الشاعر رفيق الشورى.. عيشها متحسبهاش

صباح الخير
شاعر شاب جاء من قرية إيتاى البارود إلى القاهرة حاملا حلمه وموهبته، جاء ابن التسعة عشر عاما إلى القاهرة متشبعا بالطبيعة وثرائها وبصمتها على شخصيته ليبدأ مشواره الطويل بخطوات ثابتة لم يتعجلها، الشاعر رفيق الشورى الذى كانت دراسته أزهرية اختار طريق الكتابة والفن متأثرا كذلك بدراسة الأدب وألوانه.. تألق فى تيترات المسلسلات وعشق العمل فى الدراما واعترف بأن الأغانى الدينية هى الأقرب لقلبه..
رفيق الشورى من مواليد البحيرة وتحديدا من إيتاى البارود.. البحيرة عموما بها الكثير من الأعلام والمبدعين وخرج منها أشخاص مهمون أثروا الحياة العلمية والثقافية فى مصر على سبيل المثال محمد عبدالحليم عبدالله، يوسف القعيد، محمود سامى البارودى والإمام محمد عبده، دكتور أحمد زويل، لذلك أفخر لانتمائى للبحيرة، وأنا مثل أى طفل نشأ فى الريف وفتح عينيه على بيئة ثرية جدا وعشتها وتفاعلت معها بكل تفاصيلها التى قد تمر على أشخاص، عاديين بشكل عابر، ولكننى تفاعلت معها وتعاملت معها بدهشة الطفولة حتى نضجت ومازلت أتعامل معها حتى الآن بهذا الشكل فهذا التفاعل مفيد جدا للمبدع ويوجهه فى اتجاهات غير مألوفة ويعطى خيالاته المتسع للتفكير والتأمل، من هنا ومن خلال علاقتى بالطبيعة تطور الجانب الإبداعى فى شخصيتى فعلاقة المبدع بالطبيعة مختلفة ومميزة وقد يرى تفاصيل شديدة الخصوصية لا يراها الإنسان العادى.. فى سن مبكرة بدأت محاولاتى فى الكتابة وإرهاصات المحاولات الشعرية.
دراستى أزهرية وحصلت على بكالوريوس لغات وترجمة قسم إسبانى، دراسة قد تكون بعيدة كل البعد عن الفن، ولكنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأدب خاصة خلال دراستى للأدب المقارن ودرست الشعر، واللغة أحيانا أيضا تساعد فى اكتشاف رؤية الآخرين للحياة.. أنا قرأت لكل أعلام الشعر سواء جاهليًا أو حديثًا وبكل فروعه فقرأت للمتنبى، أبى العلاء، امرئ القيس وقرأت لبيرم التونسى وفؤاد حداد وصلاح جاهين والأبنودى وأحمد فؤاد نجم، وكانت فترة مهمة من العمر فى مرحلة الثمانينيات والتسعينيات بحضور الندوات والأمسيات وما تحمله من ثراء فكنت تقريبًا كل يوم فى ندوة مختلفة ومكان مختلف مع ناس مختلفين، وهذا أعطانى فرصة ومساحة للاطلاع على تجارب الآخرين فى الشعر.
• المرحلة الاحترافية والصدفة البحتة..
المرحلة الاحترافية فى حياتى حدثت بالصدفة.. قابلت أحد الأشخاص مع أحد أصدقائى وقال لي: «تعال أعرفك على فاروق الشرنوبي»، فأخبرته أننى لا تستهوينى الكتابة الغنائية فقال لي: التجربة لن تضرك بشيء وفعلا وافقته، كان هذا عام 89 وكان عمرى وقتها 19 عامًا أخذت ميعادًا منه فعلا بعدها بفترة فى استوديو اسمه رباعيات، واندهش فاروق الشرنوبى من صغر سنى وقتها واستمرت صداقتنا إلى الآن نحو 25 عامًا واستمع إلى رباعية كتبتها وقتها «قابلتنى صدفة.. قالتلى لسة بتعافر قلتلها هو النبى يقدر يموت كافر»؟
فقال لي: أنت مش هتفارقنى بعد كده، وشعرت وقتها باستحسانه للرباعية التى أسمعتها له، فاروق الشرنوبى من أعظم الملحنين الذين يعبرون عن الكلمة لحنيا، فهو لا يلحن كلامًا ولكن يصنع جملة تعبيرية موازية للجملة المكتوبة وهذه موهبة لا تتوافر عند الكثيرين، وهذا يرجع أيضا لحرفيته فى المسرح.
