
رشدى ابو الحسن
سيرة ذاتية وكتاب فى التاريخ: أقدام زكى عبدالقادرعلى الطريق
أصدرت هيئة قصور الثقافة – والأدق أنها أعادت طبع – كتاب محمد زكى عبدالقادر «أقدام على الطريق»
وما أكثر ما تعيد هذه الهيئة، طباعة لآلئ من كتب، نفدت منذ وقت بعيد وتقدمها للأجيال الجديدة. والقديمة أيضا فى نفس الوقت.
وكثيرون لا يعرفون اليوم، من هو زكى عبدالقادر، والذى يصدر هذا الكتاب، فى ذكرى رفاته السابعة والثلاثين.
والكتاب صدر فى الستينيات من القرن الماضي، يروى كاتبه فيه سيرة حياته، فى الفترة التى تمتد من تخرجه فى كلية الحقوق سنة 1926، إلى ثورة 1952.
وربما أكون قد قرأت هذا الكتاب ساعة صدوره، أو قرأته وهو يكتبه فى حلقات فى صحيفة الأخبار، فما زالت فى الذاكرة أصداء باقية، وأنا أقرأ الطبعة الجديدة.
وحين قرأته الآن، فكأننى أقرأه لأول مرة. كنزاً من المعلومات والبيانات والوقائع والخبرات الشخصية والأحداث العامة، والهمسات الدقيقة، ونجوى النفس، وإحباطات شاب فى العشرين من عمره، يخوض غمار الحياة، يريد أن يحقق ذاته وسط أهوال.
إنه يروى كيف شق طريقه، بعد حصوله على ليسانس الحقوق، ولم يكن الذين يصلون إلى هذه الدرجة كثيرين. ولكن لم يكن حصولهم على وظائف أو فرص عمل شيئا سهلا فى تلك السنوات العجاف.
وسنمضى معه فى طريقه، الذى يسير عليه بقدميه، يوما بيوم. وتختلط سيرة حياته بمسيرة وطنه، وكأنهما وجهان لعملة واحدة.
سنقرأ التاريخ السياسى والثقافى والفكرى والاجتماعى لمصر فى تلك الفترة التى تمتد ثلاثين عاما، من خلال هذا الشاب، الذى تختلط الأحداث العامة بحياته، ونراه وهو فى قلبها، يتحرك بعين ترى الظاهر والخفى، وقلب يخفق مع كل تقدم عام، ويهتز لأى تراجع، ويتأمل القوى السياسية المتصارعة وخططها المعلنة وغير المعلنة.
ويربط هذا كله، بما يحدث له وهو يمضى يحاول أن يثبت نفسه، وليس له سند من ثروة أو جاه أو عائلة كبيرة.
خطبة عبدالعزيز فهمى
منذ السطور الأولى للكتاب، يدخل بنا إلى الساحة السياسية العامة، فمصر سنة 1925، وهو طالب فى السنة النهائية بالحقوق، هى السنة التى أعقبت نجاح الوفد بأغلبية ساحقة، فى أول انتخابات نيابية، بعد ثورة 1919، ويتآمر الإنجليز، وينجحون فى إبعاد سعد زغلول عن الحكم، ويتولى زيور حكومة مدعومة من القصر والإنجليز، تجرى انتخابات، يكتسحها الوفد أيضا فيحل القصر مجلس النواب بعد ساعات. ويحكم الأحرار الدستوريون وبعض المستقلين ضاربين عرض الحائط بإرادة الشعب وبالدستور.
وتندلع أزمة كتاب الشيخ على عبدالرازق، ويصر القصر على فصل الشيخ من الأزهر. ولكن عبدالعزيز فهمى وزير العدل في الحكومة، لا يقر ما انتهت إليه مشيخة الأزهر. فيصدر الملك فؤاد قرارا بإبعاد عبدالعزيز فهمى.
وتندلع أزمة تهز أرجاء مصر، دفاعا عن الدستور، الذى كانت تضعه الحركة الوطنية فى مرتبة مساومة للاستقلال وربما أكثر، كما يشرح المؤلف بالتفصيل.
ويعرف وهو طالب فى السنة النهائية، وهو مع زملائه مستغرقين فى الاستعداد لامتحان آخر العام، إن حزب الأحرار الدستوريين، سيعقد مؤتمرا سيخطب فيه عبدالعزيز فهمى..
