الأحد 10 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«روزاليوسف» من فكرة فى محل حلوانى لمؤسسة صنعت التاريخ

«روزاليوسف» من فكرة فى محل حلوانى لمؤسسة صنعت التاريخ
«روزاليوسف» من فكرة فى محل حلوانى لمؤسسة صنعت التاريخ


ريشة: جورج بهجورى
 ذكريات عمرها 78 عاما نشرت للمرة الأولى عامى 1938 و1939 ترجع عظمتها ليس فقط لقدمها ولكن لأنها  جزء من تاريخ يسجل فترات مهمة فى عمر «روزاليوسف» المؤسسة العظيمة لصاحبتها التى بنتها على كتفيها، مراحل تطور الفكرة من جلسة فى محل حلوانى لمؤسسة عريقة (من ذكرياتى الصحفية) هو اسم العمل الصحفى النادر الذى تروى السيدة روزاليوسف فيه أسراراً وحكايات ومعارك لها تاريخ .. كانت روزاليوسف شاهدة عليها وبطلتها فى نفس الوقت.
 
 صفحات نادرة وثمينة ومهمة تاهت وسط الزحام والحوادث، ولم ينتبه لوجودها على صفحات روزاليوسف حتى أقرب المقربين من روزاليوسف التى رحلت فى إبريل 1985.
فى تلك الذكريات النادرة استعرضت روزاليوسف أحوال مصر السياسية والحزبية طوال خمس سنوات بدأت منذ صدور المجلة  أكتوبر 1925 وحتى منتصف حكم إسماعيل صدقى باشا وروت بداية المجلة ومعاركها ومصادرتها وإغلاقها لأسابيع أو لشهور ثم الصدور تحت مسميات أخرى مثل الصرخة وصدى الحق ومصر الحرة وصدى الشرق على مدى 21 حلقة روت روزاليوسف أسرارًا وحكايات وكواليس صحفية وسياسية فى غاية الأهمية.
وقبل أن أسرد الكتاب الذى أعده وقام بتقديمه الأستاذ رشاد كامل  ويعد ثامن إصدار تصدره المؤسسة من سلسلة تراث «روزاليوسف»، قد أتوقف قليلا عند ما قاله لى وهو  يخبرنى بأمر صدور الكتاب، كان فرحا كمن وجد كنزًا أرجعه إلى الصدفة التى قادته لاكتشاف مثل هذا العمل الذى كان يظن أن هذه الذكريات الصحفية هى نفسها المنشورة بعنوان «ذكريات» وصدرت بعد ذلك أواخر عام 1953. لكنه تأكد أن ما وجده لم يعثر عليه أحد من قبل.
وإن كنت أرى من واقع خبرتى الصغيرة بالمقارنة بخبراته أنها ليست الصدفة وحدها هى من تقود لمثل هذه الأعمال، وإنما هى  الفطنة والذكاء والإرادة، الفطنة المتمثلة فى اصطياد مثل هذه الكنوز الثمينة والعمل عليها لتخرج  من مجرد أوراق فى دولاب للذكريات لأعمال ملموسة ومطبوعة تراها الأجيال الحالية وتستفيد من خبرتها، وإرادة متمثلة فى وعى المهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس مجلس الإدارة بأهمية هذه الأعمال التى تؤرخ لتاريخ المؤسسة المهم والمشرف، وكما يؤكد دائما فى مقدمة كل كتاب مهم تصدره المؤسسة أن من لا ماضى له لا حاضر له، لذلك انطلقت مدرسة روزاليوسف لتحيى ذكرى أعمدة المدرسة ومؤسسى الفكر الخاص بها لكى تذكر من عاصروا هذه الأقلام والأعلام بأعمالهم ونضع أمام الجيل الجديد من الشباب كيف كان يفكر هؤلاء الأعلام وكيف كانوا أصحاب رؤية مستقبلية وكيف كانوا يتناولون أى موضوعات أو شخصيات بالنقد الموضوعى.
