رحلة إلى أكبر مصنع للشوكولاتة فى العالم «إن كان حبيبك شوكولاتة.. ماتلحسوش كله»

صباح الخير
«الشوكولاتة فكرة يتمازج فيها الأبيض والأسود، ويختلط السّرور والخطأ بالخطوط والمنحنيات، فنحن نتبع العواطف التى تحوّل الشوكولاتة إلى أسطورة ثمينة للغاية، يحملها الشخص مع ذكريات الطفولة وإرضاء الحواس».
هذه العبارة وضعتها الدكتورة «سارة موس» كبيرة المحاضرين فى الأدب الإنجليزى فى كتاب لها بعنوان «الشوكولاتة.. تاريخ كونى» وهى خريجة جامعة أوكسفورد ولها كتب تبحث فيها علاقة الطعام بالتاريخ والثقافة والحروب والذوق والطبقية، وأيضا العادات والتقاليد.
من لا يحب الشوكولاتة؟.. رغم تحذيرات الأطباء، ورغم أثمانها المرتفعة؟
نحن طبعا نتكلم عن الشوكولاتة الفاخرة التى تقدم كهدايا فى المناسبات.. ويرحب بها فى كل المناسبات، لكن لماذا تتمتع الشوكولاتة بكل هذا الإقبال والاهتمام؟
هل لطعمها المتميز ومذاقها اللذيذ..؟ هل لأنها اشتهرت فى بدايات ظهورها واكتشافها قبل نحو 2000 سنة قبل الميلاد، بكونها مشروب الملوك والأغنياء والطبقة الارستقراطية؟
هل لما يتردد عن مزاياها الصحية وتأثيرها القوى على المزاج.. وحتى على القدرة الجنسية؟
حكاية الشوكولاتة حكاية طويلة، وهناك كتب وأفلام ومسرحيات وأغان عنها وأيضا هناك يوم عالمى لها 28 اكتوبر من كل عام.. وصناعة الشوكولاتة تتركز فى عدد قليل جدا من دول العالم لكنها تنتشر فى كل أنحاء العالم، والمثير فى الأمر أن أوائل صناع الشوكولاتة فى العالم هم الذين مازالوا يواصلون صناعتها حتى الآن من خلال الورثة!
ما رأيكم لو ذهبنا لزيارة أحد أعرق مصانع الشوكولاتة فى العالم؟
«كادبورى».. اسم يعرفه كل عشاق الشوكولاتة حول العالم، والمصنع الضخم يقع بالقرب من برمنجهام، ثانية كبرى مدن بريطانيا.
• كولومبس
اكتشف.. الشوكولاتة!
خلال الرحلة الطويلة فى الطريق إلى المصنع الشهير، نقرأ بعض المعلومات المفيدة والمسلية عن عالم الشوكولاتة:
• وصل الكاكاو أولا إلى إسبانيا على يد كريستوفر كولومبس. فبعد رحلته الرابعة إلى العالم الجديد، اكتشف الأخير أمريكا عام 1542، وأحضر معه عدداً من نباتاتها ومحاصيلها الزراعية، بينها حبات داكنة اللون من المكسيك.
• الشوكولاتة أنواع فمنها مرّة، وأخرى بالحليب، والشوكولاتة البيضاء، والمركبة، التى تجمع الكاكاو بالدهون النباتية وكل هذه الأنواع تدخلها إضافات ونكهات كالنعناع، والفانيلا، والقهوة، والبرتقال، والفراولة، وغيرها، كما تحتوى إضافات مثل الفول السودانى، والجوز، الكراميل، والأرز.
• دائما هناك سؤال عن سر السعادة والراحة النفسية اللتين تغمراننا بعد تناول أى كمية ولو قليلة من الشوكولاتة، بعيدا عن مخاوف زيادة الوزن الزائد الذى يسببه تناول كميات كبيرة منها، «السر الذى أثبتته الدراسات العلمية هو أنه مهما يكن نوع الشوكولاتة فهى تحتوى على نسبة من السكر تساعد فى رفع مستويات هرمون «السيروتونين» المسئول عن تنظيم مزاج الإنسان».
