معركة عـرش العالم 1 - 2

ايهاب فتحي وريشة الفنان عمرو الصاوي
بعد أسابيع قليلة من أحداث 11/ 9 ذهبت إلى المركز الثقافى الروسى للاستماع إلى محاضرة للمستشرق ورجل الدولة الروسى د.أليكسى فاسليف وإجراء حوار معه تناول د. أليكسى الحدث الجلل وألقى بظلال الشك حول من وراء تفجير البرجين فى نيويورك.
توقف الرجل قليلا عن إلقاء محاضرته مبتسما قائلا جملة بدت وقتها بعيدة عن سياق حديثه «كل ما تفعله الولايات المتحدة أنها تحاول تعطيل الصين من أن تصبح القوة العظمى لكن خلال الـ15 عاما القادمة ستسود الصين».
نبوءة
تذكرت نبوءة د.أليكسى فاسليف بعد 16 عامًا من خلال خبر مر مرور الكرام أمامنا ونشرته صحيفة أسيان رفيو، أجرت الصين الشهر الماضى تجربة ليست نووية ولكنها أكثر تأثيرا وخطورة من التجارب النووية إنها تجربة اقتصادية، أطلقت الصين لمصدرى النفط وهى المستورد الأكبر عقودًا آجلة تدفع باليوان العملة الوطنية الصينية ولتحفيز المصدرين غطت اليوان بالذهب ويمكن استبداله من بورصتى هونج كونج وشنغهاى.
نجحت التجربة الصينية بأربع محاولات وستدشن هذا النظام المالى الجديد فى نهاية العام الحالى لتنتهى هيمنة الدولار على سوق النفط أكبر أسواق العالم ويظهر نظام مصرفى جديد يحرر جميع الدول من قيود العقوبات الأمريكية السيف المشهر فوق رقاب البلاد والعباد.
محاولات أمريكا لتعطيل الصين
نعود لمحاولات التعطيل الأمريكية لمنع الصين من احتلال عرش العالم، بدأت فى أبريل 1989 بميدان تيانيمن فى قلب بكين.
أطلقت الولايات المتحدة نسختها التجريبية الأولى مما سمى بعد ذلك بالربيع العربى وأرادت فى النسخة التجريبية ربيعًا صينيًا.
يتحرك شباب كلهم من الطلبة والطبقات المتوسطة يحتلون ميدانًا يتوسط العاصمة يحلمون بأهداف فى بدايتها نبيلة وتتحول بمرور الوقت إلى أدوات لهدم الدولة وليس صناعة التغيير الحميد. يستشهد جوزيف ناى صاحب مصطلح القوة الناعمة بالتأثير الأمريكى بما حدث فى تيانمين بأن الطلبة الصينيين صنعوا مجسمات من تمثال الحرية للتعبير عن مطالبهم فى التغيير.
تعمل الآلة الإعلامية الجبارة فتحتل صورة الطالب متحدى المدرعة الصفحات الأولى ويظهر وقتها سلاح دعائى جديد اسمه الفضائيات، اختلفت بعدها أسماء الميادين وتفصيلات الصور ولكنها نفس اللعبة استخدمت فى بلاد أخرى.
تدخل جيش التحرير الشعبى ليحرق نسخة الربيع الصينى ويعيد للدولة سيطرتها على البلاد، تعلمت الصين الدرس، نظرت لرأس الذئب السوفيتى الطائر وأدركت أن الهجوم سيتكرر من الداخل وبصورة أشرس مع بداية ظهور ثورة المعلومات.
عودة الصين لجذورها
عادت الصين إلى جذور حضارتها واستلهمت من سورها العظيم سورًا معلوماتيًا ليتصدى للهجمات الأمريكية فأصبح مليار صينى فى حماية السور الافتراضى من خلال متصفحات وسوشيال ميديا خاصة بها ومنعت الغــــــول المعلوماتى الأمريكى من عبور السور.
حصنت الصين نفسها بوسيلة أخرى وهى التغيير المنتظم للقيادات والكوادر داخل الدولة والنظام الحاكم كل عشر سنوات تقريبا بما يناسب طبيعة المرحلة، فالرئيس الصينى شى جين بينج الحالى والمجموعة المعاونة له يمكن أن يطلق عليهـــــــم المجموعة السنغافورية فقد درسوا بدقة هذه التجربة وأعطوها مذاقًا صينيًا.. فلا يوجد فى هذه الأمة استنكاف من التعلم.
صنعت الصين آلية ثانية داخل الدولة لمكافحة الفساد بلا رحمة كما عبر عنها الرئيس بينج قائلا: «يجب تعزيز القيود المفروضة على السلطة ووضع السلطة فى قفص النظام لكى تتشكل آلية معاقبة تجعل الكوادر لا تجرؤ على الفساد وآلية وقاية تجعل الكوادر لا تستطيع الفساد بسلطتهم، وآلية ضمان تصعب على الكوادر الفساد».
الأنظمة العربية تشاهد
جلست أنظمة عربية أخرى تشاهد وسط المتفرجين ما حدث فى تيامين ولم تقرأ الرسالة ولم تستوعب الدرس عكس الصين.. فحق عليهم السقوط.. أدركت الولايات المتحدة عند لحظة حرق النسخة التجريبية من ربيعها الصينى أن بكين تعلمت الدرس وحصنت نفسها داخليا.
أغوت السفيرة الأمريكية جلاسبى صدام حسين بعدها بعام فاندفع بعنترية ليغزو الكويت ليبدأ الالتفاف حول الصين من الخارج والتحكـــــــم فى عصب اقتصادها، وصلت القوات الأمريكية على حساب عنتر الأمة للخـــــط الأول حيث منابع النفط فى الخليج.
