الإثنين 30 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

السد العالى.. إبداع بسطاء مصر

السد العالى.. إبداع بسطاء مصر
السد العالى.. إبداع بسطاء مصر


أولى خطوات التنمية هى بناء السد.. لكن البنك الدولى والدول الغربية رفضوا بشدة تمويل بناء السد ونجحت الحكومة فى توفير تمويل محلى بعد التأميم وساهم الاتحاد السوفيتى فى بناء السد، وكانت مصر تفقد حوالى 34 مليار متر مكعب من المياه فى الوقت الذى كانت تحتاج إلى كل قطرة منها، وكانت معظم المشاريع المقترحة للتحكم فى مياه النيل قبل السد تقع خارج حدود مصر، مما يخضعها لظروف دولية لا يمكن التحكم فيها، ومن هنا جاءت فكرة إقامة سد ضخم على مجرى النيل عند أسوان يضمن احتجاز فائض المياه فى خزان ذى سعة كبيرة يستوعب كل الفائض عن الاحتياجات فى السنين القادمة، كما يضمن وجود رصيد كاف من المياه لسد العجز لو حدث.
 
التكاليف المبدئية للمشروع كانت تتجاوز 400 مليون جنيه، طلبت مصر فى البداية من البنك الدولى تمويل المشروع، وبعد دراسات مستفيضة للمشروع أقر البنك الدولى جدوى المشروع فنيا واقتصاديا، فى ديسمبر 1955 تقدم البنك الدولى بعرض لتقديم معونة لما يساوى ربع تكاليف إنشاء السد إلا أن البنك الدولى سحب عرضه فى 19 يوليو 1956 بعد ضغوط من إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
وهو ما دفع الرئيس عبدالناصر لتأميم قناة السويس عام 1956، والاستفادة من إيراداتها فى تمويل المشروع، واتجهت مصر شرقا نحو القطب الثانى فى العالم «الاتحاد السوفيتى» ووقعت اتفاقية فى 27 ديسمبر 1958، لإقراض مصر 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولى من السد.
وفى مايو 1959 قام الخبراء السوفييت بمراجعة تصميمات السد واقترحوا بعض التحويرات الطفيفة التى كان أهمها تغيير موقع محطة القوى واستخدام تقنية خاصة فى غسيل وضم الرمال عند استخدامها فى بناء جسم السد.
وفى 27 أغسطس 1960 تم التوقيع على الاتفاقية الثانية مع روسيا «الاتحاد السوفيتى سابقا» لإقراض مصر 500 مليون روبل إضافية لتمويل المرحلة الثانية من السد.
وبلغ إجمالى التكاليف الكلية لمشروع السد العالى حوالى 450 مليون جنيه.
• بداية العمل
بدأ العمل فى تنفيذ المرحلة الأولى من السد فى 9 يناير 1960 وشملت حفر قناة التحويل، والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة وصب أساسات محطة الكهرباء وبناء السد حتى منسوب 130 مترا، فى منتصف مايو 1964 تم تحويل مياه النهر إلى قناة التحويل والأنفاق وإقفال مجرى النيل والبدء فى تخزين المياه بالبحيرة.
وفى المرحلة الثانية تم الاستمرار فى بناء جسم السد حتى نهايته وإتمام بناء محطة الكهرباء وتركيب التوربينات وتشغيلها مع إقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء.
• جنى الثمار
فى أكتوبر 1967، انطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالى، وفى عام 1968 بدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد العالى.
اكتمل صرح المشروع فى منتصف يوليو 1970، وأقيمت احتفالية كبيرة حضرها الرئيس الروسى نيكاتا خروشوف.. وفى 15 يناير 1971 تم الاحتفال بافتتاح السد العالى.. حمى السد مصر من كوارث الجفاف والمجاعات نتيجة للفيضانات المتعاقبة شحيحة الإيراد فى الفترة من 1979 إلى 1987، حيث تم سحب ما يقرب من 70 مليار متر مكعب من المخزون ببحيرة السد العالى لتعويض العجز السنوى فى الإيراد الطبيعى لنهر النيل.. فى 19 يوليو 1956، امتنعت الولايات المتحدة عن تمويل مشروع السد العالى فى أسوان، وبعد يومين وصل رفض مماثل من بريطانيا ومن بنك التنمية والإعمار الدولى كان رفض واشنطن تمويل سد أسوان يهدف إلى الضغط السياسى على الحكومة المصرية فقد استاءت الولايات المتحدة من امتناع مصر عن الانضمام إلى حلف بغداد ومن سياسة عدم الانحياز التى انتهجها الرئيس جمال عبدالناصر، واستمرت المحادثات حول تمويل بناء السد سبعة شهور، وقد طالب الممولون مصر، مقابل ذلك، فيما طالبوها، أن تكف عن توقيع اتفاقيات جديدة مع الدول الاشتراكية بشأن إرساليات السلاح وفى نهاية الأمر أبلغوا السفير المصرى فى الولايات المتحدة بلهجة شديدة بامتناعهم عن تمويل بناء السد.
