الملحن زياد الطويل : هوايا الموسيقى.. ومائى الرياضة!

صباح الخير
كتب - ورد الغنام
من بين الملحنين الذين لمع نجمهم فى بداية التسعينيات يأتى الملحن زياد الطويل من المجددين أصحاب النغمات المميزة الذى لا يستطيع أن يقدم لحنا إن لم تكن كلماته تحمل فكرة.. زياد الطويل ولد بالقاهرة، منطقة الزمالك .. وهو الابن الأصغر للموسيقار الكبير كمال الطويل وله شقيق واحد يكبره بثلاث سنوات .
ولد زياد من أب اكتشف عندما كبر أنه موسيقار عظيم، والدته ربة منزل من أسرة عريقة وعلى بعد خطوات من منزله كانت مدرسته .. مدرسة الجزيرة للغات .. فى المدرسة تعلم السلم الموسيقى وعزف على العديد من الآلات .. ومارس الألعاب الرياضية .. كان طالبا متفوقا فى المرحلة الابتدائية .. ولكن ومع كل مرحلة دراسية ينتقل إليها كانت درجاته تقل .
وعندما سألته عن السبب قال : الموسيقى .
كان مولعًا بالآلات الموسيقية بالمدرسة والأخرى التى يمتلئ بها المنزل من بيانو وعود، وأورج، وبمجرد أن يخرج والده من المنزل، يترك دراسته، ويلعب على البيانو .
• أول غنوة
حصل على الثانوية العامة .. ولم يسمح له مجموعه إلا بدخول المعهد العالى للتجارة الخارجية بالزمالك .. ومنه حصل على بكالوريوس التجارة .. قضى فترة تجنيده وبعدها عمل محاسبا بإحدى الشركات .
منذ وقت الدراسة والتجنيد والعمل كان هو وأصدقاؤه يقيمون الحفلات الخاصة ويعزفون على آلاتهم الموسيقية .
ومن شدة تعلقه بالموسيقى سأله والده ذات يوم يعنى تعرف تلحن أغنية؟ وبمنتهى الثقة أجاب الطويل الصغير : طبعا .
فى نفس اللحظة اتصل بالموسيقار الكبير كمال الطويل بكل من الشاعر عبدالرحمن الأبنودى والشاعر عبدالوهاب محمد وطلب منهما استقبالى..
ويتذكر زياد الطويل أنه قام بتلحين كلمات للأبنودى وساعتها فقط اعترف كمال الطويل بموهبة ابنه وقال له عندما سمع اللحن : فكرتنى بلحن أغنية ليه خلتنى أحبك، التى تغنت بها الفنانة ليلى مراد .
ويقول زياد : كان والدى يشجع الموهبة الحقيقية .. ورغم أن هذه الأغنية لم تظهر للنور فإنها كانت بداية دخولى إلى عالم التلحين .. وكنت وقتها مازلت طالبا بالجامعة .. وفى العام نفسه طلب منى تلحين أغنية للفنانة أنوشكا فى أول ظهور لها مع ألبومها «حب زمان» وهو اسم الأغنية التى قمت بتلحينها من كلمات .....
ويقول مطلعها :
جى اللى دى تفكرنى بحب زمان
مش كنا نسينا واتعودنا على النسيان
إيه فكرك بيه .. إيه رجعك ليه
وللحب اللى كان .
وتم تسجيل الأغنية، وعندما طرح الألبوم فى الأسواق اتصل بى المنتج مهنئا .. وكان ذلك فى عام 1987 وسلمنى خمسمائة جنيه .. ورغم أنه لم يكن أجرا كبيرا، فإننى فرحت به جدا، فقد كان أول مبلغ أتقاضاه عن عملى كملحن .. وهنا لابد أن أذكر الشاعر الكبير مجدى نجيب الذى شجعنى ليس على التلحين فقط، بل الإنتاج أيضا، واستقلت من عملى كمحاسب وتفرغت للموسيقى .
ومازال الكلام لزياد الطويل : وبالفعل أقدمت على إنتاج أول ألبوم الذى حمل اسم «مش عارف» واخترت صوتا جديدا هو المطرب هشام نور الذى كان صوته تعبيريا أكثر منه طربيا، فهو يملك إحساسا عاليا، كثيرا ما نفتقده هذه الأيام .. وقد وضع كلمات هذا الألبوم الشعراء الكبار : مجدى نجيب، مجدى النجار، محمد حمزة، محيى حرار، عاطف شاهين، وناصر بيرم .
أما الأغنية التى حمل اسمها الألبوم «مش عارف» فهى من كلمات الشاعر مجدى النجار، ويقول مطلعها :
مش عارف ليه مشغول بيكى
مش عارف أفكر غير فيكى
مش عارف ليه كل ما بنسى
أرجع وافتكرك من همسة
أتارينى بحبك وأنا لسه
مش عارف ..
