السبت 9 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فن الأفيش المبهر فى السينما المصرية

فن الأفيش المبهر فى السينما المصرية
فن الأفيش المبهر فى السينما المصرية


من منا لم يرتبط بأفيش فيلم معين، وظل عالقا فى ذهنه، ومن منا لم يرتبط بأفلام معينة من الأفيش نفسه قبل مشاهدة العمل، فهذا الفن البديع الذى لم يحظ باهتمام رغم أهميته والمجهود المبذول فيه لكى يكون واجهة جيدة للعمل، طل علينا الناقد السينمائى سامح فتحى بكتاب مهم يجمع من خلاله أفيشات السينما المصرية وبداية بحثه حولها وتطورات ومراحل فن الأفيش وأهميته،  فى السطور القادمة نعرض لكم الكتاب وأهم ما جاء به.

       • بداية الرحلة
يتحدث فتحى فى بداية كتابه عن رحلته مع الأفيش واهتمامة بالأفيش المرسوم بريشة الفنان عن الأفيش الحديث المصمم ببرامج الكمبيوتر، كما تحدث عن جمع هذه الأفيشات والمشقة التى تعرض لها سواء كانت مادية نظرا لأسعارها الباهظة التى يباع بها الأفيش القديم، إلى جانب الوصول إلى تجار الأفيشات، خاصة أن معظم هؤلاء التجار غير مصريين، فمنهم اللبنانيون والألمان والأمريكان والأردنيون، يتواصل معهم عبر شبكات الإنترنت ويتم شراؤها بأسعار باهظة نظرا لندرتها وقيمتها الفنية العالية.
كما ذكر فتحى عن سبب اتجاهه لهذا المجال وعشقه له قال: حدث ذلك وأنا طفل عندما كنت أسير مع والدى فى شارع عماد الدين فأجدنى مشدودا إلى تلك اللوحات الضخمة تأخذنى إلى عالم كبير ومدهش، الأمر الذى استهوانى وجعل للأفيش مكانة كبيرة فى عقلى وقلبى، فقمت بجمع بعض ما تيسر لى من أفيشات منذ الصغر وأحرص على ذلك وأقوم بترميمها لتبدو جديدة وجميلة، إلى جانب أننى شعرت بالغيرة خاصة من اللبنانيين والأمريكان وهم يحتفظون بأفيشات السينما المصرية ويتباهون ويتفاخرون ويتاجرون أيضا ويعرفون قيمتها جيدا، وهذا ما دفعنى - إلى جانب الهواية - إلى المحافظة على تراث السينما المصرية فى مجال الأفيش الكلاسيكى وليس الأفيش فحسب، بل اتجهت إلى تجميع ماكينات للأفيش المصرى للفنان جسور والفنان فاسيليو.
• أهمية وبدايات الأفيش
ظهرت الحاجة للأفيش عندما أراد صانع الفيلم أن يعلن عن سلعته بصورة جذابة تلفت الأنظار، وتنعكس على شباك التذاكر بالإيجاب، وكان لا يستطيع المشاهد أن يتعرف على أبطال العمل إلا بعد دخوله دار العرض، وهو الأمر الذى قد يجعل المشاهد يحجم عن ذلك الدخول لمجرد بعض العبارات عن رداءة العمل، إلى جانب أن البوستر هو إعلان تجارى فلا يجب أن ننسى أنه كذلك لأمر ملصق فنى ينتمى إلى مواصفات الفن التشكيلى أكثر من انتمائه إلى الفن السينمائى، وفى بعض الأحيان يدفع الأفيش بالشخص إلى البحث والقراءة عن الفيلم قبل مشاهدته، ومن العناصر التى تجعل الأفيش ناجحا أن يلخص دلالات الفيلم ومحتواه وأهم موضوعاته، ويشير إلى طبيعة الفيلم، ويعرف نجومه وأبطاله، وصورا فوتغرافية للشخصيات، وأهم الأحداث، أو قد يحتوى على رسومات تجريدية رمزية أو كاريكاتير، أو تصاميم، وكل ذلك يجب أن يتم التعامل معه بتقنيات فنية عالية، يقوم بها شخص متخصص يكون على علم بالفيلم ومضمونه وأهدافه وظروف صناعته.
