الخميس 15 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سمة جيل الهجرة بالتعليم.. والمشاعر أيضاً

سمة جيل الهجرة بالتعليم..  والمشاعر أيضاً
سمة جيل الهجرة بالتعليم.. والمشاعر أيضاً


لم يعد يتوجب على الأسرة التى تريد الهروب بابنها من التعليم المصرى والاتجاه للتعليم الأجنبى والسفر للخارج.. فهناك التعليم الدولى الذى تتجه له العديد من الأسر التى بالمناسبة ليس شرطاً أن تكون دخولها بعشرات الآلاف شهرياً لاستطاعة اللحاق بركب التعليم الدولى فهم يوفرون ويتداينون فقط ليستطيعوا تحمل نفقاته.

ولكن الطفل أو الشاب لا يأخذ فقط مناهج دولية وإنما يصبح محاولة للخروج من الوطن هو أسلوب حياة وهجرة تدريجية تبدأ بالدراسة الدولية وما يصاحبها من الأفكار والمشاعر بعيداً عن الوطن حتى وهم يعيشون فيه.. ثم الشهادة الدولية التى تفتح الباب للعمل فى الشركات الأجنبية فى البلد.. أو خارجها أو تكملة الدراسة بالخارج حيث يكون الهدف الأكبر أمام أعينهم دائماً والذى يحلمون به ليل نهار هو الخروج لأى دولة أجنبية ولم يعد هذا الحلم مقصورا على الشباب وإنما أهاليهم أيضاً... ومع أن الحلم بحياة أفضل حق طبيعى، إلا أن هجرة العقول والكفاءات تنتج جيلاً يفتقر للانتماء، ويغيب عن البلد السواعد التى تبنيه ويغيب معها أى أمل فى غدٍ أجمل لهذا البلد.. فما الذى يدفع الأسر لذلك؟؟ وهو ما سنتناوله خلال السطور القادمة.
• ربنا يجعل حظهم أحلى من حظنا
تكررت كثيراً الدعوات على ألسنة الأمهات من حولى برغبتهم فى دراسة أولادهم فى الخارج أو على حد وصفهم تعليمهم التعليم الدولى الذى هو «أضعف الإيمان».
المهندسة ليلى عبدالعال، 46 سنة، تقول: «تعلمت فى مدرسة حكومية أفضل من أى مدرسة خاصة هذه الأيام وكان مدرسونا أكثر من رائعين تعليمياً وتربوياً كانوا مخلصين فى عملهم ولم آخذ درساً إلا فى الثانوية العامة ودخلت كلية الهندسة ولكن الآن المدارس مهزلة لا تعليم ولا تربية استمررت بأولادى فى مدرسة لغات من أحسن مدارس مصر إلى المرحلة الإعدادية ولكن مستوى التدريس والمناهج العقيمة جعلنى أتجه للتعليم البريطانى لأنى أرى خريجى الجامعات المصرية بعد «طلوع عينهم فى الثانوية» والوصول للجامعة والتخرج منها لا يجدون عملا.. وحتى من يستطيع العمل يصطدم بظلم وواسطة وعدم تقدير للمجهود.. فالمجتمع تغير والناس تغيرت والنفسيات ساءت.. لكن الشهادة الدولية تميز السيرة الذاتية للشاب وتعزز من فرص عمله وأتمنى لو استطعت أن أجعل أولادى يكملون دراستهم فى جامعة أجنبية حتى لو اضطررت للاستدانة أو رهن بيتى لأن هذا هو الاستثمار الحقيقى فيهم بتعليمهم؛ ليكملوا دراستهم أو يستطيعوا السفر لدولة أوروبية للعمل لأن حال البلد فى النازل اقتصادياً واجتماعياً «وربنا يجعل حظهم أحسن من حظنا».
مها مصطفى 34 سنة، مدرسة لغة إنجليزية، تقول: «أتمنى أن يكمل أولادى تعليمهم فى الخارج لأن كل شىء فى البلد أصبح ضد العمل والاجتهاد فالمحسوبية وغياب الضمير وكل الصفات الهدامة انتشرت وتضيع أى مجهود نبذله مع أولادنا فى الفصول فما نعلمه لهم ونربيهم عليه سواء أولادى فى البيت أو تلاميذى فى المدرسة مجرد خروجهم من البيت أو الفصل يرون النقيض فالحق لا يأتى إلا بالدراع والمكانة والتقدير لا تتأتى بالمجهود والصبر، والأعم للأسف السيئ وأصبح الجيد هو الشاذ عن القاعدة.. أولادى فى المرحلة الابتدائية ولكن لو جاءت لى أو لزوجى فرصة عمل بالخارج لن أتردد ليس لنفسى وإنما لأجل أولادى ولو قدر لنا الاستمرار فسأبذل قصارى جهدى ليتعلم أولادى تعليماً دوليا بعيداً عن الصم والحفظ وليفتح لهم سبيلاً لتكملة دراستهم بالخارج».
