السبت 10 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رباعيات جاهين روح فى بدن وطن

رباعيات جاهين روح فى بدن وطن
رباعيات جاهين روح فى بدن وطن


كتبت - د.عزة بدر

رباعيات صلاح جاهين هى ذوب نفسه، وحكمته مقطرة، ورؤيته لفن الحياة.
بل يراها البعض سيرة ذاتية له تحمل شجنه، وفرحه، وما استمده من عالم الفكر، والتأملات، فالرباعيات هى صلاح جاهين نفسه الذى أحب الحياة بعمق، وسخر منها فى الوقت ذاته! مما أضفى على رباعياته نظرة فلسفية لقضايا الحياة والموت، وتأملاً ثريًا للكون والوجود إذ يقول: «أحب أعيش ولو أعيش فى الغابات أصحى كما ولدتنى أمى وأبات طاير.. حيوان.. حشرة.. بشر بس أعيش محلا الحياة حتى فى هيئة نبات عجبي».

فى عشق الحياة
وتتجلى هذه الثنائية فى عشق الحياة، والخبرة بآلامها، واليأس منها فى قوله: «لو كان فيه سلام فى الأرض وطمان وأمن لو كان مفيش ولا فقر ولا خوف ولا جبن لو يملك الإنسان مصير كل شيء أنا كنت أجيب للدنيا ميت ألف ابن عجبي»! وهو ما دعا يحيى حقى فى وصفه لرباعيات صلاح جاهين يقول إن جاهين فسر الكون كله من مقام الخوف! وإن رباعياته تزلزل النفس لشدة وقعها فى القلب، وانظر إليه حين يقول: «ورا كل شباك ألف عين مفتوحين وأنا وانتى ماشيين يا غرامى الحزين لو التصقنا نموت بضربة حجر ولو افترقنا نموت متحسرين عجبى!».
على فيض الكريم
ورأى يحيى حقى أن جاهين قدم فى رباعياته ترجمة ذاتية نابضة بالحياة، وأنه قد تناول كأسها من الشاعر الفارسى عمر الخيام (1048 - 1131م) الذى كتب رباعياته مفعمة بالحياة، لكن جاهين قد تناول كأسها من الخيام، وصبه ليشرب منه كل عطشان عابر سبيل، وهذا ثواب مبجل ومضمون ويضيف يحيى حقى: «لكنك إذا دققت النظر فى تخاريم شباك هذه القلة لوجدتها آية فى الصنعة، والزخرفة الجميلة، ولا تحسبن أن سبب صدق تعبير صلاح عن مزاج ابن البلد راجع إلى أن الرباعيات مكتوبة بالعامية، فالمضمون فيها طغى على الشكل اللغوى فجاهين قبل أن يكون ابن بلد مصفى هو الفنان المصفى الأصيل المتعدد المواهب، هو الفنان وفى ذاته ولو لم يخط حرفا واحدا فكل ما يصدر عنه هو فيض الكريم».
الثورة على امتلاك الحزن!
ومع ذلك فقد ظلم يحيى حقى رباعيات جاهين رغم كل هذا المديح إذ إنه قال: إنها لم تأت بجديد، واستند إلى أن جاهين قد اجتر تراثه المتنقل إليه مع بقية أملاك الوقف الذى أكل الدهر عليها وشرب، حتى أصبح جلالها وسط العمارات الشاهقة المبنية بالأسمنت المسلح فى عصر الذرة نوعا من تحشم الشاكرين لربهم على الستر، وأصبح صوت تداعى الرباعيات، البطى نوعًا من أنين الذكريات فالأثر المتبقى فى النفس بعد قراءة الرباعيات أنها خدوش الأظافر الصماء التى هى القدر».
وأختلف مع يحيى حقى فى ذلك لأن جاهين قدم لنا - فى رأيى - ثورة على هذا الإرث كما ثار على بعض أملاك وقف هذا التراث خاصة تراث الحزن، وإن تراوحت رباعياته بين الثورة على هذا الحزن، وتبجيله، فتراه يقول ثائرًا: «عيد..
والعيال اتنططوا على القبور لعبوا استغماية..
ولعبوا بابور وباللونات..
نايلونات شفتشى والحزن ح يروح فين جنب السرور عجبى! ومع ذلك تراه يقف موقف الراصد لهذا الحزن وأسبابه من قبيل أنه يقرر واقعا كان عليه أن يصوره عندما قال: أعرف عيون هى الجمال والحسن وأعرف عيون تاخد القلوب بالحضن وعيون مخيفة وقاسية وعيون كتير وباحس فيهم كلهم بالحزن عجبى!
رأى فريد فى الحياة
بل إن جاهين اختلف مع عمر الخيام وحاوره فى إحدى رباعياته والتى قال فيها الخيام - حسب ترجمة أحمد رامى - «أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب/ فإنما الأيام مثل السحاب/ وعيشنا طيف خيال فنل/ حظك منه قبل فوت الشباب».
فحاوره جاهين قائلا: ياللى نصحت الناس بشرب النبيت/ مع بنت حلوة..
وعود وضحك، وحديث مش كنت تنصحهم منين يكسبوا ثمن ده كله؟..
ولا يمكن نسيت عجبى!.
وصحيح أن رباعيات الخيام لم تتشكل إلا بعد أن استقر صاحبها على رأى فلسفى فى الحياة، ورباعيات جاهين قد كتبها منجمة نطقت وبعضها ينضم لبعض بأنها جميعا وليدة رأى فريد فى الحياة، وهذه الرباعيات لا تدور حول محور مرسوم من قبل - كما يقول يحيى حقى، لكن الحق كل الحق أن جاهين كما أرى ثار ثورة عارمة على جمود الحياة وسكونها، ولم يرض إلا بهذه النشوة الريانة التى تدفع المرء للمحاولة ومغامرة الحياة إذ يقول: «أنا إللى بالأمر المحال اغتوى، شفت القمر نطيت لفوق فى الهوا طلته ما طلتوش إيه أنا يهمنى وليه؟! مادام بالنشوة قلبى ارتوى عجبى!
غنوة للجمال
وألف احتمال ومن ملامح هذه الثورة أيضا والتى تخرج رباعياته من فكرة الدوران حول الموروث أو اجترار أنين الذكريات قوله: أوصيك يا ابنى بالقمر والزهور أوصيك بليل القاهرة المسحور وإن جيت فى بالك..
اشترى عقد فل لأى سمرا..
وقبرى أوعاك تزور عجبى!
صلاح جاهين هو رباعياته التى طعم فيها العامية بالفصحى، وعبر فيها عن ابن البلد عاشق ليل القاهرة المسحور، عاشق وطنه معلقة روحه به، ذائبة نفسه فيه وتلك هى رباعياته تعرف السر وتغنى المعنى: قالوا ابن آدم روح وبدنه كفن قالوا لأ..
بدن، قالوا لأ..
ده روح فى بدن رفرف فؤادى مع الرايات فى الهوا أنا قلت لأ..
روح فى بدن فى وطن عجبي».•