• محطات
ويتذكر زياد : فى يوم من الأيام وأنا أعبث بأوراق والدى عثرت على كلمات لأغنية لم يكن مدونا عليها اسم صاحبها .. أعجبتنى جدا .. وكانت مكتوبة على لسان رجل «مطرب» هو الذى سيغنيها .. ولكن عندما أخذت مكانى على البيانو .. وجدت نفسى ألحنها وكأن «امرأة» هى التى تغنيها .. وفجأة ودون أن أدرى ومستغرقا فى اللحن .. أفقت على والدى واقفا أمامى ومعه المطربة لطيفة .. ربما ارتبكت .. ولكن «لطيفة» طلبت منى أن أكمل وجلست تستمع .. وعبرت عن إعجابها الشديد باللحن، فقلت لها : ولكنى لا أعرف صاحب الكلمات .
وهنا تدخل والدى وقال : أراهن أنها للشاعر عبدالوهاب محمد .. واتصل به وقرأ عليه الكلمات .. وقال له ألا : تذكرك هذه الكلمات بشيء؟ فأجاب : هذه كلماتى وكنت قد أعطيتها لك لتلحينها ليغنيها عبدالحليم حافظ .
ومازال الحديث لزياد الطويل : وروى له والدى ما حدث ووافق الشاعر الكبير أن تغنيها لطيفة .. ويقول مطلعها :
حبك هادى
وأنا مليت الحب العادى
عايزة أكثر من كده قرب
عايزة أكبر من كده قلب
عايزة حب يهز فؤادى .
وانطلقت الأغنية على حنجرة لطيفة من قرطاج لتدوى فى أنحاء الوطن العربى وتحقق نجاحا منقطع النظير .
لم تكن هذه الأغنية الوحيدة التى قدمها زياد للطيفة، ولكن لحن لها أيضا أغنية «أنا متنسيش» للشاعر عبدالوهاب محمد :
أنا متنسيش
خليك هاجرنى ما يهمنيش
دانا فى خيالك
وبين آمالك
وجوه بالك
معاك بعيش .
بعد نجاح أغنياتى مع لطيفة .. فوجئت باتصال هاتفى من شقيق الفنانة الكبيرة وردة ومدير أعمالها وطلب لقائى .. وكان هذا أول لقاء لى مع وردة التى قدمت لى كلمات للشاعر أحمد شتا، تحمل اسم «هسهرك» ، وأغنية أخرى «كلام فى الهوى» طبعا كانت سعادتى بالغة، فوردة فنانة كبيرة وعظيمة .. وقتها لم أشغل نفسى بأى أعمال أخري، ولكنى تفرغت لهذين اللحنين وبعد سماعها لهما قامت على الفور بالتسجيل وحمل ألبومها اسم أغنية «هسهرك».. التى يقول مطلعها:
هسهرك واشغل بالك
وهحيرك وبقولها لك
ما هو زى قلبى ما سهرته
ما هو زى عقلى ما حيرته
هسهرك .. وهحيرك
من غير ما تدرى اللى جرا لك .
• صعب جدا
كنت قد التقيت بأنغام فى أكثر من مناسبة، ولكن لم يحدث أن تعاونا فنيا إلى أن اتصل بى الشاعر الجميل بهاء الدين محمد وأخبرنى أنه سوف يحضر إليّ وبصحبته كلمات لأغنية والمطربة أنغام .. وجلسنا وبدأت قراءة الأغنية .. واتجهت على الفور إلى البيانو .. والغريب أننى وضعت أول جملة موسيقية وبعدها الثانية والثالثة .. والأغرب أننى انتهيت من تلحين الأغنية فى الجلسة نفسها .. تقول كلماتها :
اتقابلنا وصعب جدا نفترق
مهما حيجرى
كل واحد فينا حس
إنه عشق من غير ما يدرى .
قام بتوزيع هذا اللحن الفنان الكبير الموسيقار عمر خيرت .. وكان لقاء يعتز ويفخر به الملحن زياد الطويل .
ويتذكر زياد الطويل : من الشخصيات التى أعتز وأفخر بها وأعتبره أستاذى هو أستاذ الموسيقى والهارمونى الذى تتلمذت على يديه «راجا ريس» وهو لبنانى مقيم بالقاهرة .. وطول عمرى نفسى أشكره .. وهو كان موزع أغانى أيضا وعازفا ماهرا .. وجاءتنى الفرصة عندما التقيت الفنانة أصالة .. وهو كان من عشاق صوتها .. وكنت قد لحنت لها أغنية «اسكت بقى» وهى من كلمات الشاعر وائل هلال .. وأغنية أخرى بعنوان «قلبى بيرتاح لك».. للشاعر أحمد شتا ... يقول مطلعها :
قلبى بيرتاح لك مشتاق
نفسى يلمح لك
لو يوم دقيت على بابه
من غير ما شرح لك
قلبى هيسمح لك
تبعت له كل أحبابه
لكن بشروط .. لو تعشق موت
وتشيل عن قلبى عذابه .
