حكمت أبو زيد.. قلب الثورة الرحيم
منى صلاح الدين
مع مطلع الستينيات اختيرت د.حكمت عضوا فى اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومى، ليظهر خلافها مع جمال عبد الناصر، خلال المناقشات حول بعض فقرات الميثاق الوطنى، ومفهوم المراهقة الفكرية، لهذا كان تعيينها وزيرة، بعد شهور قليلة، مثار دهشة الأوساط السياسية حينها. . ولم يكن الوضع «مريحا» فى مجلس الوزراء، فالكثيرون لم يتقبلوا وجودها، أبرزهم قائد الجيش حينها المشير عبدالحكيم عامر، الذى لم يكن يرفض لصديقه عبد الناصر طلبا.
تاريخ د. حكمت «أول وزيرة مصرية»، يوضح أن اختيارها لم يكن صدفة، فكانت مناضلة سياسية منذ الثلاثينيات عند دراستها فى مدرسة حلوان الثانوية للبنات، وحتى قبل التحاقها بقسم التاريخ بجامعة فؤاد الأول فى 1940، ضد الإنجليز، وضد دستور 1935 الديكتاتورى، الذى دفع آلاف الشباب فى الجامعة والمدارس للتظاهر والاحتجاج ضده وضد رئيس الحكومة وقتها إسماعيل صدقى.
نشأت حكمت فى أسيوط (مواليد 1922)، لأب ناظر بالسكك الحديدية، وكانت وظيفته حينها تحتم عليه التنقل بين مراكز مصر ، لكنه فضل أن تكون أسرته مستقرة فى موطنها، فالتجربة تقول «أبناء الموظفين يتعثرون دراسيا»، لأن التنقل يؤثر سلبا على الاستقرار الأسرى وبالتالى التفوق الدراسى.
والدا حكمت شجعاها على القراءة ووفرا لها كل سبل التعليم المتاحة، حتى بعد مغادرتها أسيوط للقاهرة للدراسة فى حلوان، وإقامتها فى جمعية «بنات الأشراف» التى أسستها نبوية موسى.
فى الجامعة تنبأ لها عميد الأدب العربى طه حسين بمستقبل كبير، وهو ما تحقق بعدها بأكثر من عقدين.
فور تخرجها عملت فى المدارس الثانوية لأربع سنوات حصلت خلالها على دبلوم التربية، قبل أن تسافر فى 1948 إلى بريطانيا لدراسة الماجستير، ثم الدكتوراه التى حصلت عليها من معهد التربية بجامعة لندن 1955.
عملت فى كلية البنات بجامعة عين شمس حتى اختيارها لمنصب وزيرة الشئون الاجتماعية، خلفا لحسن الشافعى الذى يعد واحدا من أبرز الضباط الأحرار، فى وزارة على صبرى الأولى 1962.
رغم كونها أستاذة جامعية، توجهت إلى بورسعيد خلال العدوان الثلاثى 1956، برفقة عدد من سيدات مصر مثل سيزا نبراوى وإنجى أفلاطون وغيرهما، وشاركن فى أغلب عمليات الحرب حتى القتال.
كان نجاحها فى عملها الوزارى، دافعا للدولة المصرية لتجعل وزارة الشئون الاجتماعية من نصيب السيدات، حيث وصل عدد من تولى الوزارة خلال نصف القرن الأخير أكثر من 25 سيدة، تولين وزارات التعاون الدولى والأسرة والتخطيط والاستثمار والصحة والعمل، إضافة لمحافظة البحيرة، مؤخرا.
صار وجود أكثر من وزيرة فى أى حكومة سمة ثابتة فى مصر خلال العشرين عاما الماضية، على الرغم من مطالبة الكثيرين بكوتا لا تقل عن الربع، يشجعهم نجاح عدة وزيرات.
خرجت حكمت من الوزارة فى 1965 ليخلفها السياسى المخضرم أحمد عبده الشرباصى، لكن سرعان ما عادت المرأة المصرية للحكم فى 1971 مع دكتورة عائشة راتب لنفس المنصب حتى أواخر السبعينيات.
عادت الأستاذة الجامعية لقاعات الدراسة لكنها لم تترك عضوية اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، حتى ثورة التصحيح فى عهد الرئيس السادات ضد رموز ناصرية.
لكن خلافها الكبير، كان بعد مبادرة السلام منتصف السبعينيات، غادرت على إثرها إلى ليبيا، تدرس فى جامعاتها، بعد أن صادرت الحكومة جواز سفرها ووضعت حراسة على ممتلكاتها.
لكن بمجرد صدور حكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان تلك الإجراءات، عادت حكمت، لتستقر فى مصر، حتى وفاتها فى 30 يوليو 2011.•