الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

د. أحمد مجدى حجازى: على الدولة التوقف عن سياسة موائد الرحمن مع الشباب

د. أحمد مجدى حجازى: على الدولة التوقف عن سياسة  موائد الرحمن مع الشباب
د. أحمد مجدى حجازى: على الدولة التوقف عن سياسة موائد الرحمن مع الشباب


مع بناء مصرنا الجديدة وكلنا أمل وحماس, يواجهنا واقع اجتماعى ملىء بالمتغيرات، جعلتنا نتساءل عما وصلنا إليه.. فهل مازلنا الشعب الطيب، الكريم، والعظيم فى نفس الوقت الذى بنى حضارته فأصبحت طاقة نور للبشرية كلها؟ وهل مازال هذا الشعب ينحت فى صخر الحياة ليكمل خطى أجداده.. أم أصبحنا مجرد مسوخ امتلأت بهم صفحات الحوادث بأبشع الجرائم وأغربها حتى وصلت إلى داخل الأسرة  المصرية!!
هذه التغيرات الاجتماعية داخل الأسرة أفرزت المجرم، والإرهابى، فكان لابد من الوقوف عندها لرصدها وتحليلها فالأسرة هى ما ستبنى الغد الذى نحلم به.. لجأت لعالم الاجتماع السياسى الدكتور أحمد مجدى حجازى فبعين الخبير يستطيع أن يشرح لنا واقعنا الاجتماعى، فهو العميد السابق لكلية الآداب جامعة القاهرة، ورئيس مجلس إدارة مركز بحوث الخدمة الاجتماعية وتنمية المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية، والخبير بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، خاصة أن له رؤية وهى وضع السياسات برؤية اقتصادية واجتماعية وسياسية جنباً إلى جنب لتحقيق منظومة متكاملة قادرة على إنجاح البلد.
• صباح الخير: بخبرتك فى مجال علم الاجتماع ما هى التغيرات التى طرأت على الشخصية المصرية وأسبابها؟
- الشخصية المصرية كأى شخصية فى أى مجتمع، تتميز بطابع شخصى يميزها، لوجود ثقافة عامة فى كل مجتمع خاصة، وهناك بعض الثقافات النوعية التى تختلف من مكان لآخر ككل المجتمعات البشرية.
والشخصية المصرية تتأثر بمتغيرات العالم حولها، خاصة المرحلة التى نمر بها الآن فهناك ثقافات عابرة وواردة بشكل أساسى، واستراتيجيات مختلفة لصياغة استراتيجيات معينة تقوم بتصديرها بعض الدول للعالم للتأثير عليها.
وهناك أيضاً ثورة الاتصالات التى أدت لتغير فى عقول البشر وتغير فى المنظومة القيمية للمجتمع التى تشكل الوجدان البشرى.. فملامح الشخصية تغيرت نتيجة لكل ذلك على مستوى الشخصية، والعقلية المعنوية، والمادية، وظهر ذلك فى سلوكيات الأفراد بشكل عام والعلاقات بين البشر، سواء داخل، أو خارج الأسرة.
خاصة أن عندنا تفاوتًا اجتماعيًا رهيبًا يتزايد بشكل فظيع نتيجة للسياسات الداخلية والخارجية، التى لعبت دورًا فى تشابكها، وأدت إلى كما قال رمزى زكى «وداعاً للطبقة الوسطى».. مع أنها صمام الأمان، والميزان الحقيقى التى تتمثل فيها القيمة الحقيقية للمجتمع، والمواطنة والهوية، والانتماء، التى اختفت واختفت معها أشكال المنظومة القيمية، والأخلاقيات، واستبدالها بأخلاقيات انتشرت على مستوى العالم من خلال وسائل الاتصال الحديثة والعولمة وما لها من تأثيرات ثقافية، التى أصبحت الإطار الحاكم للعلاقات بين البشر والدول وبعضها البعض.