وكما أخبرتك أننى كنت رافضًا تماما للكتابة الغنائية وكنت أحلم بكتابة ديوان شعرى، وذلك لأنه كان لديّ تحفظ لنوعية بعض الأغانى المقدمة وقتها، وما غير هذه النظرة لديّ وأخرجنى من الإحساس بعدم الاهتمام بالغناء تجربة «أنا كنت عيدك» والتى كتبها جمال بخيت و«فى قلب الليل» والتى كتبها عصام عبدالله، وهذه مرحلة الغنوة البديلة من الغنوة الوصفية إلى التعبيرية «أنا كنت عيدك» أغنية وطنية فى الأساس، ولكن من الممكن أن يغنيها أحد لحبيبته التى غدرت به وتخلت عنه والبلد فى هذه المرحلة تخلت عن جيل كامل - وأقصد هنا البلد بالقائمين عليه.. قابلت الملحن ممدوح صلاح، وكان معنا صديق له لم أكن أعرفه وهو الأستاذ أحمد صالح أخو الفنان مدحت صالح وقال لي: «لازم تقابل مدحت» وكان وقتها يقوم بعمل بروفات لإحدى المسرحيات وتقابلنا فى مسرح جلال الشرقاوى، ومن هنا كانت بداية عملى فى كتابة الأغانى من خلال أغنية «ملكانى كلي» وبعدها توطدت صداقتى بممدوح صلاح، وقدمنا معا تجارب كثيرة جدا، ومع مدحت صالح قدمنا الكثير، وتيترات مسلسل الحلم والوهم، وأغانى مسلسل حكايات البنات.
• أغانى المسلسلات والأفلام.. تجربة مميزة
كتبت فى الدراما فى مسلسل «تفاحة آدم» كتبت أغانى المسلسل كلها، ومسلسل «آن الأوان» للفنانة وردة بالمشاركة مع مجموعة من الشعراء الكبار، فيلم «البلد دى فيها حكومة»، مصطفى قمر، «قلبى بيحلم» مع مى سليم، وقدمت مع عايدة الأيوبى تجربة دينية، وأنا أحب العمل فى الأغانى الدينية بشكل خاص والكتابة بالفصحى، أيضا التجربة الدرامية هى مجتمع كامل والدراما تعطى لى متسعًا للإبداع، والتجربة الدرامية عبارة عن مجتمع كامل وعندما يأتيك سيناريو يكون به تاريخ درامى للشخصيات بتعددها والأنماط البشرية المختلفة التى تعطيك المساحة للتصدى لكل هذه الشخصيات فى عمل واحد، وبالنسبة لتيتر المسلسل فهو عمل قائم بذاته وتلك الثلاث دقائق بأهمية العمل كله بحلقاته الثلاثين. العمل الدرامى يعطيك فرصة الإفصاح عما بداخلك دون تحفظات.
• الأعمال الدينية..
أنا أكون فى حالة عشق وصفاء وارتقاء وتصالح مع النفس وأنا أكتب الأعمال الدينية وأشتغل فيها على الإنسان والبحث فى تفاصيل النفس الإنسانية وعلاقته بربه فأنا لفترة شغلتنى فكرة العمال الفواعلية الذين يفترشون بعض المناطق فى أقصى درجات الحرارة ويعتمد قوت يومهم على أى عابر يستأجرهم فى مهمة، وقد لا يأتى كيف سيكون الحديث بين هذا الرجل وربه، كيف سيكون دعاؤه فكتبت تلك الكلمات التى غناها مصطفى قمر.. «يا رب طول النهار واقف على كعبى بشقى وأجيب لقمتى بشقايا وبتعبى، علمت إيدى ما تتمدش لحاجة حرام وبقسم اللى تقسم من الرزق عالأيام ييجى عليا الليل أفرش همومى وأنام وأنت اللى العالم يارب.. بسهلى وبصعبي».