وأثبتت الدراسات أن تناول الشوكولاتة باعتدال لا يزيد الوزن، بل يساعدنا فى القيام بوظائفنا بشكل أفضل وتزيد من حيوية أجسادنا، فضلاً عن أنها تمنع أكسدة الكوليسترول المضر بالجسم.
• الشوكولاتة السوداء لا تعرضنا لمخاطر السمنة لأنها لاتحتوى على الحليب أو الزبد فتعمل على خفض ضغط الدم المرتفع.
• الشوكولاتة عموما معروفة كمضاد طبيعى للاكتئاب، كما أنها تحفز هرمونى الإندورفين والسيروتونين، مما يخلق شعوراً بالسعادة.
بجانب احتوائها على مركبين محسنين للمزاج أحدهما يترك أثرا يشبه تأثير المورفين على مركز السعادة فى المخ، والثانى يؤدى إلى مزاج جيد.
• وفى دراسة أجريت فى جامعة كاليفورنيا فى الولايات المتحدة تبين أن مستخلصات عشبية من الكاكاو أفادت جداً فى رفع القـدرة الجنسية بشكل ملحوظ، وأن الشوكولاتة التى تحتوى على أكثر من 60% من الكاكاو تؤثر إيجابياً فى مشكلات الضعف الجنسى.
• عالم كادبورى
عند الوصول إلى المصنع ستلاحظ كثرة عدد الأتوبيسات السياحية التى أقلت زوار«كادبورى».. يستقبلك عند الدخول مرشدون يطلعونك على تاريخ المصنع وتاريخ الشوكولاتة نفسها، فتعرف أنها ظهرت أولا فى المكسيك وبلاد أمريكا اللاتينية حيث يزرع شجر الكاكاو الذى تتدلى منه كيزان خضرا تحتوى على بذور نيئة هى الكاكاو الذى يستخرج ويجفف على مسطحات واسعة من الأرض قبل أن يتم طحنه تمهيدا لتصنيع الشوكولاتة.
فى البدء كانت الشوكولاتة (ومعنى الكلمة: المشروب الدافئ) عبارة عن مشروب مصنوع من حبات الكاكاو المطحونة بعد طحنها وتسخينها. وكان مشروبا مكلفاً.. لهذا اشتهرت الشوكولاتة بأنها يصنعها الفقراء والعبيد ويشربها الأغنياء، وانتشر المشروب انتشارا قويا خلال القرن السابع عشر، وأنشئ أول مقهى لتناول الشوكولاتة فى العالم، فى بريطانيا أواخر عام 1650 وكانت تلك المقاهى تشبِه جو الأماكن العامة وليس الحانات، وكان الشراب فيها فى جو اجتماعى لطيف.
وفى شارع «بول» فى مدينة برمنجهام، ظهر مشروب الشوكولاتة لأول مرة فى بريطانيا، كان ذلك فى سنة 1828 عندما بدأ «جون كادبورى» يقدم الشاى والقهوة ومشروب الشوكولاتة فى المقهى الذى يمتلكه مع أخيه بنجامين ولاحقا ابنه جورج.
ومع الوقت لقى المشروب إقبالا، وطورت عائلة كادبورى الفكرة بأن اتجهت لتحويل المشروب السائل إلى قوالب مجمدة مغلفة بعناية.. وفى سنة 1905 ابتكرت أشهر أنواع الشوكولاتة «دايرى ميلك» بخلط سائل الكاكاو بكمية كبيرة من اللبن قبل تصنيعه وتحويله إلى قوالب.. وفى سنة 1914 تم التركيز على الشوكولاتة التى أصبحت أكثر منتجات «كادبورى» رواجا.
• الزيارة ممنوعة!
قد تتصور عند زيارتك لمصنع الشوكولاتة أنك ستذهب لتشاهد بنفسك مراحل التصنيع وتتجول داخل المصنع الضخم وتزور أقسامه المتعددة قسما قسما وتتابع شرح الدليل الذى يصحبك فى هذه الجولة المثيرة وتشاهد العمال وهم ينجزون قطع الشوكولاتة اللذيذة أمام عينيك، لكنك ستشعر بنوع من الإحباط عندما تفاجأ بأن زيارة المصنع ممنوعة!
