الأحد 17 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قصر أثرى.. فمكتبة. فكافيه!

قصر أثرى.. فمكتبة. فكافيه!
قصر أثرى.. فمكتبة. فكافيه!


فى 1993 شكلت وزارة الثقافة لجنة عليا برئاسة نقيب الصحفيين وقتها، كامل زهيرى، وعضوية د.غالى شكرى، وسمير غريب وجمال الغيطانى ود. شعبان خليفة، والمستشار محمد لطفى جودة وعدد من المثقفين والمتخصصين، ليقرروا كيفية إعداد وتشغيل مكتبة القاهرة الكبرى.

 واستمرت أعمال اللجنة 32 اجتماعا دوريا أسبوعيا، لوضع تفاصيل تحويل قصر الأميرة سميحة كامل، إلى مكتبة عامة، بعد أن آل للدولة بوفاتها عام 84، طبقا لوصيتها لاستغلاله فى الثقافة والرقى بالفنون، وصدور قرار جمهورى بأن يصبح القصر رسميا مكتبة عامة تتبع وزارة الثقافة فى 1986..ليقرر المسئولون فى وزارة الثقافة بعد 18 سنة من افتتاح المكتبة أن يتحول الجزء المطل على النيل من القصر إلى كافيه للعامة، وليس لرواد المكتبة فقط..ويروج مستأجر الكافيه له عبر مواقع الترويج عن «الخروجات» فى الإنترنت، باسم «جاردن كافيه» بمكتبة القاهرة -15 ش محمد مظهر بالزمالك، مدعما بصور المقاعد والإنتريهات المفروشة على النجيلة الخضراء، وبتقديم الكافيه للشيشة والمشروبات والمأكولات.. مكتبة القاهرة أكبر مكتبة عامة فى العاصمة، بعد دار الكتب المصرية، وكانت وزارة الثقافة قد أعلنت فى 1991، عن مسابقة معمارية لإدخال تعديلات على قصر الأميرة سميحة، ليناسب تحويله لمكتبة وحركة الزائرين وما ستقدمه من خدمات،  لتفتح المكتبة بعد أعمال لجنة كامل زهيرى، بعامين فى 24 يناير 1995..وظلت المكتبة تنبض بالحياة الثقافية، ندوات ومؤتمرات فى مختلف النواحى، حتى أغلقت فى 2011، عندما سجلتها وزارة الآثار، كأثر إسلامى، وأجرت عليها ترميمات، وصيانة، لتفتح مرة أخرى سنة 2013، ويقرر المسئولون بوزارة الثقافة أن يتحول الجزء المطل على النيل من القصر إلى كافيه للعامة، وليس لرواد المكتبة فقط.
سميحة وتاجر الغلال
يرجع تاريخ بناء القصر إلى نهاية القرن التاسع عشر، عندما شيده على الضفة الشرقية لجزيرة الزمالك، تاجر الغلال المصرى اليهودى «منشا باشا»، ليشرف من خلاله على تجارته الموجودة على الضفة المقابلة، المعروفة بساحل الغلال، واختار مهندسا إيطاليا لوضع التصميم، بحسب الأستاذ بآثار القاهرة د. مختار الكسبانى.
ويعد هذا القصر نموذجًا مثاليا، لطراز قصور الحدائق، «حديقة وسطها قصر»، الذى ظهر بعد ذلك فى عدة قصور، وبنيت طوابقه الثلاثة، وطابق تحت الأرض، بالخرسانة المسلحة والحجر، تميزه التراسات «البلكونات» المتعددة والمختلفة الأحجام والأشكال، ليجمع العديد من الفنون «الطراز التلقيطى»، به زخارف أندلسية على واجهاته، تعد شكلا متطورا لزخرفة الأرابيسك التى بدأت فى العصر الطولونى، واستمرت حتى العثمانى وعصر النهضة..