يا ساقى الحُب والأغانى

محمد حمدي
تغنى المصريون وتغزلوا فى نيلهم العظيم على مر العصور، تقديرًا وعرفانًا بفضله عليهم باعتباره شريان الحياة، وحبًّا وعشقًا لا يعرفه إلا الأحبة والعشاق، أمثال الشاعر أحمد شوقى الذى قدّم واحدة من أروع القصص الغنائية فى حب النيل من خلال قصيدته «النيل نجاشي» نسبة إلى النجاشى حاكم الحبشة التى ينبع من عندها نهر النيل، التى لحّنها وغناها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب .
وهناك قصائد كتبت خصيصًا لنهر النيل، ومنها قصيدة «النهر الخالد» التى أبدعها الشاعر محمود حسن إسماعيل، ولحّنها وغناها أيضًا الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1954م، وجاء ضمن أبياتها: «مسافرٌ زادُه الخيالُ.. والسحر والعطر والظلالُ.. ظمآن والكأس فى يديه.. والحب والفن والجمالُ.. شابت على أرضه الليالى .. وضيعت عمرها الجبالُ.. ولم يزل ينشدُ الديارَ.. ويسأل الليل والنهارَ.. والناس فى حبه سُكارى.. هاموا على شطه الرحيبِ.. آهٍ على سرك الرهيبِ وموجك التائه الغريبِ.. يا نيلُ يا ساحرَ الغيوب».. ولا ينتهى الكلام عن سحر النيل وجماله، وهذا ما نجده فى أغنية «اجرى يا نيل» التى كتب كلماتها حسين السيد، ولحّنها وغناها الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1940م، وجاء ضمن كلماتها: «اجرى يا نيل.. واسبق الأشواق وفيض بيها.. لأجل الشعور الدهب.. اجرى يا نيل وارويها واحكيها.. واوصفها بسحر ألوان.. من لون السُمر الفتان.. واسقيهم منها ألحان.. مين داقها يرجع عطشان.. اجرى يا نيل وبص للدنيا بأحوالك.. وارسم لهم صورة لهم وتبقى لك.. الساقية ويّا الأرغول.. والشاغل ويّا المشغول.. يتقابلوا والليل مسدول.. بالقمرة والسهرة تطول».
ولا يمكن وصف الشعور الذى ينتابك عندما تستمع إلى قصيدة «النيل» التى شدت بها سيدة الغناء العربى أم كلثوم، من كلمات الشاعر أحمد شوقى وألحان رياض السُنباطى عام1948م، وجاء ضمن كلماتها: «من أى عهدٍ فى القرى تتدفقُ.. وبأى كفٍ فى المدائنِ تُغدِقُ.. ومن السماءِ نزلتَ أم فُجّرت.. من عُليا الجنان جداولاً تترقرق.. وبأى نَولٍ أنت ناسجُ بردةٍ.. للضفَتين جديدُها لا يَخلُق.. والماء تسكبه فيُسَبك عسجدًا والأرض تغرقها فيحيا المُغرَقُ.. تُعيى منابِعُك العقولَ ويستوى متخبطٌ فى عِلمها ومُحققُ.. دانو ببحرٍ بالمكارمِ زاخرٍ.. عذبِ المشارعِ مده لا يُلحقُ.. مُتقيدٍ بعهودِه ووعودِه.. يجرى على سَنِنِ الوفاءِ ويَصدُق.. يتقبلُ الوادى الحياةَ كريمةً.. من راحتيه عزيمةً تتدفق».