• أماكن الأفيش
تعددت أماكن وضع الأفيش فتنتشر فى الشوارع، وفى السينمات، وأعلى الأماكن الإعلانية العامة والخاصة، وفى الصحف والمجلات والتليفزيون، ووسائل النقل، وقد اعتمد الأفيش السينمائى حتى السبعينيات على التصميم ورسم اليد، وكذلك على مهارة الخطاطين، قبل أن تلتهم التكنولوجيا صناعة الأفيش بأكمله وتقدم تلك الصناعة بصورة حديثة مختلفة مضيئة ومتحركة تعتمد على فوتوغرافيا اللقطة وتجسيم الوجوه والأجساد، مما أدى إلى ضمور هذه المهنة وجعل رساميها وخطاطيها يتم إهمالهم بعد ما عاشوا حياتهم يرسمون ويبتكرون أفيشات سينمائية كانت سجلا حيّا وفريدا لمسيرة طويلة مع السينما، وقد أفرزت برامج الكمبيوتر أنماطا جديدة من الأفيشات ليست لها علاقة بالصلة الحميمة التى كان يخلقها الأفيش المرسوم باليد مع المشاهدين.
• عدم اهتمام
على الرغم من الأهمية الكبيرة للأفيش، لم تهتم المؤسسات المصرية المختلفة بتكريم الأفيشات الجيدة تكريمًا يليق بمبدعيها، وظل منح الجوائز والأوسمة لفنان الأفيش شيئا نادرا، وقد ظهر فن الأفيش فى العقود الأولى من القرن الثامن عشر فى فرنسا متزامنا مع ظهور الرسومات فى الجرائد والمجلات، وأصبح فنا حائطيا له دوره وقواعده فيما بعد، ثم انتقل بعد ذلك إلى باقى أوروبا وعبر المحيط إلى أمريكا، وأصبح إحدى ركائز التسويق والإعلام الأمريكى، وهذا الفن بدأ يتبلور ويأخذ أرقى أشكاله فيما يعرف بأفيش السينما، وهى تلك الصناعة التى طورت هذا الفن بشكل قوى وحصرى، مما دفع الكثير من رواد الفن التشكيلى للدخول إلى مجال الأفيش مثل بيكاسو ودالى وشاجال.
• تطور الأفيش
الأفيش فى السينما المصرية شأنه شأن نظيره فى السينما العالمية، مر بمراحل وتطورات ومنعطفات مهمة منذ أن ظهر إلى الآن، وقد انتظم فن الأفيش بأربع مراحل: الأولى مرحلة بداية الأفيش، والثانية مرحلة تطور الأفيش، والثالثة مرحلة ازدهار الأفيش، والرابعة مرحلة التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، وإذا شرحنا أكثر عن هذه المراحل والسمات الخاصة بها فنجد أن المرحلة الأولى وهى بداية الأفيش والتى تضم عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى مثل أفلام «كفرى عن خطيئتك» (1933) و«يحيا الحب» ( 1938) و«دنانير» (1940)، كانت أفيشات هذه الأفلام من النوعية البسيطة لا تكاد تحمل أية لمسات جمالية، على الرغم من جودة هذه الأفلام الفنية، وكان الأفيش عبارة عن ورقة إعلانية تتضمن صورة بسيطة لبطل أو بطلة العمل.
أما بالنسبة للمرحلة الثانية وهو تطور الأفيش فكانت فى فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى وواكب ذلك تطور فن السينما، ففى أفيش فيلم «غرام وانتقام» (1944) تظهر فكرة رسم اسم العمل داخل قلب بلونين لكل كلمة مواكبة لطبيعة العمل، حيث جاءت كلمة «غرام» باللون الأخضر لتدل على الحب والتفاؤل، بينما جاءت كلمة «انتقام» باللون الأحمر لتدل على روح الثأر والدماء.
