الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

التوك شو مهدد بالانقراض

التوك شو مهدد بالانقراض
التوك شو مهدد بالانقراض


فى سوق تغيب عنه الإحصاءات والأبحاث المدققة علميا من الصعب الخروج بأرقام حول مدى قدرة برامج التوك شو المصرية على الصمود والحفاظ على الجمهور خصوصا  خلال العامين الأخيرين. لكن الاستدلال والتفاعل المباشر مع الجمهور ومع ما يصل للناس من مضامين هذه البرامج، يؤكد أن التوك شو بشكله الحالى ولأسباب عديدة إلى زوال. والمهم هو التفكير فى شكل البديل وأهمية أن يكون بديلا صالحا لخلافة برامج التوك شو، التى شكلت وعى المواطن المصرى وأجندة أولوياته لسنوات عديدة قبل وبعد ثورة يناير 2011 ، وكان لها دور كبير فى الحشد لثورة يونيو 2013.

25 مليون جنيه
أعلى أجر شهرى لإعلامى
يتعامل البعض مع البرامج المسائية أو التوك شو، التى تبدأ فى الثامنة مساء وتستمر حتى ما بعد منتصف الليل، وبعضها يصل للجمهور حتى فى  يوم الجمعة، باعتبارها تقف على خط واحد، بالنسبة للمتفرج.
بالنسبة للمتفرج: هى برامج يقدمها شخصيات معروفة سواء محبوبة أو غير ذلك، يقدمون قائمة الأخبار اليومية أولًا ثم يظهر الضيوف ومعظمهم حاليًا مكررون، لكن فى الكواليس الوضع مختلف.  يظن المتفرج العادى أن مقدمى التوك شو يحصلون على الملايين شهريا، وهذا غير صحيح، فالفرق يصل أحيانا لعشرة أضعاف بين مذيع وآخر، فالحد الأدنى لمرتب مقدم برامج التوك شو يبدأ من 100 ألف جنيه تقريبًا خصوصًا لو كان يقدم ما بين 4 إلى 5 حلقات أسبوعيًا، ويومين إجازة نهاية الأسبوع. لكن الأزمات المالية التى نالت من عدة قنوات مؤخرًا جعلت الحد الأدنى يقل أحيانا عن 100 ألف جنيه شهريًا، فيما يصل أجر أغلى مذيع توك شو فى مصر إلى 2 مليون جنيه شهريا.. البعض يقول إن هذا الأجر المرتفع يشمل نسبة من عائدات الإعلان، أى لدينا مذيع توك شو يربح مليون جنيه تقريبًا فى السنة وهناك من يصل إجمالى إيراداته 25 مليون جنيه، وكلما زادت الجماهيرية والتأثير زاد الأجر، لكن فى الوقت نفسه هل الإيرادات بنفس القدر..  من هنا تبدأ أزمة تهديد التوك شو بشكله الحالى بالغياب أو الانقراض لأنه ببساطة حتى لو كان البرنامج يغطى تكلفته، فهناك تكلفة للقناة نفسها، فبرنامج التوك شو لا يظهر على قناة مغلقة طوال اليوم وتعمل فقط عندما يبدأ، بل لابد من وجود برامج ومواد درامية ومنوعات أخرى، وليس شرطا أن تحقق هذه المواد وتلك البرامج عائدات إعلانية تتوازى مع التكلفة، بالتالى الربح الذى قد يحققه برنامج التوك شو -إذا فرضنا أنه يربح- يتم تحويله لسد الثغرة بين إيرادات ومصروفات باقى برامج القناة.
تكلفة الإنتاج
