاصيله حول الإسلام السياسى وعدم استيعابه بأن هناك عوامل متعددة تتحكم فى سلوك الإنسان وليس الدين فقط، وعدم الاستيعاب هنا متعمد ويستغله الفاشيست الإخوان فى تمرير خططهم الشريرة. ضربت الأمثلة  وشرحت الأساليب المستخدمة من الفاشيست وطفت شرقًا وغربًا لتوضيح الفكرة، وتثبيت المحتوي، اعتقدت لحظتها أن النص أدى ما عليه، ولكن أطلقت الوردة البيضاء لوحتها الأسبوعية لتحول النص إلى مشاهد لذكاء الرسم المصاحب له.
لخصت تفاصيل اللوحة وألوانها دون دراسات أو أبحاث أو رسائل دكتوراة كل خبث الفاشيست وخداعهم فى نظرة الرجل الماكرة خلف عويناته الزجاجية الضخمة التى لا تنسجم مع وجهه.
الكف الملتوية
حاولت يد الرجل الملتوية الكف الممسكة بمسبحة إخفاء حقيقتها فى أنها يد قاتل محترف والمسبحة فى يده ماهى إلا مكياج يحاول من خلاله مداراة حقيقة اليد القاتلة.
انتقلت الوردة البيضاء إلى تفصيلة أخرى فى لوحتها خاصة بفم هذا الرجل، الشفاة المدلاة، والفم الموارب على ابتسامة لا تحمل أى معنى للابتسام، صنعت معادلًا بصريًا يعكس دون تعب الكلمات وزحام الحروف شره الفاشيست للسلطة ولكل شيء تحمله أيدينا.
غطى جلباب أبيض جسد الرجل ولكن أى جسد؟ إنه جسد ملتو فى خنوثة كما الفكر الذى يحمله صاحبه ويتاجر به ليل نهار.
رأيت فى هذه اللوحة النص كل طمع وشره وخبث الفاشيست والمتسلفة صاغت الوردة البيضاء بمهارة كل هذا فى لوحة لا تحمل فى محتواها سوى تفاصيل رجل.
دولة اللوحة
 اعترفت بأن الوردة البيضاء أقامت دولة اللوحة على الصفحتين وبعد الاعتراف تأتى الفتنة بفعل المنتصر وتدبيره، وضعت أغلب اللوحات المصاحبة للنصوص المهزومة أمامى فوجدت نسق عقلى منضبطًا يحرك هذه الريشة ويعطى الألوان بحساب محكم،  استوقفتنى فى هذه اللوحات المنتصرة طبيعة الوجوه المطلة من الصفحتين أنها دائمًا وجوه بها مسحة من الغضب وكثير من الدهشة، ولعل هذه الدهشة أتت من كونها تجاور الكلمات وترى من حقها الانفراد الكامل بكل المساحة لا يشاركها فيها أحد.
الدخول لظلام العقل الخائن!
بين كل هذه الوجوه الغاضبة والمندهشة جاء وجه لا أستطيع أن أقول هو مصاحب للنص بل هو نص فى حد ذاته أطل هذا الوجه من مقال (الدخول إلى ظلام العقل الخائن).
كتبت عن أحد محركى هذا العقل «يحرك العقل الخائن نوع ثان أشد خطرًا وإجرامًا هذا النوع يعمل تحت ستار الشهرة البراق، يخطف العيون، ويسحر متابعيه، ويستولــى على مساحات واسعة من التأثير فى المجتمع، ومن خلال هذه المساحات المكتسبة بالخداع يبث سمومه وخيانته فى العقول البريئة وفجأة يطعن المجتمع طعنة مباغتة لا يفيق منها إلا بعد فترة».
حاولت استعارة معادل بصرى من شخصيات مجلات الكومكس فوجدت الأقرب شخصية الجوكر الشريرة، تصورت وقتها أننى امتلكت الكلمة والصورة المعبرة عنها، لكن أطل الوجه الذى رسمته الوردة البيضاء ليلخص بالقناع المظلل على العينين الغارقتين فى جميع تفاصيل الخيانة كل إجرام الخيانة التى أردت بيان شرها بالكلمات.
العمل الفريد
أستطيع أن اقول رغم حالة التحدى بين النص واللوحة إلا أن هذه العلاقة الممزوجة بالتنافس تنتج فى نهايتها عملًا من نوع فريد يجمع بين الاثنين ولا تستطيع فصلهما عن بعضهما البعض.
تصورت الخروج من حالة التحدى والدخول فى حالة من السلام والتعاون، وقفز سؤال أمامى هل يمكن أن تصنع اللوحة والنص عملًا واحدًا مشتركًا؟ وتتبدل الأدوار فى مرحلة السلام فتقوم الكلمات بدور الألوان وخطوط اللوحة تتجسد حروفًا. يبدو السلام حلمًا لكن كثيرًا من الأحلام تتحقق.•