الأربعاء 21 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حزب النور دخل الجحور

حزب النور دخل الجحور
حزب النور دخل الجحور


«وتأتى الرياح بما لا تشتهى السفن» هذا ما ينطبق تماماً  على التيار السلفى خلال دور الانعقاد الأول، حيث خرج مجلس النواب بإنجازات مهمة لم تكن إطلاقاً على هوى نواب حزب النور الممثلين للتيار السلفى داخل البرلمان، ومنها خروج قانون بناء الكنائس إلى النور أخيراً و تغليظ عقوبة إجراء عملية الختان للإناث.
 
• تغليظ عقوبة الختان
انتصار يحسب لمجلس النواب فى دور انعقاده الأول، بعد أن وافق أعضاؤه بالأغلبية على مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، ومشروع قانون مقدم من النائبة نادية هنرى وعُشر أعضاء المجلس لتغليظ عقوبة إجراء عملية الختان للإناث.
ووقف حزب النور معترضاً على هذا القانون وليس التعديل الأخير فحسب، وهذه المرة أراد تغيير تكتيكه فى المعارضة التى انتهجها خلال دور الانعقاد الأول عن طريق الصمت وتجنب مناقشات الجلسة العامة والإدلاء بتصريحات صحفية دون ذكر اسم صاحبها أغلب الأحيان وكأنهم يتحدوث من وراء ستار، لكن نواب حزب النور تحلوا  هذه المرة بشجاعة مفرطة واعتبروا أن الختان هو المواجهة الأخيرة التى ستزيد من نفوذهم فى الشارع أو تردهم أسفل سافلين.
وخلال مناقشة تعديل عقوبة قانون الختان وقف النائب محمد صلاح خليفة المتحدث باسم الهيئة البرلمانية لحزب النور وقال «فيه حديث للنبى صَل الله علية وسلم ذُكر فيه «وإذا إلتقى الختانان» أى ختان الرجل وختان المرأة، وبالتالى فإن الدليل الدينى موجود، أما عن الدليل الطبى فالختان هو 8 أنواع!!، 7 منها مخالف للشرع وصحة الفتاة أما النوع الثامن فهو سليم تماماً وهو ما تحدث عنه النبى، ومش هقدر أقول تفاصيل لأن مش هينفع أشرح وأوصف، لكنى سوف أترك كل التفاصيل بالمضبطة لمن يريد الإطلاع عليها.
فردت عليه النائبة آمنة نصير أثناء الجلسة العامة وقالت:  الحديث النبوى الذى ذكرته لا يقصد إلا ختان الرجل فقط، أما إلحاق الأنثى به فهو من قبيل آداب اللغة فقط ليس أكثر ولا أقل، وإذا كان تفسير الحديث صحيحاً كما ذكرته لماذا لا تطبق دول الخليج العربية المسلمة الختان على بناتهم؟!، أرجو من الجميع ألا يعترف بهذه العادة الاجتماعية التى أتت إلينا عبر بعض دول حوض النيل ولا تمت للإسلام بِصلة.
فقال عضو آخر بحزب النور وهو النائب محمد إسماعيل جاد الله «أنا أزهرى حصلت على دكتوراه فى أصول الدين ومن خلال دراستى لم أجد أى نص يجرم الختان، بل هناك إجماع فقهى أن الختان مشروع، وكلمة مشروع هنا تعنى أنه ليس حراماً والقول الفصل فيه للطبيب المعالج هو الذى يحدد مدى احتياج الفتاة للختان من عدمه».
وهنا رد عليه النائب أكمل قرطام وقال «لابد من إعمال العقل وإذا كان هناك حديث صحيح عن الرسول صَل الله عليه وسلم فى هذا الشأن هو يفيد التدرج حتى تجرم هذه العادة نهائياً وتختفى حيث ترك الرسول العديد من الأمور لحكم العرف، وعلينا أن نتخلص من هذه العادات القديمة.
وانفعل النائب إيهاب الخولى من كلام أعضاء حزب النور ورد عليهم قائلاً «أنتم عاوزين ترجعونا لمربع الصفر ليه، إحنا مش جايين النهاردة نقول الختان حرام ولا حلال، دى حاجة حسمت وتم تجريمه وأحنا النهاردة بنطالب بتشديد العقوبة لمنع تكراره».
فشعر أحمد خليل، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب النور بارتباك شديد وطلب الكلمة من رئيس المجلس ليبرر موقف حزبه وقال: «إن أعضاء الحزب لا يسعون للشو الإعلامى ويرفضون الظهور فى الكثير من البرامج التليفزيونية، على الرغم من أن هناك الكثير من الاعتراضات لديهم داخل القاعة، وهذا من أجل إيمانهم بالمصلحة العامة للدولة» وشدد على صحة عملية الختان معترضاً تماماً على تفسير الدكتورة آمنة نصير.
وفى نهاية المناقشة انتصر البرلمان لحياة الفتيات الصغيرات اللاتى يفقدن حياتهن بأبشع طرق الإعدام الجسدى والنفسى.
حيث أقر المجلس تعديل المادة 242 من قانون العقوبات لتنص على أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تجاوز 7 سنوات كل من قام بختان أنثى وتكون العقوبة السجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة أو إذا أفضى إلى موت. كما تم إضافة فقرة (أ) لنفس المادة تنص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 3 سنوات كل من قدم أنثى وتم ختانها.