تكلفة برنامج التوك شو ليست فقط مرتب المذيع الشهير، فليس المطلوب أن تحقق إعلانات البرنامج قيمة أجر المذيع، فتكلفة صناعة التوك شو هى الأعلى بين باقى برامج الهواء فى القنوات التليفزيونية، وتزيد عنها فقط برامج المنوعات المسجلة والتى تزيد تكلفتها بسبب أجور النجوم ضيوف الحلقات، والحاجة للسفر لدول أخرى..  ميزانية التوك شو عالية، لأن ميزانية أصغر فريق إعداد تبدأ من 30 ألف جنيه وتصل إلى 200 ألف جنيه شهريًا، وكلما كان البرنامج قويًا ويحتاج للوصول لقطاع أكبر من المتفرجين، تزيد تكلفة المراسلين والمونتاج ودفع نفقات إعلانية ونقل فقرات على الهواء مباشرة من أماكن مختلفة..  أى لا يكتفى المذيع بضيوف يأتون إليه فى الاستديو، بالإضافة لمصروفات الدعاية والسوشيال ميديا، كل ما سبق يؤدى لتضاعف التكلفة الشهرية للبرنامج، ويكون مطلوبا أن يظل عائد الإعلانات كما هو لا يقل حتى لا يحدث العجز.
 نتكلم هنا عن البرامج التى تنهال عليها الإعلانات، بينما هناك برامج كثيرة لو دقق معها المشاهد سيجد فواصلها قصيرة وإعلاناتها شحيحة، أى أنها برامج تخسر كلما قدمت للجمهور حلقة جديدة .
 هروب المعلنين
لماذا تراجعت الإعلانات؟
 الإجابة واضحة، أسباب اقتصادية أولا، ومنافسة الديجتال ثانيا، والديجتال هنا يعنى قدرة المعلن على الوصول للجمهور إما من خلال حسابه على الفيس بوك أو يوتيوب أو من خلال صفحات أخرى مزدحمة بملايين المتابعين.  بل بات المعلن قادرًا على معرفة عدد من مشاهدى الإعلان وقراءة رد الفعل أولا بأول فى التعليقات وهو أمر لا يوفره بث الإعلان تليفزيونيا كما أن الرقابة شبه غائبة عن إعلانات الديجتال عكس منع الجهات المعنية بعض الإعلانات بعد بثها تليفزيونيا، ولولا صعود منتخب مصر للمونديال لكانت عائدات البرامج التليفزيونية من الإعلانات قد تأثرت بشدة طوال عام 2018.
الشباب وآخرون يفضلون:
مقاطع البرامج على الفيس
لنكن منصفين فإن التكلفة المرتفعة والأجور المبالغ فيها ليست هى فقط سبب تعرض التوك شو لخسائر، فهناك أسباب أخرى من بينها عدم الرغبة فى إثارة موضوعات قد تؤدى لانقسام الرأى العام خصوصا فيما يتعلق بالسياسة، وكذلك إصرار كل مذيع على عدم تغيير قائمة أولوياته، ما أدى لانصراف قطاعات كبيرة من المشاهدين عنها. هل يعنى ذلك أن الشباب لا يشاهدونها، بالقطع لا، فالشباب يتابعون المقاطع الأبرز والمثيرة للجدل عبر الفيس بوك فى اليوم التالى أو نفس اليوم لعرض الحلقة، بل إن حسابات البرامج على مواقع التواصل تتفنن فى قطع المصادمات والمشاحنات الأكثر سخونة، لتحقيق معدلات مشاهدة مرتفعة عبر السوشيال ميديا.  غير أن هذا فى رأيى دليل ضعف لا قوة، لأنه يعنى أن المذيع يخرج يوميًا لثلاث ساعات ويتابعه جمهور يتناقص يومًا تلو الآخر، فيما يختار متابعو السوشيال ميديا عدة دقائق للفرجة عليها وإبدأ الرأى.
برامج الديجتال قادمة
ما سبق يمهد لوجهة نظر تقول: إن التوك شو قد ينقرض بشكله الحالى لكنه قادر على العودة من جديد عبر الديجتال حسب قواعد الوسيلة الجديدة، فالمذيع لن يكون فى حاجة لتردد على النايل سات، ولا استديو شاسع المساحة، ولا لأربعة ضيوف يتعاركون أمام الجمهور على مدى ساعات.
بل سيحتاج لاستديو عادى وضيف مهم وحصرى ومدة لا تزيد على ستين دقيقة يقدم خلالها عدة موضوعات باختصار وبدون رغى وجدال، وتصل للجمهور مباشرة من خلال الإنترنت وحتى لو كان للبرنامج نسخة تليفزيونية فإن التكلفة ستقل ربما للربع وأكثر، فيما الستة أصفار لن تظهر فى عقود مقدمى البرامج بعد الآن ويكفى أصحاب الملايين ما حصلوا عليه. •