تحرك أمريكى على الخط الثانى
مر عقد على غزو الكويت، تأتى أحداث 11/9 تتحرك الولايات المتحدة الى الخط الثانى وتحتل أفغانستان غرب الصين وتؤكد وجودها فى الخط الأول باحتـــــــلال العراق وبعد عقد آخر ذهبت إلى سوريا وهى توزع نسخًا حديثة من الربيع الصينى باسم الربيع العربى.
تخلت الولايات المتحدة عن الوسطاء وذهبت بنفسها إلى الخط الثالث رفعـــــت تواجدها العسكرى فى بحر الصين الجنوبى وسيطرتها على مضيق «ملقة» شريان الحياة للصين فـ80% من تجارة الصين ومواردها النفطية تأتى عبر المضيق لتكتمل توزيعات الأحجار على الرقعة.
راقبت بكين ما تفعله القوة العظمى بالتأمل الصينى المعهود واستمرت تشيد تحصيناتها وتطوير بنيتها التحتية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية حتى وصلت إلى نقطة الاستعداد للانطلاق كقوة عظمى فتية بإطلاق مبادرة طريق الحرير بشقيها البرى والبحرى وباستثمارات تفوق الـ 100 مليار دولار هذا غير الكيانات الاقتصادية الأخرى الداعمة له واحتياطى نقدى هو الأعلى فى العالم ومعدلات نمو على نفس المستوى.
هل تظل الصين قوة محدودة؟
يقول روبرت كابلان كبير محللى الجغرافيا السياسية فى ستراتفور إذا لم تصل الصين إلى المحيط الهندى فستظل قوة محدودة.
تروى الميثولجيا الإغريقية أسطورة كعب أخيل هذا المحارب الذى يمتلك المنعة فى كامل جسده ولكن نقطة ضعفه فى هذا الكعب.. كعب أخيل الصينى فى ما ذكره كابلان.
تنمو الصين وتقوى اقتصاديا وسياسيا وعسكريا لكن أخيلها فى أنها لا تملك منفذًا حرًا على المحيطات داخل أراضيها، يدرك العم سام ذلك جيدا ويحاصر المارد من جميع الخطوط.
ألهمت جذور الحضارة الصينية حكام بكين السور المعلوماتى وأيضا إحياء طريق الحرير لتقضى على نقطة ضعفها وتتحرك بحريا وبريا وتلتف حول العم سام المسيطر على مضيق ملقا.. يبرز هنا اسمان من أجل تحقيق الحلم دولة مينامار وإقليم شينجيانج الصينى «ما يسمى بتركستان الشرقية» تحقق مينامار الحلم البحرى والثانى الحلم البرى.
دور ميناء مينامار
يعطى ميناء سيتوى فى مينامار المطل على المحيط الهندى الفرصة للصين فى الالتفاف على مضيق «ملقة» من خلال مد خطوط أنابيب للبترول تربط الداخـــــل الصينى بالميناء، يسمح عمق الميناء وتطويره باستقبال ناقلات نفــــط عملاقة حاملة نفط الشرق الأوسط بسهولة وتصدر أيضا تجارتها.
ينطلق من إقليم شينجيانج سلسلة من الطرق البرية والسكك الحديدية وأنابيب النفط تدخل فى نطاق طريق الحرير لتصل إلى آسيا الوسطى وروسيا ومنها إلى أوروبا وميزة أخرى الوصول إلى ميناء جوادر الباكستانى المطل على بحر العرب ليصبح منفذًا ثانيًا.
هل غفل العم سام عن الخطط الصينية؟ بالتأكيد لا.. فهذا التحرك إذا اجتازته بكين مع نظامها المصرفى الذهبى الجديد ستدق أجراس النصر معلنة وصول الأمـــــــة الصينية إلى عرش العالم.. وعلى الأقل ستشارك العم سام فى مقعده الوثير ثم تتبقى سويعات قليلة فى ساعة الأمم معلنة مولد القوة العظمى.
استعدت الولايات المتحدة لهذه اللحظة الحرجة ومعها حليف قديم- جديد.. هو بريطانيا العظمى وعندما تسمع أو تقرأ اسم بريطانيا لا تتحسس مسدسك فقط بل تحسس كل شىء.
يقع ميناء سيتوى فى إقليم راخين الواجهة البحرية لمينامار على خليج البنغال والمحيط الهندى وإقليم شينجيانج (يطلق عليه ما يسمى بتركستان الشرقية) بوابة الصين البرية إلى عالم دون قيود.
أقليم معركة عرش العالم
يتواجد فى إقليم راخين مسلمو الروهينجا وفى شينجيانج مسلمو الأيجور ويمتد هذا الحزام الإسلامى حتى يصل إلى سقف العالم فى التبت بوجود قومية كاش المسلمة.
تبدأ عند هذا الحزام معركة عرش العالم، العرض النهائى، الكل حشد أسلحته، العم سام وحلفاؤه، التنين الصينى ينظر فى ساعته قلقا متطلعا للعرش، ينتهى العداء بين الظواهرى والبغدادى، يزحف الإخوان الفاشيست فى خبث، تخلق جيوش تسمى (اليقين) لم نسمع عنها من قبل، تضغط أصابع فى غرف مظلمة على لوحات المفاتيح والعيون شاخصة فى شاشات ملونة، تطبخ الأساطير، تحاك الأكاذيب يتقدم من بعيد إلى ساحة المعركة من لا يتوقعه أحد.. يلتفت الجميع تجاه القادم.. تصيبهم الدهشة.. ظنوا أنه غاب عن ساحات المعارك الكبرى ولن يعود.. يدركوا جميعا أن هذا القادم بقراره سيحسم المعركة.. ولاعجب.. فالقادم هو مصر صاحبة القول الفصل فى التحولات التاريخية الكبرى. •