• كنز اسمه روزاليوسف 
بالعودة للكتاب الذى يحمل عنوان (صفحات مجهولة من ذكرياتى الصحفية) بقلم فاطمة اليوسف يؤكد رشاد كامل فى مقدمة الكتاب أن الكنز الذى عثر عليه تم نشره فى 71 صفحة من صفحات مجلة روزاليوسف وعلى مدار 21 أسبوعا، حيث كان دافع السيدة روزاليوسف لكتابة هذه الذكريات هو ابنتها ميمى فى المقام الأول فهى التى ألحت وأسرفت فى الإلحاح عليها بعد سماعها لأمها وهى تستعيد ذكريات الماضى مع زملائها فى المجلة فطلبت الابنة من الأم نشر هذه المذكرات وكانت الأم تعتذر، لكن إلحاح ميمى هزم الأم فى النهاية وقررت أن تكتب دون ضجة أو ضوضاء، وبإعلان بسيط قبل النشر بأسبوع.
ثم نشرت سبع عشرة حلقة وتوقفت عاما كاملاً ثم عادت فى أغسطس 1939 لتكتب خمس حلقات أخرى، حيث نشرت الحلقة الأخيرة فى سبتمبر من نفس العام ويرجع رشاد كامل أسباب توقف روزاليوسف عن كتابة باقى الحلقات إلى الحرب العالمية الثانية التى قامت فى أول سبتمبر لعام 1939 حيث استجابت حكومة على ماهر باشا إلى طلب السفارة البريطانية بإعلان الأحكام العرفية ووضع الرقابة على المطبوعات وأصبح على ماهر هو الحاكم العسكري.
يذكر رشاد كامل فى مقدمة الكتاب أن المثير للدهشة أن إحسان عبدالقدوس حاول أن يكتب عن الفتاة الصغيرة التى استقرت بمصر فى عمر السبع سنوات التى خاضت حروبا ومعارك مع أشهر الساسة التى كانت تشخط فى الجميع وتخصم من رواتبهم، لكنهم كانوا يرون فى ابتسامتها حنان الأم وقسوة الأستاذة السيدة التى ربحت حتى وصلت ثروتها للمليون وخسرت حتى باعت مصاغها ولم تنكسر يوما.
المرأة التى كانت تتابع  أعمال المنزل والمطبخ وتحاسب الطباخ وتشترك فى تقشير البصل وتحاسب أيضا فى الصباح النحاس باشا والنقراشى وصدقى.
ولكنه عندما كتب ذلك عاد المقال له على رأسه تأشيرة بقلم أحمر تقول فيها لابنها (يا بارد خلى غيرك يقول الكلام ده).
لكنها عندما كتبت مذكراتها عام 1953 ووصف إحسان عبدالقدوس المذكرات بالناقصة ردت عليه أنه يكفى أن تكون عالما بما فى هذه الذكريات من نقص لأطمئن إلى أنك سوف تكملها ذات يوم.
• رسالتها لإحسان عبدالقدوس
ويبقى الجزء الأجمل هو ما اكتشفه إحسان عبدالقدوس بعد موت والدته وتسلمه لمفاتيح مكتبها فبخلاف الرسائل التى كانت ترسلها لرؤساء الوزارات بخط يديها عندما تعجز أن تقول رأيها على صفحات جريدتها كانت هناك مفكرة صغيرة فتحها إحسان ليقرأ ما بداخلها ليجد أنها مجموعة من الخواطر والنصائح له وكشكول صغير به قصة طفولتها قصة الأيام التى لم تكن تتحدث عنها، لكن كما وعدته الأم تركت له قصتها وقصة جده وجدته لكنه أنهى مقاله الذى كتبه فى إبريل 1958 بعد وفاتها بتساؤل حول مدى إمكانية أن يكتب القصة بكل تفاصيلها فى يوم ما. ومرت سنوات طويلة ولم يكتب القصة.
روزاليوسف كانت تدرك عظمتها وقوتها وهذا يتضح من خلال كلامها مع مديحة عزت الصحفية فى روزاليوسف وقتها التى كانت مقربة منها ورافقتها أثناء نقل منقولاتها من شقتها فأعطتها صندوقًا وطلبت منها تسليمه لإحسان بعد موتها وعندما قالت لها مديحة بحزن بعد الشر عليكى يا ست قالت لها كلنا هنموت لكن هناك فرق فيه ناس تموت وتنتهى وناس زيى تموت وتعيش بسيرتها وتاريخها).