ويسعى للحصول على تذكرة لحضور المؤتمر وينجح فى مسعاه.. ويصف لنا المؤتمر كأننا نحضر معه، لخطة مهمة من تاريخ مصر الحديث، ونشاهد ما يجرى بأعيننا. وكيف جاءت خطبة عبدالعزيز فهمى، كأنها قنبلة زلزلت مقاعد الحكم تحت الوزراء. فهذا الرجل الضئيل الحجم يصرخ موجها الاتهام للقصر، الذى يخططون له، ويصرخ «حنانيك يا نشأت» يعنى حسن نشأت رئيس الديوان، ويدوى التصفيق يهز الأرض، لأنه يشير إلى المتهم بالاسم فى جرأة نادرة، وكأنه بكلمته يعلق الجرس فى رقبة القط.
«وكأن صوت 14مليونا هم أهل مصر يصرخون معه»..
يوم بيوم
سيرة ذاتية بديعة، تستحق الخلود لما تمتلئ به، من دقة فى التحليل، وموضوعية فى الاستنتاج، وصدق نادر فى التعبير عن نفسه ودوره، دون ادعاء أو زهو، أو تطاول ومحاولة لتقييم الآخرين.
إنها شهادة صدق على النفس والآخرين
كتاب مدهش فى صياغته والقالب الذى وصف فيه بهرنى وشغلنى أياما عن كثير من الاهتمام وأثار شجونى.
كم أود أن تتاح قراءته للشباب وغيرهم. فإنه سيمس وترا حساسا لديهم، ويوقظ لديهم فضيلة التمسك بالأمانة والاستقامة وعزة النفس والثقة فى انتصار الحق.
ومن المؤكد أنه لم يجلس، فى أخريات عمره، ويجهد ذاكرته فى استعادة ما مر به عبر السنوات الطويلة من أحداث، لابُدَّ أنه يكتب مذكرات يومية. وإن لم تكن يومية فبعد وقوعها بوقت قليل.
وما فعله عندما بدأ يكتب، هو قراءة هذه اليوميات، ثم إعادة كتابتها فى أسلوب غاية فى البساطة والجمال. وحين يصف لحظة مرت عليها عشرات السنين. يذكرها بتفاصيلها وأسماء الحاضرين وماذا قال كل منهم. وما كان يدور فى داخل نفسه. كأنها حدثت من نصف ساعة.
مثل هذه المواقف تتكرر فى كل صفحات الكتاب.
ألفت نظرك إلى أننى أرى أن مثل هذا الكتاب، ما كان ليصدر بهذه القوة والوهج، لولا أن صاحبه، كان يعنى بتسجيل خواطره وأحداث حياته يوما بيوم..
حقا إنها فضيلة، لو اعتدنا اكتسابها. وبالنسبة لى فإنى أحس بالندم فإنى لم أنتبه إلى أهمية هذا النهج.
فحين يكتب:
وإنى لأذكر مساء يوم، والباعة ينادون على جريدة البلاغ، أن لمح فى خاطرى شيء يشبه الأمنية، أن تكون لى جريدة ينادى الباعة عليها. ولكن هذا الخاطر كان أشبه بومضة البرق لم يستمر إلا ريثما مضى. هل كان هذا إيحاء بالمستقبل الذى اختاره القدر لى»..
هل يمكن أن تبقى مثل هذه الومضة حية، بكل هذا التفعيل كل هذه السنوات.
المهم عرفنا فيما بعد، أن هذا الخاطر الذى مر به وهو صبي، تحقق بعد سنوات من تخرجه، بإنشائه مجلة «الفصول» التى استمرت من سنة 31 إلى سنة 58 ولا يتسع المجال للحديث عن مجلته تلك ودورها وسط النخبة المصرية.
أو نقرأ له، بعد عودته إلى قريته، بعد حصوله على الليسانس «وفى ليلته الأولى فى بيته فى الريف، استعاد ذكرياته فى المدرسة الابتدائية والثانوية، فى عدة صفحات، وبتفصيل دقيق الكثير من الأحداث، المسابقات التى شارك فيها، المدرسون وعلاقاتهم بالتلاميذ بالتفصيل. زيارة الملك فؤاد للمدرسة وما جرى فيها دقيقة بدقيقة وهكذا، كأنه يروى ما حدث له منذ ساعات قليلة.
وهذه الملاحظة لم تفت على الدكتور زكريا الشلق، أستاذ التاريخ المرموق الذى كتب مقدمة دقيقة تناول فيها الكتاب وتاريخ صاحبه.. وقال إنه بهذا التسجيل، فإن كتابه يُعد وثيقة تاريخية بامتياز..