السد العالى هو سد مائى على نهر النيل فى جنوب مصر، أنشئ فى عهد جمال عبدالناصر وشارك السوفييت فى بنائه، ساعد كثيرا فى التحكم فى تدفق المياه والتخفيف من آثار فيضان النيل يستخدم لتوليد الكهرباء فى مصر، طول السد 3600 متر، عرض القاعدة 980 متراً، عمق القمة 40 مترا، والارتفاع 111 متراً، حجم جسم السد 43 مليون متر مكعب من أسمنت وحديد ومواد أخرى، ويمكن أن يمر خلال السد تدفق مائى يصل إلى 11.000 متر مكعب من الماء فى الثانية الواحدة..
ويعتبر السد العالى مشروعا متعدد الأغراض تشمل أهدافه أغراض الرى وتوليد الكهرباء وتحسين الملاحة والوقاية من الفيضانات وتأمين احتياجات الزراعة، فنجد أن للسد العالى فوائد اقتصادية واجتماعية وآثار على الدخل القومى وفى نفس الوقت للسد آثار جانبية، فالبداية من الفوائد الاقتصادية فنجد أن السد العالى نجح فى توفير المياه اللازمة للتوسع الزراعى فى مساحة جديدة تصل إلى نحو 3 ملايين فدان فى المدى البعيد، وتحويل أراضى الحياض فى الوجه القبلى إلى نظام الرى الدائم، ما يرفع التكثيف المحصولى لها، ونجح السد فى توفير المياه للمحاصيل الزراعية على مدار سنة، وحقق المرونة المطلوبة فى السياسة الزراعية بما يسمح بتغيير فى التركيب المحصولى دون تخوف من قلة الموارد المائية، ضمان زراعة 700 فدان أرز سنويا كحد أدنى ونحو 1.200.000 فدان كحد أقصى علاوة على الوقاية الكاملة من خطر الفيضانات العالية، وما يصاحب ذلك من وفرة فى التكاليف اللازمة لأعمال الوقاية السنوية، بالإضافة إلى طاقة كهربائية تقدر بنحو 10 مليار كيلو وات ساعة فى السنة مما يؤدى إلى التوسع فى صناعات كبيرة ويساعد فى كهربة الريف ويوفر نحو 2 مليون طن مازوت سنويا.
وقد أتاح نصيب مصر من هذه المياه، زيادة الرقعة المنزرعة بنحو 1.3 مليون فدان، كما أدى إلى تحويل رى الحياض إلى نظام الرى المستديم كما أدى لرفع إنتاجية المحاصيل الزراعية من خلال تحسين حالة الصرف وضمان مياه الرى فى الأوقات الملائمة للمحاصيل كما يتم توليد نحو 1.4 مليون كيلووات/ ساعة من المحطة الكهربائية التى أنشئت على السد العالى بتكلفة تقل كثيرا عن تكلفة محطة حرارية واحدة، وهى كمية من الكهرباء توفر على مصر قرابة 15 مليار جنيه سنويا فى الوقت الراهن كما تم تحسين الملاحة فى النيل سواء، لنقل البضائع أو لنقل السياح فى رحلاتهم النيلية، كما أدى إلى حماية مصر من أخطار الفيضانات المدمرة التى كان يتم تخصيص نحو 100 ألف مهندس وعامل لمواجهتها خلال شهور الفيضان.
وعلى الرغم من ضخامة الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التى جنتها مصر من وراء السد العالى، إلا أن دوره فى حماية مصر من دورات الجفاف الرهيبة يعد بحق المأثرة التاريخية للسد العالى، بالنظر إلى الآثار المرعبة لدورات الجفاف على البشر والزرع والثروة الحيوانية فى مصر.
وفى خلال سنوات الجمر من عام 1979 لعب السد العالى أعظم أدواره فى حماية مصر من جفاف كان من الممكن ألا يبقى ولا يذر لو لم يكن السد العالى قد بنى، وبالنظر إلى أن مخزون البحيرة كان 133 مليار متر مكعب عند مستوى 177.75 مترا عام 1979، ولنا أن نتصور حال الزراعة والصناعة فى مصر لو لم يكن السد موجودا يوفر لمصر من مخزون البحيرة هذا الكم الهائل من المياه على مدى سنوات الجمر التى اكتوت بها بلدان منابع النيل بينما لم نعان منها بفضل سدنا العالى ومخزون بحيرة ناصر.•