الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تمردوا على المجموع ورغبة الأهل وسنوات الدراسة: كلية.. ومش ندمان عليها

تمردوا على المجموع ورغبة الأهل وسنوات الدراسة: كلية.. ومش ندمان عليها
تمردوا على المجموع ورغبة الأهل وسنوات الدراسة: كلية.. ومش ندمان عليها


ثمانية عشر عاما.. ها قد انتقلت- قانونا- من الطفولة للشباب، لتصبح  مسئولاً عن اختيار مسار حياتك بالكامل، والمجال الذى تحب دراسته والعمل به.. بعد سنوات من تعليم لا يساعد الفرد فى اكتشاف ميوله واهتماماته، يجد حامل شهادة الثانوية العامة نفسه محتارا فى اختيار مجال دراسته، فإما أن يخضع لاختيار مكتب التنسيق، أو لمنطق الأهل فى «خسارة المجموع الكبير»، أو يحارب من أجل اكتشاف الكلية التى تناسبه هو، وهو فقط.
لتصبح سنوات الجامعة سنوات ثقيلة على الكثيرين، لكن تجارب الطلاب الذين واجهوا أنفسهم وطاردوا أحلامهم وتركوا ما لا يشبع تعطشهم للتعلم، تجارب شديدة الإلهام تستحق المشاركة.
• البحث عن التوهج
هند سهيل، طالبة قسم المونتاج بمعهد السينما، التى تركت الدراسة فى كلية الآثار بجامعة القاهرة، بعدما شعرت أنها لم تجد نفسها فى تلك الدراسة، تقول: «لم أرتح للطاقة السلبية التى شعرت بها فى الكلية، ولم يروقنى التعامل مع الأساتذة، رغم أنى كونت صداقات من الكلية مستمرة حتى الآن».
تركت هند كلية الآثار، بعدما أحبطت من أن الكلية لا تشبع تعطشها لتعلم التاريخ، الذى كانت تريد أن تدرسه بشكل أعمق، كما أن عدم وجود مسرح بالكلية جعلها تنضم إلى فرقة مسرحية بكلية أخرى لتمارس هوايتها فى التمثيل.
عندما انتهت من العام الأول  بالكلية، قررت أنها لن تكمل فى هذه الدراسة، وكانت تنوى الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية لتتعلم التمثيل، وغيرت رأيها فى النهاية لتدخل معهد السينما، وتحول هوايتها وشغفها بالأفلام إلى دراسة، وترى هند أنه كان قراراً صحيحاً تفتخر به.
أهل هند وأصدقاؤها ساندوها فى قرارها، تقول هند :«لم أندم على ضياع سنة من عمرى فى كلية الآثار، فاستفدت من النشاطات الطلابية بجامعة القاهرة، وكسبت أصدقاء، وتعلمت درساً مهماً، هو أن أبتعد عن المكان الذى يطفئ من توهجى وشغفى الحقيقى».
• منطق خسارة المجموع
«تركت الطب من أجل السياسة لأنها كانت حلم الطفولة» قالها محمد السيد، طالب الماجستير حالياً بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الذى حصل على 98% علمى علوم فى الثانوية العامة بدون المستوى الرفيع.
رغبة أهله كانت أن يلتحق بكلية الطب، بينما كان يرغب هو فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
عند ظهور نتيجة الثانوية العامة، وحصول محمد على المركز الأول على منطقته، عبر لأهله عن رغبته فى الالتحاق بكلية الاقتصاد، لكنهم رفضوا بحجة «خسارة المجموع الكبير فى كلية أدبية»، ورشحوا له الصيدلة بدلا من الطب.
رضخ محمد لرغبة الأهل والتحق بكلية الطب، قضى فيها سنة «لطيفة» تعرف فيها على أقرب أصدقائه ونجح بتقدير جيد، لكنه لم ينس رغبته الأساسية فى التحاقه بالكلية التى يريدها.
أثناء أجازة الصيف، وفى فترة التحويلات بين الكليات، فتح محمد موضوع التحاقه بكلية السياسة مرة أخرى، الغريب أن المعارضة هذه المرة لم تكن قوية، وبالفعل، حول محمد من الطب إلى الاقتصاد والعلوم السياسية.
وجد محمد الكلية كما كان يتخيلها وعلى قدر توقعاته، وشعر أنها المكان الذى يمكنه أن يتعلم فيه ويهتم بالموضوعات التى يدرسها، وتخصص فى قسم العلوم السياسية، وحالياً يكمل دراساته العليا، وهو مهتم بالتخصص فى المجال البحثى والأكاديمى وهو المجال الذى يرغب أن يظل يعمل به.