• قصة كفاح
يسرد رشاد كامل جزءًا من مقال مديحة عزت عن طفولة السيدة روزاليوسف وكيف كان أبواها شديدى القسوة عليها ويضربانها بالعصا والكرباج وكيف فرطا فيها لصديقهما الذى أراد الهجرة للبرازيل فوافقا على إعطائه الطفلة الصغيرة وعندما انهارت الطفلة وطلبت من الخادمة معرفة الحقيقة قالت لها بأن والدتها ماتت عقب ولادتها وأباها تاجر سافر لاسطنبول لتجارته الواسعة بين لبنان وتركيا وتركها مع الجيران الذين لم يحسنوا معاملتها بعد أن انقطع المال الذى كان يرسله الوالد وأطلقوا عليها اسم روز لأن الأسرة كانت مسيحية.
• فكرة فى محل حلوانى
تبدأ المقالات بفكرة إنشاء المجلة التى لمعت فى إحدى الجلسات فى محل حلوانى كساب الذى تقوم مكانه الآن سينما ديانا فى ليلة من ليالى أغسطس الحارة 1925 هى وأصدقاؤها الصحفيون والنقاد والأدباء عندما ألقى البائع نسخة من مجلة اسمها الحاوى وعندما قرأتها شعرت بالأسف عما يكتب عن الفنانين من نقد بالغ القسوة ففكرت فى أن تنشئ مجلة خاصة بها تنصف الفنانين وسألت أصدقاءها عن تكلفة إصدار المجلة الأمر الذى أخذوه بعدم جدية ظنا أنها تمزح معهم لكن مع إصرارها  تغلبت على هزرهم وأرغمتهم على بحث الفكرة جديا.
أخبرها الصديق إبراهيم خليل  الصحفى أن تكلفة إصدار 3 آلاف نسخة تصل إلى 12 جنيهًا إذا بيعت كلها كان الربح منها 5 جنيهات وناجت روزاليوسف نفسها فهى تتقاضى شهريا 70 جنيهًا من المسرح ومع 20 جنيهًا شهريًا يصبح ربحها 90 جنيهًا وتطرق الأمر لاختيار اسم للمجلة ومن وسط اقتراحات الأصدقاء أصرت روزاليوسف أن يكون اسم المجلة على اسمها الأمر الذى رفضه أصدقاؤها جميعا وأصرت عليه.
ولم تنم روزاليوسف ليلتها وفى الصباح كانت تملأ استمارة طلب الترخيص الذى سلمته بنفسها لوزارة الداخلية.
وقبل أن تعطى الداخلية التصريح للمجلة استبقت روزاليوسف الأحداث وأعلنت عن صدور المجلة قريبا فثارت الداخلية للإعلان وأرسلت فى طلبها فقالت لهم إذا لم تصرح الحكومة فسأصدر المجلة والسلام.
• تكاليف أول عدد
وفى الحلقة الثانية تستعرض روزاليوسف مشكلة أخرى واجهتها  عند إصدار المجلة هى الاثنا عشر جنيها تكاليف أول عدد ووعدها  الزميل أحمد حسن ببيع قيراط من أرضه وتمويل المجلة فى عددها الأول.
وشكلت روزاليوسف هيئة التحرير وواجهت مشكلة إيجاد مقر للإدارة فى شقتها بالطابق الرابع بشارع جلال، حيث تكتب روزاليوسف فى مذكراتها كيف كان كل من يصعد إليها يصعد نحو خمسة وتسعين سلمة فكان المحررون «المساكين» يصعدون إلى الإدارة على آخر نفس ويظل كل منهم نحو بضع دقائق يجفف عرقه ويسترد أنفاسه حتى يتمكن من إلقاء التحية.
وتستعرض روزاليوسف الدسيسة التى حدثت بين مدير مسرح رمسيس وبينها وكيف أوحوا له أن هذه المجلة تهدف لهدم المسرح. ثم تستعرض رحلتها  لجمع الاشتراكات لتمويل العدد الأول.