•وكيف أثر التغير الاقتصادى على الجانب الاجتماعى والعكس؟
- الواقع الاقتصادى الصعب أثر مباشرةً على الشخصية المصرية فاختلفت، وظهرت الأفعال والسلوكيات التى لا تتخيلين أنها تنتمى للشخصية المصرية، وأدت للتباعد الاجتماعى حتى ما بين الوحدات الصغيرة كالأسرة، فالجيل الجديد منعزل عن الأجيال السابقة، بل متناقض معها لحد كبير، وساعد المناخ السائد فى ذلك فالأزمات التى واجهت الأسرة أدت للبحث عن فرص تنامى الدخل، وأصبح الرجل والمرأة يبحثان عن أعمال أخرى.. عمل واثنين وثلاثة لسد احتياجات الأسرة، وأدى ذلك لارتباك وعشوائية فى التفكير.
•وما هو دور النخب فى مواجهة أزمات المجتمع المصرى؟
- القضية الأساسية هى تزايد الهوة بين النخب والجماهير، ونحن من خلال علم الاجتماع السياسى دائماً نجد النخب تفكر بعقلية تختلف عن القاعدة، حتى فى الحركات الاجتماعية على مدى التاريخ المصرى تجدين المصالح السياسية هى التى تشكل فكر النخبة، بينما المصالح الاجتماعية تشكل فكر البسطاء من الناس.
• علم الاجتماع رفاهية فى عيون الساسة
•وما الذى يعوق التنسيق بين الاقتصاد والسياسة من جهة وبين الفكر الاجتماعى عند رسم السياسات؟
- العالم كله يرى سياسات الحماية المدنية من خلال التنمية المستدامة والأمن الإنسانى بشكل أساسى، ولكن للأسف هذا هامشى بالنسبة للساسة فى الوضع المصرى، بدليل أن بعد الثورتين لم يهتم الساسة بالجانب الاجتماعى على المستوى السياسى، وهناك فصل تام ما بين الاعتراف بعلم الاجتماع كعلم حقيقى، وبين التنفيذ، قد يكون لأنه علم نقدى لحد كبير فتبتعد عنه النخب السياسية وتخشى منه، فعندما عملوا لجنة الخمسين للدستور لم يكن فيها أحد من علماء الاجتماع، وكذلك كل المؤسسات المختلفة، على عكس أى مجتمع متقدم، فالعلاقات بين البشر بشكل عام تؤدى لمعوقات أساسية فى وجه تنفيذ الاستراتيجيات، ولكن الواقع الحقيقى أن الساسة تعتبر الأخذ بعلم الاجتماع نوعا من الرفاهية الفكرية يستمع لها فقط.
• طب وهندسة.. وبس
• ولماذا هذا الإغفال لدور علم الاجتماع خاصة أن الثورة قامت لأهداف اجتماعية؟
- هناك عدم اعتراف بالعلم الاجتماعى وكأنه هامشى حتى فى فكر الناس والبسطاء عندما يريد واحد من أبناء الأسرة دخول كلية أدبية يطلقون عليها كليات القاع، فالمفروض يا هندسة ياطب.. مكس فيبر رجل اقتصاد شغله الأساسى كان علم الاجتماع، ابن خلدون كان له فكر اجتماعى ويتكلم عن الحضارات وعن التغير الذى يحدث على المجتمعات والبعد السياسى على «نحل المعاش» وهو الاقتصاد لأنه فى النهاية لصالح الإنسان وعلاقاته الاجتماعية، ونشأت المجتمعات البشرية على أساس هذه العلاقات التى تنشئ فكرة النظم وأهمية الضبط اجتماعى والإعلام والوعى، لذا نحن نحتاج أن نعيد صياغة الفكر العربى وتكون هناك إرادة سياسية، والثورات عندنا فى المجتمع المصرى عادة لا تكتمل وتأخذ وقتًا طويلاً جدًا لتزول الفجوة بين البعد السياسى والاجتماعى.. ولذلك لما بيكتشفوا أن مصالحهم ليست هى مصالح النخبة ينفضون وتختفى الثورة وإنجازاتها الحقيقية، وهو ما حدث عندنا الآن الثورة قامت فى توحد شديد سواء فى 30 يونيو أو 25 يناير نتيجة الظروف التى مرت على الشعب المصرى ونتيجة الشباب الواعى وتعامله مع وسائل الاتصال الحديثة لخوفه من بطش السلطة، ولكنها لم تكتمل إلا بالجماهير، ولكن بدأت فكرة التناقضات والصراعات وأولويات كل فريق، فتجدين الأحزاب السياسية لحد كبير هشة حتى التى كانت لها أصول فى المجتمع المصرى مش قادرين يتفقوا بسبب الصراع على السلطة وعلى الساسة الوعى بهذه القضية والبحث عن حلول بديلة ليتحول المجتمع إلى ثقافة شعبية تؤدى لعملية إنتاجية حقيقية لأن بدون الإنتاج لن أن نواجه الارهاب.
