منتهى اللذة

صباح الخير
كتب: شريف الدواخلي وريشة الفنانة: أسماء النواوي
هل نتحمل لأننا نحب.. أم نحب لأننا نتحمل؟»، ذلك الشعور الذى يتملكنا ويتحكم فى سكناتنا قبل حركاتنا لنصل إلى مرحلة الشعور باستحالة الحياة بدون المحبوب الذى يصير كـأنه يملك الريموت كنترول الخاص بأفراحنا وأحزاننا وكل مشاعرنا، فلا نفرح سوى عندما نقتسم الفرحة معه، ولا نحزن إلا بحزنه.. نشعر كأننا اكتفينا به من العالم فنخجل أن نطلب من الله شيئا بعده لأننا وصلنا لـ«منتهى اللذة».
هل الحب هو الذى يعطينا القدرة لنتحمل من نحب أم تحملنا له دليل على أننا نحبه، وهل يمكن أن يذيب الحب أى خلافات عقلية أو أيديولوجية باعتباره لا يعرف سوى لغة واحدة لا تقبل القسمة على اثنين؟!
وهل سيكفى «الحب» كمرجعية واحدة لحل مشكلاتهم.. هل يمكن أن تصير التضحية فى حضرة المحبوب عطاء لا يخلو من لذة، هل يمكن أن تجرفنا اللذة إلى أن نحب ما لا نحبه لمجرد أن من نحبه يفضلونه.. أو أن نكره ما يكرهه للسبب.. ننسلخ عن هويتنا لنعيش أغراباً فى حضرة المحبوب أملاً فى رضاه.. وإلى متى سنستطيع ذلك؟!
أسئلة يرددها على نفسه كل ليلة وهو يراجع شريط ذكرياته مع الفتاة التى لم تغب ثانية عن مخيلته رغم أنه تعرف إليها منذ فترة وجيزة.
عندما يستمع لصوتها تسرى فى جسدة قشعريرة «اللذة» التى تقسم أوصاله فيخر صريعا من شدة عذوبته، ورقته، وعندما يناديها «أيتها الشهية البهية الدائمة الطفولة» تزيد دلالها دلالاً.. وفتنتها فتنة.. لتقضى على ما تبقى منه وهى تشد جماح أنوثتها لتقتله عشقاً.
تعرف كيف تروض أسدها.. كيف تشبع رغباته.. كيف تسرق لبه.. كيف تجعل قلبه يرقص طربا فى حضورها.. كيف تسرق الساعات التى تمر كالثوانى معه.. كيف تحتويه.. تضمنه.. تكفيه.. كيف تكون صديقة وأختًا وأمًا قبل أن تكون عشيقة وحبيبة.
يؤمن أن صوتها وحده الذى يروى ظمأه رغم أنه كلما ارتوى منه عطش، فهو لا يشبع من حديثها ولا يمل من جلستها، يتمنى أن يصبغ الكون كله بطلتها، أن تحذف كل مفردات الجمال فى المعاجم ويكتفى علماء اللغة بذهب حروف اسمها.
يحسد كل المحيطين بها أسرتها وزملاءها وأصدقاءها.. يحسد الهواء الذى يداعب خصلات شعرها.. بل يحسد الثياب التى تلمس جسدها المرمرى.. وربما يتمنى أن يكون القلم الذى تدون به ملاحظاتها أو الجدران التى تنظر لها عيناها الملونتان.
كلما يقترب منها يشعر أنه يحترق بنارها.. وكلما حاول البعد زاده الشوق حنيناً لها.. حتى إنه لم يعد قادراً على البعد رغم علمه أن القرب آخره «النار»..
يسأل نفسه هل أحبها سريعاً لهذه الدرجة؟
هل هذا حب؟.. إنه لا يعرف عنها سوى أنها أنثى جامحة لا تؤمن بالحدود أو العادات أو التقاليد أو أى شىء، تؤمن بالحريات بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.. لا تمانع فى أن تقول لعشيقها «زوجتك نفسى» بعيداً عن أى تعقيدات اجتماعية.. لا تمانع فى أى شىء طالما وثقت فى شريكها، فهى ليست مثل قريناتها من الفتيات ولا تحب أن تتشبه بأحد فهى «حالة فريدة» من نوعها يصعب تكرارها أو حتى تقليدها..
وهل يكفى أن يتزوجها «كأنثى» تكفيه ما يريده من حواء «كرجل» وربما يزيد؟..
يقول لنفسه لقد ارتبطت أكثر من مرة، لكننى لم أشعر بتلك اللذة من قبل، وربما لم أشعر بلذة من الأساس مقارنة بما أعيشه الآن.. فقد جعلتنى أسعد رجل فى الكون فلا أتصور أن هناك من هو أسعد حظاً منى بوجودها بجوارى، فلا أشعر أننى أحتاج لأحد أو أفكر فى أحد أو حتى أنتظر أحدًا..
يراها جميلة.. جميلة الجميلات.. كل ما فيها ينضح أنوثة طاغية.. فهى أقرب لجسد ملكات جمال العالم بعيون شرقية وثغر عربى شهى، وكل ما يخصها من «صوت وطلة وعطر وطعم» يؤكد أنها «وحدها تكفيه»..
يحلم بأن يسرقها بعيداً عن كل المحيطين يستأثر بها وحده.. يعيشان الحياة البدائية بعيدا عن صخب التكنولوجيا.. الحياة التى لا تعرف قيوداً أو حدوداً.. يريد أن يكتفى بها وحده، ينهل من حبها بمفردها.. لا يشاركه فيها أحد قريب أو بعيد..
يتمنى يتعبد فى محراب فتنتها.. يقضى الساعات بين شاطئ عينيها أو يلقى نحبه على صدرها.•