وعندما أراد تاجر الغلال بيع قصره، اشترته فى الثلاثينيات الأميرة سميحة، بنت السلطان حسين كامل «حاكم مصر من 1914 - 1917» لحبها للفنون التى تميز القصر، فقاعاته ذات زخارف عصر الباروك والركوكو، ذات الورود والأزهار وأوراق النبات، مثلما جمعت عمارته بين الطراز الأندلسى، بتجلياته فى بهو القصر، ذى الأعمدة والعقود المميزة، وبين العمارة المملوكية التى تظهر فى عقود نوافذه وبلكوناته. واستخدام التكسيات الرخامية لحوائط جدران بعض غرفه..ورغم هذا أدخلت الأميرة تغييرات على القصر، لتمحو أثر كل الشارات التى تدل على الملكية اليهودية للقصر «أى كتابات عبرية أو أدعية توراتية أو نجمة داود»، وظل القصر يميزه برج يشبه الأبراج الحربية التى تميزت بها عمارة العصور الوسطى، والذى استخدمته الأميرة كمرسم لها.
 حفلات تنكرية على صوت عبدالوهاب
وينقل كتيب أعده كامل زهيرى عن المكتبة، صورا لحفل تنكرى، أقامته الأميرة سميحة فى القصر، يجمع بعضا من عائلة محمد على، ويظهر فى الحفل الملك فاروق مرتديا الزى البدوى، وبجانبه الملكة فريدة بملابس فتيات غجر وسط أوروبا، والسلطانة ملك زوجة السلطان حسين كامل..ويذكر الموسيقار عبدالوهاب فى حديث إذاعى، أنه كثيرا ما غنى فى حفلات الأميرة سميحة فى هذا القصر.
ترددات الراديو لمنع سرقة الكتب
وعن أحدث تقنيات المكتبة يقول مديرها ياسر مصطفى، إن المكتبة كانت تحتوى على تمثال شهير، يسمى تمثال المحارب للفنان آدم حنين، لكنه نقل للأكاديمية الفنية بروما، وتتميز مكتبة القاهرة الآن بأنها أول مكتبة فى مصر، تطبق ترددات الراديو، فى تأمين الكتب والبوابات، عن طريق شريط ممغنط يوضع على الكتب، يطلق إشارات معينة عند محاولة عبور كتب خارج قاعات الإطلاع.
وتحتوى المكتبة على 200 ألف كتاب، وقاعات لتنظيم ندوات واحتفالات ثقافية، بعد توقف استمر من 2011 وحتى 2013 لأعمال الترميم والصيانة.
العصر الذهبى للمكتبة
عندما تزور المكتبة الآن ستشعر أن أشياء كثيرة قد تبدلت، بالمقارنة بما كان عليه الأمر فى التسعينيات والنصف الأول من الألفية، حين كانت تنبض بالثقافة كما أرادات لها الأميرة سميحة..مازلت أذكر مؤتمر العولمة، الذى رأسه الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة وقتها، د. جابر عصفور، الذى تحدث فيه الأستاذ هيكل ومحمود أمين العالم وغيرهما من المثقفين فى مصر والعالم العربى..كانت المكتبة تستضيف كثيرا د.سميحة الخولى ود. رتيبة الحفنى، والناقد الموسيقى محمود كامل، ووالد الفنان عزت أبوعوف، للحديث عن تطور الموسيقى، وكم حضرت مؤتمرات متخصصة فى قضايا المرأة واحتفالات لمناقشة كتب مهمة، مثل كتاب القاهرة الخديوية، لسهير حواس، فضلا عن المعارض الفنية.. وقبل أن أترك المكتبة الهادئة، التى ذكرنى هدوءها بأصوات هؤلاء المثقفين وآرائهم، توقفت طويلا عند أبواب إحدى قاعات الطابق الأرضى، المزخرف بزخارف بارزة من الورود الحمراء والأفرع النباتية، الذى تراكمت عليه أرفف خشبية وأدوات مكتبية وجهاز كمبيوتر، خاص بموظفين سكنوا القاعة.•