قاموس المشاجرات الكلامية دليلك إلى (الردح) الشعبى!!

جورج أنسي وريشة سامح سمير
لا أعرف لماذا تذكرت هذا الأسبوع فيلم (خالتى فرنسا) الذى قامت ببطولته النجمتان عبلة كامل ومنى زكى الذى كان تجسيدًا حيًا من واقع الحياة لامتهان نساء لوظيفة الردح مقابل أجر مادى!!
هل هى تطورات الأحداث الأخيرة حول نقابة الصحفيين بتواجد هذه النوعية من النساء، أم مجرد صدفة بحتة صعدت إلى سطح خيالى.. متزامنة مع حالة (الردح) العام عبر وسائل التواصل الاجتماعى ومن خلال الفضائيات التى باتت أغلب البرامج الحوارية فيها تعج بجميع صور السب والردح؟!
مما لاشك فيه أن صفة (الردح) ارتبطت بالمرأة تحديدًا حتى إنها التصقت بنوعية معينة من النساء خاصة فى المناطق الشعبية، إلا أن الكثير منا لا يعرفون شيئاً عن أصول هذه المفردات سوى أن «النسوان البلدى»- أى نساء المناطق الشعبية - كن يستخدمنها قديماً فى مشاجراتهن الكلامية أو ما يوصف فى العامية المصرية بـ«الردح».
والمتابعون للدراما المصرية بأشكالها المختلفة- خاصة القديمة منها- يلاحظ استخدام بعض مفردات لغة الردح المصرية، فى مشاهد مشاجرات النسوة، لاسيما إذا كانت الأحداث تدور فى حارة أو فى أماكن شعبية.
صحيح أن قسماً منها قد انقرض، لكنها بقيت حاضرة فى التراث الشعبى فى مجتمع كان قطاع كبير منه يعتبر أن تمكّن المرأة من ناصية الردح هو علامة (قوة) لردع أى شخص عن التطاول عليها أو على أسرتها، حتى إن المصريين تناقلوا عبارة «الغجرية ست جاراتها» أى أن المرأة الردّاحة هى صاحبة السيطرة على جاراتها.
ولكن إذا كان المشاهد المصرى نفسه يجد صعوبة فى فهم بعض الكلمات والتعبيرات الواردة ويجهل خلفياتها التاريخية مثل جرى إيه يالدلعدي؟!، لأ يا عمر، ده أنا أفرش لك الملاية وأخلى اللى ما يشترى يتفرج!، شوف ياخويا المرا بنت الرفضى تلهيك وترازيك وتجيب اللى فيها فيك!، وقال بطلوا ده واسمعوا ده... وشووبااش.. وغيرها الكثير والكثير، فما بالك بأشقائنا العرب المتابعين لأعمالنا الفنية، حيث إنهم كثيراً ما يسمعون العبارات السابقة وما شابهها فى هذه المشاهد دون معرفة معانيها وأصولها، فما هى معانى وأصول هذه التعبيرات؟
• شوباش
هذه الكلمة من أقدم مفردات الردح المصرية على الإطلاق، فهى تعود للعصر الفرعونى بمعنى مختلف تماماً عن الغرض المراد من الردح، فـ«الشوباشى» عند الفراعنة هى تماثيل صغيرة توضع فى القبر لتردد الدعاء للميت، وقد انتقلت الكلمة للعصر الحديث وحملت معنى آخر هو «رددوا ورائى ما أقول وأمنوا على كلامى الموجّه للخصم»!!
• يا عمر
من أقدم التعبيرات المصرية، وهو يعود للعصر الفاطمي، وذلك لأسباب مذهبية بحتة، كان الفاطميون يبغضون شخصية أمير المؤمنين الخليفة الثانى فى صدر الإسلام عمر بن الخطاب، فكان خطباؤهم يسخرون منه على المنابر ذاكرين بعض المواقف المنسوبة إليه ثم يقولون باستهزاء «وأين كنت أنت يا عمر؟».. ويمطّون كلمة عمر فيقولون «يا عوووماااار»، وقد توارث المصريون التعبير فصاروا يقولون لمن يردحون له «يا عمر»!
• أفرش لك الملاية
حتى منتصف القرن الماضى كانت النساء - خاصة فى الإسكندرية - يرتدين عند الخروج ملاءة سوداء، وإذا أرادت إحداهن الردح لفترة طويلة فرشت ملاءتها على الأرض وتربعت عليها، وهذا الموقف يعنى أنها تفرّغت للمواجهة والمقارعة وربما عبرت القديرتان شادية وسهير البابلى عن هذه المرحلة وهذا المشهد أروع تعبير، من خلال تجسيدهما لدورى ريا وسكينة فى المسرحية الشهيرة ، التى جرت وقائعها الحقيقية فى بداية العشرينيات من القرن العشرين .