كان راجا ريس وقتها طريح الفراش وراقدا بالمستشفي، ولكن ولعلمى الأكيد أن توزيعه لهذه الأغنية بصوت أصالة سوف يسعده، فذهبت إليه فى المستشفى وطلبت منه توزيع هذه الأغنية، ففرح بشدة وطلب الأورج ووضعه أمامه على السرير وقام بتوزيع اللحن فى المستشفى .
وتوقف التعاون بين زياد الطويل وأصالة من عام 1998 إلى عام 2015 مع أغنية » بعدك عنى « كلمات الشاعر أحمد شتا .. تقول كلماتها :
بعدك عنى شغلنى .. كسرنى .. قتلنى
بعدك عنى بيسحب روحى منى
أنت ملكتى فاتنى آسرنى
ولسه بتزعل منى .
• أمر الهوى
هو اسم الأغنية التى لحنها زياد الطويل للفنان محمد منير .. عفوا .. التى قام بتلحينها ولم يكن يعرف مِنْ المطربين سيغنيها، مثل معظم ألحانه .. وهى من كلمات الشاعرة كوثر مصطفى .. التى اتفقت مع زياد على عرضها على محمد منير الذى سمعها وغناها ضمن ألبوم يحمل الاسم نفسه .
أمر الهوى
كيف ما الشمس واحدة
كيف ما القمر واحد
وكيف ما ربى وربك فى السما واحد
أمر الهوى قلبى
ما يشلش غير واحد .
وكثير من الأغنيات بنفس الطريقة .. يعثر الملحن على كلمات ثم يبحث عن مطرب يغنيها !
سألته : ألم يكن المطرب يجلس مع الشاعر، ويختار الكلمات، وربما يغير فيها، ثم يتصل بملحن بعينه يرى أنه هو الوحيد القادر على إيصال المشاعر .. ثم يغنيها؟ !
أجاب : كان زمان .. الآن المطرب يريد الأغنية جاهزة .. هو لسه هيدور على كلمات ويحس ويبحث عمن يوصل إحساسه .. هذا لا يحدث الآن !
لم يتوقف زياد الطويل عند تلحين الأغنيات، ولكن وضع الموسيقى التصويرية لمسرحية » الأميرة والصعلوك « التى قام بإخراجها وبطولتها الفنان الراحل نور الشريف .. الذى طلب من زياد بعد ذلك تلحين تيتر مسلسل » الدالى « كلمات الشاعر إبراهيم عبدالفتاح وغناء وائل جسار .. كما وضع موسيقى فيلمين تسجيليين .. ومسلسلات » جدار القلب « ، » دموع القمر « ، » الأدهم « ، وغيرها .
• عبدالحليم حافظ
يتذكر زياد الطويل : كان حليم الصديق الصدوق لوالدى وجارا له فى الزمالك، وكثير الزيارات لمنزلنا .. كنت طفلا صغيرا لم أتذكر الكثير ولكنهما كانا يدخلان حجرة البروفات ويظلان لساعات طويلة نسمع خلالها صوت الموسيقى ينبعث من الحجرة وكنت أنصت السمع .. وكان تعلقى بهما شديدا .. ومازلت طفلا توفى عبدالحليم حافظ، ولكنى كنت دائما أمر من أمام منزله .. وفى مرة من المرات وجدت سيارته الكابورليه ذات المقعدين واقفة وقد علا فوقها التراب .. وكان عمرى وقتها ستة وعشرين عاما، وكان حليم توفى منذ زمن فاقتربت من السيارة وأخذت أتفحصها، وكانت فى حالة يرثى لها، أحزننى المشهد، وذهبت إلى والدى وطلبت منه أن يشتريها لى .. وأتذكر أننى اشتريتها باثنى عشر ألف جنيه .. أخذتها وأعدت ترميمها وتطويرها .. ولكنى حافظت على شكلها، حتى إنها فازت بالجائزة الأولى فى معرض السيارات الكلاسيكية النادرة .. ومازلت محتفظا بها، فهى سيارتى حتى الآن .
وكما عشق زياد الطويل الموسيقى .. هوى الرياضة وكما يغوص فى بحر النغمات، يسبح أيضا فى النيل والبحر .. ويمارس رياضة التزلق على الماء وصيد الأسماك والطيور المهاجرة من أوروبا إلينا فى موسمها الذى يبدأ فى شهر نوفمبر من كل عام وحتى شهر يناير .
إنها رحلة موسيقية، رياضية اصطحبت فيها الملحن زياد الطويل .. ربما لم تكن طويلة، ولكنها كانت ثرية .. انتهت بزيارة لمنزل الموسيقار الكبير كمال الطويل .. هذا المنزل العريق الأنيق الذى كان يجلس فيه مع رفاقه الفنانين الكبار الذين أثروا حياتنا الفنية وشكلوا وجداننا .
ودعت زياد الطويل على وعد بلقاء نستمع فيه سويًا إلى والده الموسيقار الكبير كمال الطويل من خلال تسجيلاته الصوتية التى يحتفظ بها فى مكتبته الخاصة، لنقرأها سويا .. ونعيش من خلالها فى زمن الفن الجميل . •