الأحد 10 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الأستاذ صبحى..

الأستاذ صبحى..
الأستاذ صبحى..


يدخل المعلمون والمعلمات تباعًا مهرولين قبل أن يدق جرس طابور الصباح، ويجمعهم ناظر المدرسة فى حجرته يتناقشون فى أمور قد تخص اليوم الدراسى أو موضوعات عامة، ويدق جرس الصباح ويأخذ كل معلم مكانه مع تلاميذه فى الفناء.
أما الأستاذ صبحى فيأخذ مكانه بجانب ميكروفون إذاعة المدرسة حاملاً الأوكورديون، ومعه أفراد فرقة الموسيقى من تلاميذ مختلف صفوف المدرسة، كنت من المحظوظين الذين علمهم أستاذ صبحى الموسيقى على الإكسليفون والأوكورديون، فكنت من أعضاء الفريق الموسيقى بالمدرسة، تغمرنى السعادة وأنا أعزف نشيد السلام الجمهورى بلادى.. بلادى.
الأستــاذ صبحــى رحمــه الله، كــان معلمًــا بالمدرســة، وعضــوًا بفرقــة أم كلثوم الموسيقية، التى تصاحبها فى حفلاتها، والمعروف عنهم أنهم من أحسن العازفين وأمهرهم وأكفأهم بين العازفين فى العالم العربى، والعمل فى فرقة أم كلثوم ليس سهلاً أو ميسورًا لكل عازف، فهناك شروط يجب أن تتوافر فى العازف الذى ينضم إلى فرقتها الموسيقية، ومن أهمها كفاءته فى العزف على الآلة الموسيقية التى تخصص فيها، يعتبر شيئًا فريدًا أو نادرًا بين زملائه عازفى نفس الآلة.
ومع خبرة أستاذ صبحى ومهارته الموسيقية، لم يشعر من حوله بأنه مميز، فقد كان متواضعًا يحب عمله ويلتزم به، نلتف حوله بحجرة الموسيقى لنتعلم الأغانى والسلم الموسيقى والحركات الموسيقية بالتصفيق باليدين، فيكون عدد الصقفات وزمنها نغمة، وعندما يشعر بموهبة أحدنا، يركز على تعليمه بالأدوات التى يحبها.
أحببت الإكسليفون وتدربت على يد الأستاذ صبحى «الفنان المعلم»، الذى حببنا فى الموسيقى، ومازلت أهلل فرحًا عندما أشاهد حفلات أم كلثوم فى التليفزيون، وأقول لأبنائى: هذا أستاذ صبحى مدرس الموسيقى فى مدرستى، مدرسة ابن خلدون الابتدائية.
كم كنا محظوظين، نحن أبناء الستينيات والسبعينيات بالنشاط المدرسى، والمعلمين الأكفاء، وأشعر بالأسى لأطفالنا والأجيال الجديدة التى لا تستطيع ممارسة النشاط الموسيقى والذى أعتبره غذاء للروح وأداة لتنمية الشخصية!
تاريخنا التعليمى ثري؛ فبدلاً من استيراد تجارب الدول الأخرى، نعيد هذه التجارب الناجحة مرة أخرى، ونعيد الموسيقى إلى مدارسنا المصرية، بنفس التواجد الذى كانت عليه فى الماضى.
وإذا كان تعليمنا يعانى من نقص مدرسى الأنشطة كالموسيقى والتربية الرياضية والرسم، ولا تستطيع الدولة زيادة ميزانية التعليم لتعيين معلمين أو زيادة رواتب المعلمين الحاليين، ولن يتم تطوير للتعليم إلا بوفرة معلمى النشاط بالمدارس وزيادة مرتباتهم، فهنا يأتى دور الخدمة العامة لخريجى كليات ومعاهد الموسيقى والفنون الجميلة والتربية الرياضية، لمن لن يلتحق بالخدمة العسكرية من الذكور والإناث، حسب قانون وزارة التضامن الاجتماعى الصادر فى العام الماضى، لإلزام الذكور والإناث بأداء الخدمة العامة لمدة سنة حسب احتياجات المحافظات فى مختلف القطاعات الخدمية، ومنها التعليم.
وتستطيع الوزارة تحديد قيمة مالية نظير تلك الخدمة سواء بمكافأة رمزية شهرية، أو بنظام الحصة، وفى كل عام يأتى خريجون جدد، فنسمع مرة أخرى الأناشيد الوطنية بطابور الصباح وتعمل الآلات الموسيقية التى صدأت من عدم استخدامها، ونرى مرة أخرى رسوم الأطفال والألوان الجميلة مزينة الفصول وطرقات المدرسة، بل يصبح لدينا فِرَق من أشبال وزهرات الغد، وترجع المدرسة لدورها الحقيقى وتجذب التلاميذ لأننا سنحقق المتعة من خلال التعلم.
وعندما يشارك الشباب فى هذا «التجنيد الاجتماعى أو المدنى» سيشعر بمشاعر الوطنية والانتماء بدلا من مشاعر الاغتراب الاجتماعى، وسيشعر الجميع أنهم متساوون فى إعطاء الوطن حقه كل فى جبهاته، ولا توجد أعذار تعفى فتاة أو شابًا من تأدية الخدمة الاجتماعية، وهذه الفترة ستشعر الشباب بأن الوطن لهم وأنهم ساهموا فى خدمته.
د.لبنى عبدالرحيم خبير التربية والسياسات التعليمية