• يا الدلعدى
لهذا اللفظ تفسيران، الأول أنه تحريف لعبارة «يا ألد العدى»، أى «يا ألد الأعداء»، والآخر «يا دا العدى»، أى «يا هذا العدو» وتعنى هذه العبارة أن الذى يتوجه إليه الحديث هو عدو، أما لو كان الحديث يتوجّه إلى شخص صديق، فالمصطلح يعنى حينها الدعاء له وحمايته من ألد أعدائه!
• أخلى اللى ما يشترى يتفرج
ومعناها أن تقوم الرادحة بتوجيه الإهانات إلى خصمها حتى تفضحه وتجعله «فرجة» للناس، كالبضاعة المعروضة على الملأ لمن يرغب فى الشراء ولمن يكتفى بالمشاهدة.
• المرا
إذا أراد المصريون مخاطبة المرأة باحترام، فى لغتهم الشعبية، قالوا لها «الست»، أما إذا أرادوا احتقارها قالوا عنها «المرا»، وكلمة «المرا» تستخدم كذلك فى السباب الموجّه للرجل، فإذا وصف بها أحدهم فهذا يعنى أنه ناقص الرجولة، وإذا قيل له «يا ابن المرا» فهى إهانة مركبة، إذ يتم بها تحقير أمّه.. والأمر نفسه إنْ وُصِف أنه «تربية مرا» أى أنه لم يتربَّ على الرجولة، وقد تتم إضافة وصف فاحش بعد كلمة «مرا»، فيقال مثلاً «ابن المرا الـ...» من باب التجويد والإبداع فى السب!
• ابن أو بنت الرافضى
هذه أيضاً سبّة قديمة جداً، أصلها «ابن الرافضى»، والرافضى كلمة مشتقة من «الرافضة» وهو أحد الأوصاف التى تطلق على كارهى الصحابة من غلاة المتحيّزين للإمام على بن أبى طالب.
• أقف عوج واتكلم عدل
أى قف كما تريد لكن تحدث باحترام، وربما استخدمت أيضاً من باب الفكاهة والدعابة.
• أجرسك وأبهدلك
التجريس كناية عن الفضيحة، وأصل الكلمة أن المحكوم عليه بعقوبة فى العصور القديمة كان يوضع مقلوباً على حمار ويطاف به فى المدينة وخلفه منادٍ يعدد جرائمه وهو يقرع الجرس، أما البهدلة فهى العبث بهيئة الخصم وهندامه حتى يفقد احترام الناس له.
• أطّلعلك ميّتينك
يعتبر المصريون أن أصعب موقف قد يتعرض له المرء هو خروجه من القبر يوم القيامة للحساب، حيث يشير هذا التعبير إلى أن المتحدث سيجعل خصمه يعانى ما هو أقسى من طلوعه هو وأهله (ميّتينه) من القبر.
• تلهيك وترازيك وتجيب اللى فيها فيك
هو مثل شعبى يصف «العاهرة» بأنها حين تتشاجر مع خصومها، فإنها تلهيهم عن المشكلة بأن تتطاول عليهم و«ترازيهم» أى تشاكسهم، ثم تتهمهم بما فيها هى من نقائص.
• تمشى على العجين ما تلخبطوش
أى إلزام الشخص المقابل بالتزام الأدب، حتى يبلغ به الحذر، ألا يغير شكل العجين لو سار عليه.
• بطلوا ده واسمعوا ده
أٌى اتركوا ما فى أيديكم واسمعوا ما يقال لتشهدوا على ما يحدث.
ورغم أن الجمل السابقة باتت من المأثورات فى لغة الردح الشعبية المصرية توارثتها أجيال لفترة طويلة من الزمن، إلا أن المحافظين أخلاقياً كانوا- ولا يزالون- يستنكرون هذه الممارسة ويعتبرونها نقيصة لأنّ وصف «رداحة» هو من الأوصاف المسيئة إلى المرأة المهذبة، ولكن فى كل الأحوال فإن الردح قد فرض نفسه فى الثقافة الشعبية فى مصر مدة طويلة حتى صار من الصعب تجاهله، خاصة مع توثيقه من جانب أعمال فنية فى أذهان وأسماع الجميع، لكننا هنا نعرضه من منطلق العلم بالشىء ولا الجهل به!! •