نهـايــة التهريج

ايهاب فتحي
كان يوما صحوا مشمسا والأهم الطريق خالٍ من الزحام اليومى المعتاد انطلق بى سائق التاكسى على الطريق وهو سعيد بالطريق.. فجأة تحولت كل الإشارات الطيبة فى اليوم إلى النقيض.. اقتحم توك توك فى عنجهية شديدة الطريق مصطدما بسيارة التاكسى محطما المرآة اليمنى للسيارة تحول سائق التاكسى الهادئ إلى وحش ثائر ونـــــــزل من سيارته مطاردا التوك توك وسائقه الصبى الصغير الذى لم يتجاوز الـ17 عامًا بأى حال من الأحوال.
بين سائق التاكسى والتوك توك
وسط المعركة المحتدمة بين سائق التاكسى وصبى التوك توك تـــــدخل المارة كعادة مصرية لا تنقطع للفض بين السائق والصبى.. تذكرت الدكتور زكى نجيب محمود.. حضر الراحل العظيم بكلماته والذى رحل قبل وصول التوك توك إلى شوارعنا تذكرت كلمات قالها وكتبتها من قبل،
«أقول وربما لا يوافقنى عليه الكثيرون والله أعلم بمن هو مصيب فينا.. أنا أرى أننا متخلفون من يريد أن يغالط فى هذه الحقيقة التى هى أوضح عندى من الشمس فى رائعة النهار؟.. ما المعيار الذى أقيس به؟ أقيس بالإيجابية التى أشارك بها فى حضارة العصر، أنا موجود لأعمل، لأفكر والسؤال هل أفكر؟ بل يُفكرلى وتأتى الأفكار جاهزة هل أعمل؟ يُعمل لى أشترى الطائرات والسيارات والتليفونات مثل أى أبله يجلس فى دكان.. مادام يمتلك فلوس يشترى.. نحن نشترى الحضارة».
بالتأكيد كلمات الراحل العظيم تلخص حال الأمة وما أصابها خلال العقود الماضية وجعلنا نرث الآن هذا الكم الهائل من المشاكل على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية.
التخلف المقصود
تأملت كلمات الدكتور زكى نجيب محمود وتوقفت عند كلمة التخلف والمقصود هنا التخلف عن ركب الحضارة وصناعتها وهذا التخــــلف الذى أصابنا أتصور أنه العرض، أما الآفة التى أدت إلى المرض سببها كلمة أخرى وهى التهريج.
تعرف اللغة العربية التهريج بأن مصدر الكلمة هرج والتهريج هى قيام الشخص بالتشويش وإثارة الفوضى والاضطراب وعندما ننظر لهذه الأفعال نتأكد أننا كأمة نمارسها يوميا دون انقطاع.
لا مجال للشك فى أن الأمة المصرية أمة عظيمة إن لم تكن الأعظم لكن مهما بلغت العظمة للإنسان والأمم فهم غير محصنين من الإصابة بالآفات وأتصور أن الآفة الحالية التى أصابت أمتنا هى التهريج.
التهريج الممجوج
هذا التهريج الممجوج هو ألد أعداء النهضة ثم الحضارة، فمن شروط قيام النهضة والحضارة النظام الدقيق والجدية وهذا عكس تمامـــــا أسلوب التهريج، فعندما نبحث فى تاريخ الأمم التى استطاعت النهوض ثم صنعت حضارتها نجد أنها أمم التزمت بالنظام والجدية إلى درجة القسوة على النفس.
نحن جميعا نشاهد التوك توك المزعج الذى ينطلق فى شوارعنا دون ضابط أو رابط ونعلم أنه كارثة على الأمة تصل إلى حد المؤامرة فهذا المزعج غير إزعاجه يقضى على العمالة المدربة فى بلادنا.
كأن مـــــن زرعه فى الوطن بطريقة شيطانية قبل عشر سنوات يعلم جيدا أثره على مستقبل هذه الأمة الفتية ويضربها فى يدها العاملة حتى يضمن عرقلة نهضتها.
الوجه الكالح
عندما أتى الوجه الكالح فى العام 2012 ليخاطب أهله وعشيرته لم يكن مستغربا أن يلقى بالتحية على التوك توك ويعظم من قدره وينتفـــــــــى الاستغراب لأن الفاشيست الإخوان يهمهم السلطة فقط وتحقيق مصالح أسيادهم فى الخارج.
هذه المصالح تتوافق مع الرؤية الخبيثة للفاشيست فى ضرب مشروع النهضة للأمة المصرية.. وكيف ستكون هناك نهضة والسواعد التـــى ستقوم بها لا تمتلك من الخبرة إلا السير فى خطوط متعرجة بهذا التوك توك؟
تجربة النهضة المصرية
لا داعى للذهاب إلى الشرق أو الغرب لفهم آليات عمل النظام والجدية فتجربة النهضة المصرية فى بدايات القرن التاسع عشر مع ظهور الدولة المصرية الحديثة على يد محمد على باشا التزمت التجربة بالشرطيــــن النظام والجدية، ولم تعرف الهزل فى تطبيق شروط النهضة وقد غضب المصريون وقتها من صرامة التطبيق لأن آفة التهريج تخرج الأمـــــة وبالتبعية الفرد من أى التزام تجاه الوطن.