وهنا على صفحات «صباح الخير»  كتبت مراراً عن الختان وتحديداً عن استغلال شيوخ السلفية فى مصر لبعض الممارسات الاجتماعية السيئة ومنها الختان وذلك للسيطرة على مريديهم من مدخل الدين والوقوف بينهم وبين أى فرصة للتفكير ونفض غبار الجهل عن عقولهم.
لذلك أنا اعتبر تغليظ عقوبة الختان هى انتصار شخصى لكل من سعوا للقضاء على هذه الظاهرة.
• قانون بناء الكنائس
مشروع قانون بناء الكنائس كان الشوكة التى وقفت فى حلق حزب النور، وفى زعمى الخاص لن يتخلص منها مطلقاً وستظل تؤلمه دوماً إلا فى حالة واحدة وهى أن يسعى لتغيير قناعاته العنصرية.
قبل التعرض لموقف حزب النور يجب أن أعترف أننى لست بصدد تقديم تحليل ونقد للقانون، لأن وجوده فى حد ذاته يفتح الباب فى المستقبل لإضافة تعديل عليه حسبما تقتضى حاجة أصحاب المصلحة لذلك، لكننى أتحدث عن خطوة مهمة نحو الاعتراف بحق من الحقوق الدستورية لمسيحى مصر وهو حرية وسهولة ممارسة شعائرهم الدينية وعباداتهم .
وقد وصف النائب عبدالهادى القصبى أن اجتماع نواب الشعب لمناقشة القانون هو لحظة تاريخية تعكس إرادة الشعب المصرى ذاته وترابطه. . وبناء  على تصريحات القصبى يمكننا أن نفسر موقف حزب النور الذي لم يدخر أى جهد ليحول دون إقراره، حيث امتنع أعضاؤه عن أى مشاركة فى مناقشات الجلسة العامة وفضلوا إطلاق التصريحات التحريضية قبل طرح القانون كنوع من التصعيد، لكن فى النهاية حصد القانون موافقة أغلب الأعضاء الحاضرين، وحينها تَرَكُوا - السلفيون - الجلسة وفروا كالهاربين فور انتهاء التصويت على القانون، وفى هذه الأثناء تحديداً انفجرت القاعة بالهتافات الحماسية مثل «الهلال والصليب إيد واحدة» ورفع على عبد العال رئيس مجلس النواب العلم المصرى إحتفالاً بخروج القانون للنور، وشهد المجلس أجواء من الفخر والتلاحم التاريخى.
ويقول النائب رضا نصيف: نحن نحتفل بميلاد القانون بعد 160 سنة من التعثر و 15 محاولة فاشلة .. وللتدليل على أهمية القانون ذكر النائب عبدالرحيم على موقفاً لمحاولة منح المحافظين حق إصدار تصاريح بناء الكنائس فى وقت سابق، حيث قال: سنة 1996 اصطحبت الدكتور ميلاد حنا والدكتور رشدى سعيد وللقاء اللواء حسن الألفى وزير الداخلية آنذاك حتى نناقش معه مدى إمكانية إعطاء الحق للمحافظين بإصدار تصاريح بناء الكنائس، وصدر القرار بالفعل بعدها بأربع سنوات لكنه لم يطبق فى أغلب الأحيان، أما الآن فالقانون الذى بين أيدينا يعطى هذا الحق لرئيس الوحدة المحلية والمجتمعات العمرانية والمحافظين.
• الفكر المسموم
بالرغم من أن هذه المساحة مخصصة للشأن البرلمانى، لكن أسمح لى قارئى العزيز أن أستعرض لك من خلال موقف شخصى كيف يفكر أصحاب الاعتقاد المتشدد، ولا أفضل أن ألصق بهم صفة التدين أو الإسلام لأنهم بعيدون عن ذلك تماماً، تحضرنى الآن بعض العبارات التى قالها صديق لى ابن حى المعادى الراقى لكنه تربى وتعلم فى إحدى مدارس اللغات بالمقطم التابعة للإخوان المسلمين - وهى الجماعة الأم التى أنجبت كل التيارات المتشددة -، حيث تحدثنا أنا وهو عن نظرة التيارات المتأسلمة لأصحاب الديانات الأخرى وصدمنى برأيه وهو أن «المسيحيين غلط وكفار وإحنا بنعاملهم بذوق لكن مش المفروض نثق فيهم ومالهمش حقوق لأنهم أصلاً مش معترفين برسولنا».
«جرعة السم المركزة» هذا أقل ما يمكن أن أصف به هذه الكلمات العنصرية التى تعاقب عليها قوانين الأرض والسماء، وللأسف بهذه الطريقة يتربى أبناء التيارات المتشددة.
وكلامى هذا ليس ادعاء بالباطل حيث خرج علينا النائب أحمد العرجاوى، عضو مجلس النواب عن حزب النور، وكيل لجنة الصحة بالبرلمان، بتصريحات صحفية تعليقاً على قانون بناء وترميم الكنائس  قبل مناقشته، وقال «إن الدستور نص على أن دولتنا «إسلامية»، والدستور لم يذكر أننا دولة مسيحية، ولما الغرب يعمل للمساجد زى ما بيعملوا للكنائس يبقى إحنا نقول نعم للكنائس».
لافتاً أن جميع الأقباط يعيشون فى مصر بكل أمان وبكامل حريتهم وبكامل عبادتهم، واحنا بنحترمهم، وهم شركاء الوطن ولهم جميع الحقوق، وهذا لا يعنى أننا نترك الحبل على الغارب».. ومهما كانت آرائهم فقد تلقى أعضاء حزب النور ضربة قوية خلال دور الانعقاد الأول أعادتهم للجحور مرة أخرى، وأعطتهم درساً فى الممارسة الديمقراطية الحقيقية، ويبقى لهم الاختيار، إما أن يستفيدوا منه أو سيتلقوا المزيد من الضربات. •