وينهى محمد: أنا مدرك تماماً رغبة أهلى فى الطب، لأنها كانت أفضل فرصة متاحة من وجهة نظرهم، لكنهم وثقوا بى وتعاملوا مع اختياراتى بمسئولية ورضا.
• خذلنى أهلى
كان ديفيد سليم محسوباً ضمن المتفوقين فى المرحلتين الإعدادية والثانوية، رغم أنه كان قليل المذاكرة، وكان يرغب فى الالتحاق بكلية علوم قسم رياضة أو بكلية حاسبات ومعلومات، لكن أهله أقنعوه بالالتحاق بكلية الهندسة.
التحق ديفيد بكلية الهندسة جامعة أسيوط، لكن تم فُصله منها بعد عامين دراسيين، فدخل كلية التجارة بنفس الجامعة وقضى فيها عامين، حتى جاءت له فرصة تدريب فى الصيف فى القاهرة فقرر البقاء فى العاصمة وحول إلى كلية تجارة جامعة عين شمس.
يعترف ديفيد بأنه لم يكن يحب الهندسة، ولم يندم بعد فصله وتغيير دراسته إلى مجال مختلف تماماً، لكنه حزن بسبب شعوره أنه خذل أهله وأحبط ثقتهم فيه وحلمهم بأن يكون مهندساً. ورغم اشتياقه لجامعة أسيوط، فلا يرى نفسه إلا فى كلية التجارة وبالأخص فى مجال المحاسبة.
• شجاعة التغيير
نجحت سمر سلطان فى شعبة العلمى رياضة بمجموع 98% مما مهد لها بشكل حتمى دخول كلية الهندسة، فالتحقت بها فى الجامعة الأمريكية.
 تحكى سمر: التعليم فى الجامعة الأمريكية يختلف بعض الشىء، هناك مقررات رئيسية عامة تشبه المعلومات العامة، لجميع التخصصات، فطالب الهندسة يقضى خمس سنوات يدرس فيها مقررات الهندسة ثلاث سنوات، أما السنتان الباقيتان فيدرس مقررات متنوعة، مثل الفلسفة أو الفيزياء أو المسرح، حتى يحصل على حصيلة ثقافية ومعلوماتية عن مجالات علمية أخرى.
تكمل سمر: سمحت لى المقررات اكتشاف أنى أستمتع بدراسة البيزنس والاقتصاد، أكثر من الهندسة التى لم أشعر بأنى موهوبة أو مميزة فيها، فاستشرت بعض الأساتذة بالجامعة، وأتخذت قرارى بالتحويل إلى كلية الاقتصاد التى اكتشفت شغفى بها بعد سنتين ونصف من دراسة الهندسة.
لم يرحب أهل سمر بقرارها المفاجئ لأنهم كانوا يطمحون أن تصبح ابنتهم مهندسة، «الباشمهندسة راحت والباشمهندسة جت!» وسألوها إذا كانت رسبت ببعض المواد وأخفت عليهم، فشرحت لهم أنها فقط لم تكن سعيدة بدراستها للهندسة وأنها تريد أن تتعلم ما يجعلها تشعر بالاكتفاء والسعادة.
ومع مرور الوقت، اقتنع الأهل بقرارها، عندما وجدوا أن حياة ابنتهم تتحسن ومهاراتها فى تطور، وأنها أنشأت مشروعها الخاص فى التاسعة عشرة من عمرها، وهو خط إنتاج ملابس لمنطقة عين الصيرة، وسافرت فى منحة لدراسة الاقتصاد بجامعة شيكاجو بأمريكا.
سمر لم تندم على أى تجربة خاضتها، فكل تلك التجارب علمتها أن تتعامل مع الحياة بخفة وهدوء، وأن تطلق لنفسها البراح للاستكشاف والتعلم. وأن الإنسان، كما تقول، لا يمكن سجنه فى قالب معين وخنقه فيه للأبد، فبإمكانها أن تعمل كمهندسة لفترة وكمحاسبة لفترة وكمدرسة لفترة، وبإمكانها أن تصبح فنانة وكاتبة وأمًّا.
ترى سمر أن تجربتها ساعدتها فى أن تكون أكثر شجاعة فى قراراتها، وأن تسبق من تعرفهم ممن يقضون أعمارهم فى مجالات أو وظائف لا يحبونها، أو لا تشبع طاقاتهم ومواهبهم لأنهم خائفون من التغيير.•