أما مرحلة الدقة والتقنية فى الأفيشات وهى المرحلة الثالثة فقد بدأت مع فيلم «أحمر شفايف» (1946)، فنجد الفنان يلجأ إلى فكرة جديدة فى رسم الأفيش وهى إعطاء البعد للوحة من خلال الشخصيات التى تبدأ فى بداية المشهد برسم كبير لبطلة العمل سامية جمال، تليها صورة أصغر لنجيب الريحانى، ثم رسم أصغر لزوزو شكيب، وفى فترة الستينيات والسبعينيات كانت مرحلة وصول الأفيش لقمة الحرفية التى تضارع الأفيشات العالمية، فنلاحظ أفيشات هذه الفترة تتميز بالجمع بين مهارة الرسام وعبقرية المصمم وعمق الفكرة، يجعل مشاهد الفيلم يخيل أحداثه ويتعايش مع طبيعة العمل من كوميديا أو تراجيديا أو دراما مأساوية، فهذا ما يلاحظ فى أفيشات أفلام «قيس وليلى» (1960) و«نهاية الطريق» (1960)، و«المراهقات» (1960).
المرحلة الأخيرة كانت فى بداية الثمانينيات وحتى الآن وهى مرحلة التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، وقد حلت الصور الفوتوغرافية محل الأعمال الفنية اليدوية فى كثير من أفلام تلك المرحلة، خاصة فترة التسعينيات، إلى درجة أنه لم يعد من المقبول أن يمثل الأفيش المصنوع يدوياً الأفلام الحديثة، وهذا نال من جودة الملصق الفنى، وأصبح الأفيش الحديث على الرغم من اختلافه جماليا عن القديم يمتلك فكرة تكشف روح الفيلم دون أن تحرق موضوعه، ومن أفيشات هذه المرحلة أفلام «الرغبة» (1980) و«عيون لا تنام» (1981)، و«الراقصة والطبال» (1984)، «وآخر الرجال المحترمين» (1984) و«الإنس والجن» ( (1985) و«شمس الزناتى» (1991).
• الرقابة
شهدت الأفيشات المصرية فترة طويلة من الحرية فى التعبير خاصة فى الستينيات والسبعينيات، ولم تكن الأفيشات تخضع للرقابة الرسمية بصورة كبيرة نظرا، لأنها لوحات تعبر عن وجهة نظر صانعها، ولكن كانت هناك رقابة أشد من الرقابة الرسمية، تلك هى رقابة المجتمع التى كانت من الممكن ألا تقبل أفيشا لجرأته أو خروجه عن أعراف المجتمع.
وفى الوقت الحالى هناك عبارة صارت ترمز لمضمون العمل الذى به مشاهد عاطفية شديدة، وهذه العبارة هى «للكبار فقط»، وتأمر الرقابة بوضعها على نماذج الأفلام التى تحتوى بعض المشاهد العاطفية، فنجد تلك العبارة فى أفلام مثل «كلمنى شكرًا» (2010) للمخرج خالد يوسف، وفيلم «رسائل بحر» ( 2010).
•الحقبة اليونانية
تطرق أيضا كتاب «فن صناعة الأفيش فى السينما المصرية» إلى الحقبة اليونانية لأنها صاحبة الفضل فى وصول فن الأفيش إلى قطاع كبير، لأنهم كانت لهم علاقة قوية بفنى التصوير والرسم، ومن هذا المنطلق بدأ هؤلاء الذين كانوا فى البداية يتركزون فى الإسكندرية فى مواكبة ذلك الفن الحديث، وهو فن السينما الذى جاء إلى مصر بعد انطلاقة مباشرة من باريس فى ديسمبر 1985، فكان أول عرض سينمائى فى مقهى «زوانى» بالإسكندرية فى يناير 1896، وتبعه أول عرض سينمائى فى القاهرة فى 28 يناير 1896. •