عبقرية محمد على كلاى الموقف.. والبطولة.. والإنسانية

على خضير
سيتوقف التاريخ الإنسانى طويلا أمام البطل الرياضى الملاكم محمد على كلاى بطل العالم والأوليمبياد فى وزن الثقيل، الذى وقف له العالم انحناء وتقديرا حيا وميتا، وهو إحدى الأساطير الإنسانية التى شهدها العالم طوال القرنين العشرين والواحد والعشرين، والدليل الاحتفال والاهتمام والرسائل والأقوال ونعى البطل من الجميع والإحساس بقيمته العالية وقيمة إنجازه وإضافته للسجل الرياضى العالمى الذى تربع محمد على كلاى على عرشه دون منازع.
هذا التربع الذى لم يأت مجاملة للرجل ولا جهد إعلامى منه ولا بعدد بطولاته ولكماته وقوتها ولا تعاطفا مع لونه أو غير ذلك من الأسباب.. فكثير من الأبطال من هو أحرز بطولات وميداليات ضعف محمد على والعديد من خلقوا حولهم هالة إعلامية لا تساويها هالة أخرى، وحتى فى قوته البدنية هناك مئات من الأبطال تقام حول قواهم العضلية والبدنية الدراسات والقياسات وهم مضرب المثل على وجه الأرض إلا محمد على الصبى الهادئ الزنجى الفقير الذى خاض غمار منافسات الملاكمة فى إحدى ضواحى ولاية كنتاكى إحدى المدن الأمريكية غير ذات الحظوة فى أوج اشتعال نيران الحرب العالمية الثانية (مواليد 17 يناير 1942) مع ما يعانيه العالم حينذاك من بؤس وشقاء جاء هذا الفقير ماديا والممتلئ طموحا وحبا واشتياقا للبطولة وللعبة الصيحة حينذاك الملاكمة.. وبرز وأنجز وأعجز.. على كل المستويات وفى كل الحلبات تواصل مع العالم واحترف وانتصر واشتهر وأسلم فى واحدة من أشد قصص الإسلام إضافة.
فلك أن تتصور شابا بطلا بحجم محمد على كلاى فى أوج مجده وقمة شهرته والدنيا تحت قدميه وبين أطراف أصابعه يعلن إسلامه ويخوض من أجل هذا الاعتناق حروبا طويلة ضد الاضطهاد والتعنت. وإن كانت العقيدة لم تضف للبطل سوى مزيد الإيمان بأن الله معه وأنه صاحب رسالة لهؤلاء الفقراء البائسين ليس فى مسقط رأسه «لويزفيل بكنتاكى» فقط، لكنه لكل البائسين المضطرين فسخر بطولته وشهرته للوقوف بجوارهم وتبنى قضيتهم.. مهما حدث له و«قد كان عقب تحديه للجميع وتوجيه لكمة قوية للعنصرية.. ليست عنصرية اللون أو العقيدة ورفض الانخراط فى صفوف القوات المسلحة الأمريكية لأداء الخدمة العسكرية والمشاركة فى حرب فيتنام ورفض رفضا قاطعا الهجوم المباغت على شعب أعزل.. وهو من هو فى الهجوم المباغت اللادغ على الحلبة. وانتفض الأمريكان بعد مجاهرة محمد على وتنديده بهذه الحرب غير المتكافئة وأدخل السجن لمدة ثلاث سنوات ونصف كان من الممكن أن يقضى نصف المدة فى الخدمة العسكرية لو تراجع، لكن الموقف النبيل كان السيد إضافة إلى تجريده من كل ألقابه وبطولاته وتاريخه ولكن صبر وتحمل وقاتل.. وعاد للحلبة أقوى وأشهر وأكثر صلابة وتألق والتهم المنافسين كالعادة واستولى على القلوب ولم ينس البؤساء والمهمشين ودعوات التحرر والسلام والحب والنبل وهى الحقائق الرئيسية فى المنافسات الرياضية الإنسانية.. فكان يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة على الحلبة.. ويدعو للحب والسلام بما حققه من مكاسب.. وبذل الغالى والرخيص فى دعوته التى تميزت بالحكمة ومن أوتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا.. بقلب عصفور.. وأداء ليث.
وهكذا يكون البطل، فالبطولات قد تنسى والألقاب والميداليات قد تضيع ولكن المواقف هى الباقية وهى النموذج والمثال الحى أمامنا فى مصر محمد على رشوان بطل الجودو والذى نسى العالم كل ما حققه من ميداليات وبطولات ولم ينس موقفه من بطل العالم اليابانى ياما شيتا خصمه اللدود الذى عرف رشوان أنه مصاب فى قدمه والقدم هى نقطة الارتكاز لدى لاعب الجودو.. فرفض النبيل المصرى رشوان الاتكاء على هذا القدم المصاب مفضلا الاحترام والنبالة والإنسانية فى التنافس عن إحراز الذهب فثبت الموقف.. وتم تكريم الرجل فى كل بلاد الدنيا.. ومازال..
ومحمد على كلاى الوجه الحسن والبارز والنبيل فى تاريخ الرياضة كاملا بروعة بطولية نادرة التكرار.. صاحب ذهب أوليمبى روما 60 وأحد ثلاثة أحرزوا بطولة العالم لثلاث مرات 64 و74 و80 وهو الوحيد الذى حقق هذه الثنائية.
غير عشرات اللقاءات الاستعراضية التنافسية التى كان ينتظرها العالم بشغف واستمتاع بالفن الراقى والأداء الإنسانى البديع. لمن لم يتربح من اللعبة ولا أصبح مدربا ولا مديرا ولا مسئولا لكنه أصبح صاحب رسالة إنسانية رائعة. نال التكريم من كل العالم زعماء ورؤساء ومسئولين وجماهير جميعا اعترفوا بحق البطل الرياضى الإنسانى الرائع.
رحمة الله على محمد على كلاى بطل الأبطال وصانع التاريخ.•