حافظ إبراهيم شاعر النيل وحارسه

زين إبراهيم
ارتبط نهر النيل برحلة طويلة مع الشعراء المصريين، وهى رحلة نتاجها إبداعا شعريا يمجد ويرصد أهمية النهر وقيمته ومكانته عند المصريين، وقد بدت هذه الرحلة جلية ومتميزة من جانب عدد كبير من الشعراء خصوصا فى القرن العشرين منهم أحمد شوقى فى «النيل نجاشى»، ومحمود حسن إسماعيل فى «النهر الخالد» وغيرهما كثيرون.
كل شاعر كان يحمل كماً صادقا من المشاعر والأفكار تجاه النيل الذى ملأه بالطاقة الشعرية السحرية، ولكنه وحده حافظ إبراهيم الذى لقب بـ«شاعر النيل» لتخلد ذكراه وتقترن بنهر النيل العظيم مهما مرت السنوات ومهما توالى الشعراء.. ونقرأ لحافظ إبراهيم أبياتا شعرية معبرة عن النيل يقول فيها:
نـظـرت للنيل فاهتزت جوانبه
يجـرى على قدر فى كل منحدر
كـأنـه ورجـال الـرى تحرسه
قد كان يشكو ضياعا مذ جرى طلِقا
وفـاض بـالخير فى سهل ووديان
لـم يجْفُ أرضا، ولم يعمد لطغيان
مُـمـلـك سـار فى جند وأعوان
حـتـى أقـمـت له خزان أسوان
وشاعر النيل هو محمد حافظ إبراهيم أحد أبرز وأشهر شعراء مصر فى العصر الحديث، وسمى بشاعر النيل بسبب عشقه للنيل واحتواء قصائده على أبيات شعرية كثيرة تتغنى بالنيل العظيم، ودوره فى الحياة بمصر منذ نشأتها، كما كان حصوله على نيشان النيل سببا قويا فى إطلاق اللقب عليه، كما لقب أيضا بشاعر الشعب بسبب تعبيره عن أبناء النيل فى مصر والسودان أيام كانتا دولة واحدة تابعة للسيادة المصرية.. ولد سنة 1872 بالمصادفة على متن سفينة كانت راسية على نهر النيل أمام قرية ديروط فى محافظة أسيوط لأب مصرى وأم تركية، وربما على هدهدة مياه النيل ولدت هذه القريحة الشعرية التى سترافقه العمر كله حتى وفاته عام 1932.. وقد انتقل حافظ للعيش فى القاهرة صغيراً مع خاله الذى كفله، ثمّ انتقل للعيش معه فى مدينة طنطا ولكنه عندما شعر بضيق حال خاله رحل عنه، وانتهى به المطاف فى مكتب المحامى محمد أبو شادى، مما ساهم فى اطلاع حافظ على كتب الأدب والشعر، كما أعجب بالشاعر محمود البارودى، وفى سنة 1888م التحق حافظ إبراهيم بالمدرسة الحربية التى تخرج فيها ضابطاً برتبة ملازم ثانى سنة 1891، وبعدها عين فى وزارة الداخلية، وفى سنة 1896 أرسل مع الحملة المصرية إلى السودان وثار مع بعض الضباط, وفى سنة 1911 تم تعيينه رئيسا للقسم الأدبى فى دار الكتب، وفى سنة 1912 حصل على البكوية ثم نيشان النيل وأطلق عليه لقب شاعر النيل، وكان حافظ إبراهيم ملماً باللغة الفرنسية وقام بترجمة العديد من الأعمال أبرزها البؤساء لفيكتور هوجو، فضلا عن أعمال أدبية عديدة.. وعودة إلى تأكيد علاقته بنهر النيل نجده يرسل إلى صديق له فى إنجلترا قصيدة طويلة لا تخلو من ذكرالنيل يقول فيها:
والـنـيل مرآة تنف
سـلب السماءَ نجوَمها
شـفـت لأعيننا سوي
فس فى صحيفتها النسيمْ
فـهـوت بـلجته تعومْ
مـا شـابهُ منها الأديمْ
وقد تميز شعر حافظ بقوة البلاغة واللغة، وهو من جيل الشعراء العرب المحافظين على نظام القصيدة العربية، وظهر فى زمن شعراء عرب كبار، وتميز شعره أيضاً بالبساطة العميقة، واللغة الواضحة.
وهناك مساجلة شهيرة بين الشاعرين أحمد شوقى وحافظ إبراهيم- وقد كانا صديقين مقربين رغم التنافس على زعامة الشعر- عن نهر النيل العظيم يقول فيها شوقي:
يا ساكنى مصر إنــا لا نزال على
عــــــــــــهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا
هلا بعثتم لنا مــن ماء نـــــــهركم شيئاً
نبل بـــــــــــــه أحشاء صادينا
كل المناهل بعد النيل آســـــــــــنة
ما أبعد النيل إلا عــــــــــــــن أمانينا
فيجيبه حافظ بهذه الأبيات:
عجبت للنيل يدرى أن بلـــــــــبله
صــــاد ويسقى ربا مصر ويسقينا
والله ما طاب للأصحاب مـورده
ولا ارتضوا بعدكم من عيشهم لينا
لم ننأ عنه وإن فـــــارقت شاطئه
وقـــــد نأينا وإن كـــنا مـــــــقيمينا
رحم الله حافظ إبراهيم أحد الحراس العظام لنهر النيل. •