وكان التغنى بالنيل حاضرًا بقوة لدى الشاعر سمير محجوب والملحن محمد الموجى اللذين قدما أغنية «النيل» التى غناها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ عام 1952م، وجاء ضمن كلماتها: «يا تبر سايل بين شطين.. يا حـلـو يا أسمـر.. لولا سمــارك جـوّا الـعين.. ما كانــش نـوّر.. الدنيا مـن بـعـدك مُرة.. يا ساقى وادينا الحياة.. دا للـى يدوق طعمك مــرة.. بالمستحيل أبداً ينسـاك.. يا نعمة من الخلاق يا نيل.. دى مـيتـك ترياق يا نيل.. خيرك علينـا مالـوش آخـر.. يا للـى القلـوب بتعيش بهــواك.. خلتنـا نحكـى ونتـفاخـر.. علـى الوجـود كـله وذكـراه.. يا ريحـة من الأحبـاب يا نيل.. وأهلى مـش أغــراب يا نيل».. ولا شك أن أجمل الأماكن التى يهواها العشاق والأحبة هو ركن ظليل على شاطئ النيل، وهو ما دفع الشاعر أمين عزت لتقديم أغنية «إمتى الزمان يسمح يا جميل» التى لحّنها وغناها الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1932م، وجاء ضمن كلماتها: «إمتى الزمان يسمح يا جميل.. واسهر معاك على شط النيل.. الجو كله سكون.. والورد نام ع الغصون.. والقمر طالل علينا.. والعازول غاب عن عنينا.. وأنا والجميل قاعدين سوا على شط النيل».
وتكتمل الصورة مع أغنية «شمس الأصيل» التى كتب كلماتها الشاعر بيرم التونسى، ولحّنها رياض السُنباطى، وغنتها السيدة أم كلثوم عام 1955م، وجاء ضمن كلماتها: «شمس الأصيل دهبّت.. خوص النخيل يا نيل.. تحفة ومتصورة.. فى صفحتك يا جميل.. والناى على الشط غنى.. والقدود بتميل.. على هبوب الهوا.. لما يمر عليل يا نيل.. أنا واللى أحبه.. نشبهك بصفاك.. لانت ورقت قلوبنا لما رق هواك.. وصفونا فى المحبة.. هو هو صفاك.. ما لناش لا إحنا ولا أنت.. فى الحلاوة مثيل يا نيل».
ويبدو أن الشاعر إبراهيم ناجى كان يتنبأ بالحروب على المياه التى نشهدها هذه الأيام، لذلك كتب قصيدته «سلامًا شباب النيل» التى كتب كلماتها الشاعر «إبراهيم ناجي»، ولحّنها رياض السنباطى، وغنتها السيدة أم كلثوم عام 1958م، وجاء ضمن كلماتها: «سلامًا شباب النيل فى كل موقفٍ .. على الدهر يجنى المجدَ للنيل والفخرا.. تعالوا فقد حانت أمورٌ عظيمةٌ.. فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا.. تعالوا نقل للعصب أهلاً.. فإننا شبابٌ ألفنا الصعبَ والمطلبَ الوعرا.. شبابٌ إذا نامت عيونٌ فإننا.. بكرنا بكورَ الطيرِ نستقبل الفجرا.. شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ.. ومن يغتدى للنصر ينتزعُ النصرا».
وقد غنى للنيل نجوم الغناء من غير المصريين، ومن بينهم المطربة والممثلة اللبنانية نجاح سلام، من خلال أغنيتها «أنا النيل مقبرة الغزاة» التى كتب كلماتها محمود حسن إسماعيل، ولحّنها رياض السُنباطى عام 1956م أيام العدوان الثلاثى، وجاء ضمن كلماتها: «أنا النيلُ مقبرةٌ للغزاة.. أنا الشعبُ نارى تُبيدُ الطغاة.. أنا الموتُ فى كلِّ شبرٍ إذا عَدوّكِ يا مصرُ لاحَت خُطاه».
كما قدّم الملحن والمطرب الأسوانى أحمد منيب أغنية «على شط النيل» التى جاء ضمن كلماتها: «كان ماشى على شط النيل.. كان ماشى يغنى المواويل.. من قلبه بيقول الآه، وكلامه نور قناديل.. قابلته نسمة شاردة.. ونجمة عيونها فضة.. وقمر فوق راسه وردة.. وناس كتار كتار.. بيغنوا لليل نهار.. قال ومال.. على الموال.. الله عليك يا نيل».
وكذلك قدّم المطرب الأسوانى محمد منير أغنية «عروسة النيل» التى جاء ضمن كلماتها «يا عروسة النيل يا حتة من السما.. يا اللى صورتك جوه قلبى ملحمة»، أما المطربة شيرين عبدالوهاب فقدمت أغنيتها الشهيرة «ماشربتش من نيلها» التى كتبت كلماتها نور عبدالله، ولحّنها عمرو مصطفي.•