بدأت الدولة المصرية الحديثة بإعادة تأسيس الجيش الوطنى بعد فترات طويلة من الاحتلال العثمانى وتهريج دويلات المماليك فالجيش ومؤسساته هو العلاج الأول من آفة التهريج التى تصيب الأمة وصانع الجدية ولا نهضة أو دولة دون جيش وطنى حديث.
يشير تاريخ مصر القديم أيضا إلى أن الظهور الأول للدولة المصرية وثباتها لآلاف السنين ارتبط بـتأسيس الجيش الذى وحد الدولة تحـــــت راية واحدة وذلك عقب فترات من الفوضى ثم طرد الهكسوس فى مرحلة أخرى.
كيف تسللت آفة التهريج؟
لكن هناك سؤال يطرح نفسه بقوة كيف تسللت آفة التهريج إلى أمتنا فى العقود الماضية؟ لقد استطاعت الأمة المصرية ببسالة إنهاء الاحتلال الإنجليزى من على أرضها وخاضت العشرات من المعارك حتى زال وبدأت مصر الناصرية تأسس لمشروع نهضوى نبيل أهدافه واضحة وأهمها تحقيق العدالة الاجتماعية.
بدأت الآفة تتسلل من هنا عندما تصورنا أن العدالة الاجتماعية تعنى وقف الفرز الطبيعى فى المجتمع فأهدرنا الفوارق فى مستويات الكفاءة والاستعداد العقلى للفرد للقيام بمهمة ما، وأصبح المجتمع كتلة جامـــــدة طاردة للاختلاف مولد الإبداع.. فكانت النكسة.
استعادت الأمة المصرية حيويتها سريعا وحققت الانتصار فى حرب أكتوبر المجيدة فى ملحمة اعتمدت فيها على شروط النهضة من النظام الدقيق والجدية وكان الجيش المصرى هو صانع هذا المجد.
من أطلق يد المهرجين؟
تدخلت السياسة الرديئة فى مصر الساداتية لتطلق يد المهرجين الفاشيست من الجماعة الإرهابية لتعود أفة التهريج أكثر شراسة ومتمسحة بالدين وتحول التهريج إلى قاعدة والاستثناء هو الجدية والعلم.
مسخ المهرجون الفاشيست قيم المجتمع وأصبح مجتمعنا يطارد الشكل رافضا المضمون وتحول الإيمان إلى مظاهر تحدد أهميتها طول الجلباب أم قصره وعفة المرأة فى قطعة قماش ترتديها وإنفاق ملايين الدولارات سنويا على شعيرة الحج والعمرة حتى تربح الشركات التى يملكــــــونها أهم من إنفاق هذه الملايين على فقراء المصريين الذين يحتاجون العلاج والغذاء.
وصل المجتمع مع المهرجين الفاشيست إلى الدرجة القصوى من التهريج وكانت العلامة النهائية وصولهم لكرسى الحكم حتى فى لحظة الوصول تلك لم يتوقفوا عن التهريج.
احتفظوا بجماعتهم السرية الإرهابية ولعبوا بورقة الحزب ووضعوا عروس ماريونت على الكرسى تحركها أصابع مجهولة من الداخل والخارج.
وقفة 30 يونيو
اختنقت الأمة من سخف تهريج الفاشيست فكانت الوقفة فى 30 يونيو وقيام الجيش بإزالة هذا التهريج نهائيا فى 3 يوليو والذى مارسه الفاشيست على مدار أربعة عقود.
تمر الأمة المصرية الآن بمرحلة فاصلة، فمنذ 3 يوليو 2013 وهناك قرار اتخذته بوعى جمعى فوضت فى تنفيذه الدولة بأن أوقات التهريج حانت نهايتها وأن النهضة مهما بلغت قسوة شروطها من نظـام دقيق وجدية لا عودة عنها.
هناك من تعجب من صبر الشعب المصرى على قرارات الإصلاح الاقتصادى وسعادته بالضربات المتوالية للفساد وتعامل الدولة مع المشاكل دون «لف أو دوران» فمثلا العشوائيات أماكن لا تليق ببشر وأزيلت وتزال ومن لا يصلح فى منصبه يذهب ليأتى الصالح.
نقول للمتعجبين لا تتعجبوا فالقرار بالتطور والتقدم لم تتخذه الدولة بل هى مفوضة فى تنفيذه أما متخذ القرار فهو الأمة المصرية وقبلت شروط التفيذ بجدية وعزم.
عندما تراقب مليشيات التهريج والمهرجين يفرون وتختفى ظواهره من حياتنا خطوة خطوة أمام الإصرار على الجدية والتمسك بالنظام الدقيق حتى نصل إلى انضباط كامل فى الشارع فاعلم أن هذه الأمة تسير على الطريق الصحيح.•