الدكتور سمير عادل 49 سنة، استشارى طب الأطفال، يقول: «يكفى أن تنظر لمرتب الطبيب أو معاشه بعد سن التقاعد لترى مدى الانحدار الذى وصلنا له.. أو حال المدرس الذى يلف من بيت لبيت ليعطى درسا خصوصيا ليستطيع أن يعيش ويكفى مصاريف بيته، وكيف أصبحت كرامته مهانة مع الطلبة فى المدرسة، فلم يعد هناك احترام لكبير سناً أو مقاماً، وأصبحت للأسف «الفلوس هى من تتكلم» مما أدى لتراجع أخلاقى كبير.. ويكفى أن تنظر لأى عالم أو متفوق سافر للخارج لترى كم احتفت به الدولة الأجنبية وأثبت نفسه، فأنا عن نفسى تعرضت للكثير من الظلم فى الجامعة حتى لا أعين على الرغم من حقى فى ذلك لحساب ابن أستاذ طبيب شهير.. ومع ذلك كنت مؤمناً بأن هذه البلد لن تقوم له قائمة إلا بشبابها وإذا هاجرت كل العقول فمن سيبنى البلد؟؟ ولكن لما أراه حولى من تردى تعليمى وأخلاقى وسلوكى واقتصادى، ولرغبتى فى أن يكون أولادى أفضل منى سعيت لأجعل أولادى يكملون تعليمهم بالخارج فابنى الكبير بعد تخرجه فى الجامعة الألمانية الذى بعت أرضى التى ورثتها عن أبى لأدفع مصاريفه سافر للعمل فى ألمانيا.. وابنى الأصغر فى الثانوية البريطانية ومن الآن أبحث عن جامعة فى ألمانيا يستطيع تكملة تعليمه بها لأن للأسف وأنا حزين لقول ذلك ولكن.. «أريد الأفضل لأولادى، والأفضل خارج مصر».
• من حقنا نحلم بالأحسن
أما الشباب فمن الطبيعى عندما يكون آباؤهم وأمهاتهم يحلمون بتعليمهم فى الخارج أن تكون الهجرة بأحلامهم ومشاعرهم توجهت مبكراً للسفر للخارج، من الشباب سارة أحمد فى الدبلومة الأمريكية تقول: اتفقت مع ماما عندما أنهى امتحان السات وأحصل على الدبلومة الأمريكية أن أكمل دراستى فى أمريكا وأعيش مع خالتى هناك فأصدقائى الذين أنهوا الجامعات المصرية أو حتى الجامعة الأمريكية لم يحظوا بفرصة عمل لائقة وأنا أحلم بحياة أفضل وهذا حقى.
أحمد فؤاد طالب بكلية الهندسة بدأ معى بعصبية قائلاً: «زويل.. مجدى يعقوب.. مصطفى السيد.. هانى عازر.. وغيرهم لم يصلوا لمكانة يستحقونها إلا عندما سافروا للخارج بعد أن حاربهم هنا أعداء النجاح، وحتى عندما قلنا البلد ستصبح أفضل بعد الثورة، ما نراه أن لا شىء تغير بل بالعكس ساء وكل شىء أصبح أسوأ وكل أصدقائى الأكبر سناً الذين سافروا فى بلاد أجنبية تحسن حالهم عن أصدقائى الذين لم يجدوا فرصة للسفر، ونرى حال آبائنا وأخواتنا الكبار والحال حولنا فى غلو مستمر لا يواكبه زيادة دخول.. لذا أبدأ من الآن البحث عن فرصة لتكملة دراستى فى أوروبا حيث مستقبل أفضل؛ فهناك من يبذل مجهوداً يجد المقابل، ولن أترك نفسى لليأس عندما لا أجد عملاً مناسبا لى بعد التخرج وهذا حقى».
• عولمة اقتصادية وتعليمية
يرى الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسى أن هذا التوجه من الأسر له أسبابه ويحلله قائلاً: «هناك عدة أسباب منها: تدهور مستوى التعليم الوطنى الحكومى.. ثانياً: العولمة الاقتصادية التى تطلب نخبا وكادرات علمية مجهزة لسوق العمل العالمى.. ثالثاً: العولمة التعليمية فى انتشار مؤسسات تعليم من الدول المتقدمة فى الدول النامية بما فيها دول الخليج الغنية فنجد فروع لجامعات أمريكية وأوروبية مفتوحة فى تلك البلاد.
رابعا: وجود رجال أعمال محليين (كومبرادور) يرغبون فى تلبية الطلب المتصاعد على التعليم الأجنبى ويستغلون علاقتهم بالعالم المتقدم لوكالة تلك المؤسسات الأجنبية التعليمية.
خامساً عقدة الخواجة والعبودية للأجنبى فى الثقافة المصرية فحتى العديد من الأسر المصرية تفتخر أن أبناءها لا يعرفون العربية بل يعرفون اللغة الأجنبية ولايقرءون بالعربية إلا بلكنة ركيكة.
والواقع أن هذه الجامعات تكرس لثقافة غربية على أنها أرقى وأكثر تقدما من الثقافة العربية وتكرس عقدة الخواجة. والجامعات المصرية العربية ليست أفضل حالا فهى تترجم الكتب الأجنبية بينما طالب الجامعات الأجنبية يقرؤها بلغات أجنبية.
أما نتيجة كل ذلك فهو: انتشار فكر استشراقى يحتقر الثقافة والتاريخ العربى بمميزاته وعيوبه فالكل مختلط الفالح والطالح .. وللأسف منهم من يصبح مخزناً بشرياً للسوق الغربية وليس المصرية وأيضاً ينتج ازدواجية الثقافة المصرية بين خريجى التعليم الأجنبى ضد خريجى التعليم المصرى. ويضيف الدكتور سعيد صادق عما نحتاجه لحل ذلك فيقول: «الحل يتمثل فى شقين ولا سبيل غيرهما.. أولهما: ثورة فى التعليم وإعادة تأهيل المدرس ورفع مستواه الاقتصادى والعلمى.
وثانيهما: تطوير البنية التحتية للجامعات والمدارس التعليمية وتطوير الجهاز الإدارى المتخلف الموجود بها».•