ثم إعلان المجلة الذى تم نشره  فى الشارع أسوة بإعلانات المسارح الذى حمل كلمة (قريبا روزاليوسف أدبية فنية) الذى أثار الدهشة وقتها وكثرت الاستفهامات ثم مبادرتها بحمل إعلانات على ورق كارتون مقوى وعرضها على أصحاب المحلات لعرضها فى الواجهات الزجاجية وإقناعهم بلصقها مقابل إعلانات لهم فى المجلة.
كان يرافقها فى هذه الرحلة محمد التابعى وأحمد حسن ومن الإعلانات لمطاردة كبار الكتاب لكتابة مقالات فى العدد الأول.
• ثورة ضد الأدب العالمى
وفى الحلقة الثالثة تستعرض روزاليوسف مشاكل انكماش الجريدة فى السوق بسبب الموضوعات المتخصصة فى الأدب العالمى والفلسفة وأن الجمهور يريد غذاء يهضمه وخير الغذاء هو الفكاهة التى تشيع فى المواضيع والأخبار والأنباء الطريفة التى تبعث بالابتسام ووافق الجميع على إخراج المجلة فى ثوبها الجديد.
وكيف رفضت روزاليوسف بيع المرتجع من المجلة بثمن تعريفة وجمعت كل ما وزع من المرتجع بخسارة عشرة جنيهات لإعلاء قيمة المجلة.
وفى الحلقة الرابعة تستكمل المعاناة التى كانت مع كل عدد قائلة كنا لا ننتهى من إصدار عدد حتى يتولانا الجزع وننظر لمستقبل العدد القادم بعين اليأس لا ثمن للورق ولا ثمن للأكليشيهات ولا أجور للطبع.
وكيف قررت أن تخوض مسابقة فنية فى التمثيل من أجل الحصول على الجائزة والتى كانت 80 جنيها تؤمن لها صدور المجلة وتنقذ من السؤال كل من هب ودب عن اشتراكات المجلة وبالفعل فازت روزاليوسف بالجائزة وارتفعت اعداد التوزيع لـ 9 آلاف نسخة أسبوعيا فكانت المجلة تدخل القصور والبيوت وأصبحت فى يد الجميع وذاع صيتها.
• صفعة على وجه التابعى
يبدو أن روزاليوسف كانت شديدة العصبية ومتسرعة وأبسط شىء كانت تفعله عندما تضجر من مناقشة أو تختلف مع أحد هو استخدام يدها لوضع كلمة النهاية، ففى الحلقة الخامسة تحكى روزاليوسف عن الصفعة التى صفعتها لمحمد التابعى بعد نقاش بينهما على أمر من الأمور التحريرية فى حديقة الأزبكية المكان الذى يلتقيان فيه صباحا للتباحث حول العمل قبل انطلاق التابعى لمجلس النواب، حيث اتخذ مكانًا قريبًا من مسكنه كى يتمكن من إنجاز العمل، وقد غضب التابعى من أثر الصفعة وتركها بينما حاولت أن تلحقه فى مكان عمله لتقدم له الاعتذار وما إن رآها بعد ذلك حتى قال لها تعرفى يا مدام مش من مصلحتك أبدا أن تكون المناقشة بلغة الأيدى وليس التابعى وحده هو من اشتبكت معه روزاليوسف باليد بل الكتاب ملىء بقصص مشابهة تشير إلى عصبية السيدة الزائدة واندفاعها المستمر.
وفى الفصل السابع تتحدث روزاليوسف عن تحويل رخصة المجلة إلى مجلة سياسية وكيف تنتقل المجلة من دنيا الصالونات إلى مرحلة وعرة من السياسة بمسئوليتها الجنائية وغير الجنائية.
وفى ما يقرب من 50 صفحة فى آخر الكتاب ينشر رشاد كامل الرسومات الكاريكاتيرية التى كانت سببا فى كل أزمات روزاليوسف سواء بالمصادرة أو التعطيل.
وإلى هذا الحد اكتفى بعرض فصول من الكتاب الممتع الذى ينقلنا لحكايات الماضى تاركة للقارئ استكمال باقى الفصول والتى تصل لعشرين فصلا لمعرفة باقى الصفحات المجهولة من حياة العظيمة السيدة روزاليوسف بقلمها. •