الدول تقوم على التدريب وليس التعليم
•ماذا تقصد بوجوب توقف الدولة عن سياسات موائد الرحمن؟ وهل ينحصر ذلك فى إلغاء الدعم؟
- القضية ليست قضية الدعم، فالمشكلة الأساسية تتمثل فى المثل الصينى: «اعطنى صنارة ولا تعطنى سمكة»، للأسف ثقافة العمل تتلاشى فى التراث المصرى، تهدمى القصور وتبنى مكانها أبراجًا، وكذلك كل المجالات على هذا الشكل، عندنا تناقض وعدم تنسيق وعشوائية لا ترتقى لمستوى التقدم البشرى وتعزيز الهوية والعمل والإنتاج، ففى وقت الثورة كنت أخرج فى وسائل الإعلام أناشد وأكتب «ياريت مسيرات للمصانع والإنتاج» أدعو الطلبة للعمل فى المصانع فالمهم كيف نستفيد من ملامح الشخصية الأصيلة وحماس الشباب فى الإنتاج، لكن أعطى فقط كموائد الرحمن هذه ثقافة «عمرها ماهتودينا فى مكان» ولم تبتث نجاحها فى أى دولة فى العالم.
• لك رأى فى محو الأمية والبحث العلمى فى مصر وأنه قائم على الكم وليس الكيف؟
- محو الأمية بنتكلم عنه من زمان ونصرف عليه هل حلت الأزمة باولو فريرو قال إيه أهمية واحد عنده 60سنة عشان أعلمه يكتب اسمه ويقرأ؟ فالدول لا تقوم على التعليم بقدر ما تقوم على التدريب..فنسب التعليم تزيد وهم «لا يتعلمون صح» فالمهم الكيف، وليس الكم.. هى القضية.. فالدراسات العليا اد كده وكلها بنات! السبب قد يكون السبب العنوسة، أو التعطش للحرية، وترفض أن تعود للبيت بعد فترة أربع أو خمس سنوات، فى الجامعة، مع أن البحث العلمى يحتاج دأبًا فى العمل.
•كيف أحمى الجيل الجديد من التطرف الفكرى والدينى؟ وكيف أشركه فى بناء المجتمع؟
 - للأسف فقد الجيل الجديد بوصلة الهوية بشكل عام، واختفت القدوة، وحلت محلها وسائل الاتصال الحديثة ومنها ما هو من الخارج، وهو ما أفرز التطرف والجماعات، والأخطر أنه نشأ بين الشباب والدولة أزمة ثقة، وهى قضية خطيرة، ودائما عندنا الصوت العالى هو ما يجذب، فبالتالى الدولة عندما تقول نهتم بالشباب ونعمل لكل وزير نائب، وهو ما ليس قائماً على دراسات علمية حقيقية.. فمن أين تعلم هذا الشباب خبرة الإدارة الحقيقية؟! فهو من الخبرات والتعليم على أيدى الكبار وأخذ الخبرة وإثبات النجاح من التجارب المختلفة فى العالم، لكن أن يكون التعيين «بغض النظر» عن الكفاءة ويكون المؤهل الوحيد أنه شاب! إذاً المسألة شكلية فقط للأسف محتاجين نهتم بهم فى إطار دورات إدارة فى الخارج يتعلمون، ويكون فيه احتكاك بثقافة الإدارة. ولا أتبع أيضاً مع الشباب ثقافة موائد الرحمن.. أعطى له لقمة «وخلاص»! •