كيف وقد قطعت كل هذه المسافة وعانيت كل هذا السفر؟
- عفوا
سيرد المسئولون فى «عالم كادبورى» بكل الأدب الإنجليزى: إن زيارة كل هذه الأعداد من الزوار والسياح تتعارض مع الشروط الصحية وشروط الأمان التى تتطلبها هذه الصناعة الحساسة.. ويؤكدون لك أنهم من أجل راحتك أنشئوا هذا المكان الذى يشبه مدينة الملاهى تعويضا عن التواجد فى قلب المصنع!
هنا فى «عالم كادبورى» نماذج لمراحل التصنيع.. هنا لوحات وبيانات وأفلام فيديو تشرح لك كل شيء، تاريخ الشوكولاتة، تاريخ المصنع، كيف يتم تحويل حبات الكاكاو إلى قوالب شوكولاتة.
بيانات ومعلومات لا آخر لها عن تطور المصنع وتوسيعاته وتحويله من العمل اليدوى إلى الآلية الكاملة.. أنواع وأسماء المنتجات، وفوق هذا يأتى بعض العمال والعاملات ليعرضوا أمامك بعض مراحل الإنتاج ويقدمون لك هدايا وعينات من الشوكولاتة وتستشعر أن وراء منع الجمهور من زيارة المصنع الضخم أسباباً أخرى.. هل هى الخوف من «الجاسوسية الصناعية» وتسلل المنافسين واطلاعهم على أسرار الخلطات المبتكرة، وأساليب التشغيل الآلى؟.. فمن الضرورى أن تعرف أن صناعة الشوكولاتة من الصناعات الثقيلة التى تحقق مليارات من الجنيهات كل سنة، والمنافسة فيها عالمية وعلى أشدها.
فى «عالم كادبورى» تشعر أنهم يدركون شعور الإحباط الذى أصابك بسبب منعك ومن معك من أطفال وكبار، من زيارة المصنع نفسه، لهذا يدعونك للعب بسائل الشوكولاته أنت وأطفالك ويتيحون لكم كتابة أسمائكم أو ما تريدون صنعه من أشكال من الشوكولاتة، بأنفسكم برعاية إحدى العاملات، ويسمحون لكم بأخذ ماصنعتموه معكم للذكرى!
فى هذه الرحلة لم يتحقق لك ماتحقق للطفل الإنجليزى «شارلى» الذى شاء حظه أن يزور مصنع الشوكولاتة بل ويصبح الوريث الوحيد له.. وهذا موضوع رواية طريفة لكاتب الأطفال البريطانى «رولد دال» بعنوان «شارلى ومصنع الشوكولاتة»، حيث نرى الطفل شارلى الذى يسكن بجوار مصنع الشوكولاتة يحلم بأن تتيسر له زيارة هذا المصنع المدهش، وتشاء الظروف أن صاحب المصنع وهو من أباطرة الشوكولاتة يبحث عن وريث فهو لم يتزوج وليس له ورثة، فتفتق ذهنه عن فكرة عجيبة هى أن يضع خمس بطاقات ذهبية ضمن بعض قوالب الشوكولاتة ويقرر أن من يفوز بها يكون من حقه زيارة المصنع.. والحقيقة هى أنه ينوى اختيار أحد الفائزين ليكون وريثا له.. ويكون شارلى ضمن الخمسة المحظوظين، ويتحقق حلمه بزيارة المصنع، وتتوالى الأحداث ونشاهد المصنع من الداخل ومراحل إنتاج الشوكولاته، مع تتابع القصة المثيرة التى تنتهى بوراثة الطفل شارلى لمصنع الشوكولاتة.
القصة تحولت إلى أفلام ومسرحيات عالمية يشاهدها الكبار والصغار حول العالم من محبى الشوكولاتة.
أخيراً.. نصيحة مهمة: إذا كنت من عشاق الشوكولاتة، لا تتناول الكثير منها، والمثل يقول «إن كان حبيبك عسل، ماتلحسوش كله»! •