فى الأغانى الدينية أيضا كتبت «الملك لك» وغناها الفنان على الحجار، الفنانة عايدة الأيوبى لم أمل إلى كتابة الأغانى الدينية لها، ولكن التنوع مهم طوال الوقت وأتعامل مع العديد من الأصوات والفنانين فى تجارب مختلفة فكتبت لمى سليم «قلبى بيحلم بيك»، «عيشها ماتحسبهاش» أيضا مع على الحجار، خالد سليم أغنية «محتاجلك».
• من الأصوات الأقرب لقلبك؟
- أنا من عشاق صوت مدحت صالح ومن عشاق صوت على الحجار، ورغم نجوميتهما فإننى مازلت أرى أن هذه الأصوات لم تأخذ حقها، وأنا منذ بدايتى وحتى الآن لم أطلب مطربًا ليسمع أغنية. كل أعمالى تمت بتكليف، بمعنى أن يطلبنى المطرب الفلانى ليخبرنى أنه يريد كلمات جديدة أو مختلفة.
• مصر قِبلة العالم العربى.. مصر الآمنة المؤمنة
دخلت الجيش عام 91، فى مرحلة أثرت جدا فى تكوينى كشاعر، تعاملت فى مرحلة الجيش مع ناس من مناطق وثقافات مختلفة فى مشهد واحد وفى توقيت صعب جدا كان العالم العربى كله يشهد حالة من عدم الاستقرار، لكن الشعب المصرى ليس له كتالوج ولديه كيمياء مختلفة حتى فى التعامل مع أشد الأزمات، ونحن الآن أيضا نعيش فترة من التوتر فى مصر وفى العالم العربى، ولكن ثقتى كبيرة فى أننا سنستعيد اتزاننا مرة أخرى.. «أقول تحيا مصر الآمنة المؤمنة المتدينة مصر اللى عارفة ربنا وموحداه هنا ناس أصيلة مأصلة هنا فى أغانى وفى صلاة هنا كل سكة موصلة هنا فيه حياة» غناها للإذاعة المصرية يحيى عراقى.
• هل الشاعر مظلوم فى العملية الفنية؟
- الشاعر والكلمة الجيدة هما أساس الهرم أو العملية الفنية، فبدون الكلمة لا يوجد لحن أو صوت أو أى شيء فى هذا الهرم وسبب الأزمة الغنائية فى مصر فى العشرين سنة الماضية يرجع إلى: «أن هناك «ناس» لا تستطيع الكتابة تعطى كلماتها لناس لا تستطيع التلحين ليغنيها مطربون لا يستطيعون الغناء فيسمعها ناس ليست لديهم قدرة على التذوق»، لكن لو كانت هناك كلمة جيدة سيكون اللحن جيداً وصوت يوصل الاثنين سويا وهناك المتلقى الذى يعى المجهود الذى بُذل ستجدين الذوق العام تمت فلترته، نحن بحاجة فقط إلى تكثيف الجيد وليس الحكم على الناس الآن لأن كل ما يُقدّم لهم الآن أغلبه سيئ والمسألة فى السوق الغنائية أصبحت احتكارية والمنتج أصبح يبحث عن الأرخص، وفيما يخص الملكية الفكرية فالمنتج يعتمد على جهل المبدع بحقوقه، فليس الجميع على دراية بالمادة 82 لسنة 2002 وهذا القانون به ثغرات، بالمناسبة فما أتقاضاه هو ليس أجرى عن الكلمة، فالأجر الذى أحصل عليه هو اسمه أجر تكليف وهى دفعة مقدمة من حساب الأداء العلنى، وورقة المصنفات الآن غير منصفة فأنا أتنازل فيها عن 10 حقوق، فعلاً هناك ظلم كبير جدا واقع على المبدعين سواء شعراء أو ملحنين ونحن بحاجة إلى قانون مُلزم للمنتج بنسب حقوق الأداء العلنى، والرقابة على المصنفات الفنية تركتنا فريسة للمنتجين وهناك شعراء عزة أنفسهم تمنعهم من تسول حقوقهم.•