تاريخ حى
تنفتح الستارة أمامنا على مسرح يموج بالأماكن، أماكن متنوعة: ديوان حكومى، مقر صحيفة، وزارة، مكتب محامٍ، قريته فرسيس بالشرقية، دوار بيتهم الذى كان مقرا للعمودية على عهد جده، كلية الحقوق، حى الحسين، حيث قضى أيام الدراسة وغيرها.
وعشرات بل مئات من الشخصيات، وزراء وباشوات وحكام، وصحفيون من مختلف المراتب، من رؤساء تحرير وكتاب كبار ينادى الباعة على أسمائهم كعلامة على الصحيفة، وعمال مطابع وأدعياء. وفلاحين فقراء كادحين وآخرين أغنياء وموظفين من أدنى السلم إلى أعلاه وسعاة، مراتب أيضا. وهناك ساعى المدير وساعى الأرشيف وكل هذا العالم ن يرسم زكى عبدالقادر صورا دقيقة لأفراده، وأعماق نفسياتهم، ومظهرهم، أنك تعرفهم من سنوات.
وتكاد ترى كل نجوم المرحلة، مثلا: سعد زغلول، مصطفى النحاس،عبدالعزيز فهمي، محمد على علوبة، توفيق دوس، زيور باشا، يحيى إبراهيم، حسين رشدي، كامل البنداري، إسماعيل صدقي، عدلى يكن، عبدالخالق ثروت، أمين على منصور، على الشمس، محمد محمود باشا، لطفى السيد، الشيخ المراغى، على إبراهيم، عزيز ميرهم، عبدالحميد بدوى، مكرم عبيد، ويصا واصف، مرقص حنا، نجيب الغرابلى، عبدالرحمن الرافعى، حسن نشأت، أمين الرافعي، فكرى أباظة. الدكتور هيكل، دسوقى أباظة، محمود عزمي، وهيب دوس، عبدالقادر حمزة، محمد محمود خليل، كريم ثابت، حافظ عوض، الملك فؤاد، المندوب السامى، العقاد، طه حسين، مصطفى عبدالرازق، على محمود طه، إبراهيم ناجى.. وعشرات وعشرات.
يتوقف أمام كل شىء، بعين تدربت على الملاحظة، وعقل تدرب على التحليل.
أذكر لك مثلا عن الأماكن، يكتب عن كلية الحقوق:
يا لمجد هذه الكلية، بطلبتها وأساتذتها وتاريخها العجيب المديد. نحن الآن فى السنة النهائية.
لم يبق على تخرجنا إلا أسابيع. ولكن ما أعظم ما أحببت هذه الكلية وما أعمق ما تركت فى نفسى من أثر. رأيت فيها حسن يس-من زعماء طلبة الوفد – على السور الخارجى والطلبة مجتمعون حوله، يستمعون له وهو يقرأ خطاب سعد زغلول إلى عبدالخالق ثروت، بلثغته المعروفة وصوته العاصف قول سعد زغلول لعبد الخالق ثروت، ردا على طلبه الاحتكام إلى الأمراء لفضل ما بين الرجلين من خلاف، أمامك المنابر فاعلها، إن وجدت سميعا، أمامك الصحف فاكتب فيها إن وجدت قارئا. أما الاحتكام إلى الأمراء، فشرف لا يناله إلا الأكفاء». ورأيت وسمعت طلبة الحقوق تستطيرهم الحماسة فإذا أكفهم يدميها التصفيق. رأيت الحماسة للزعيم كيف تصبح كأنها رعد عاصف وقوة لا تقف فى وجهها قوة»
ثم يقدم لك أساتذته واحدا واحدا، وزملاءه فى الدفعة فردا فردا، وبمناسبة ذكر سعد زغلول، فإن له عند صاحب المذكرات مكانة عالية، يذكره بإعجاب وتقدير وإيمان بزعامته.
وقد استمع إليه ثلاث مرات، وهو يخطب، وبهر بشخصه وفصاحته وشجاعته،
حضر جنازته المهيبة، وانهمرت دموعه، وهو الذى وصفها لجريدة السياسة التى كان يعمل بها آنذاك يتكرر اسمه فى كثير من المناسبات بإجلال، يكتب عنه «إن زعيما وخطيبا له شخصية متسلطة وقوة ذاتية لا تقاوم. اختاره الشعب زعيما ورئيسا روحيًا، بل جعل له من المكانة ما هو ابعد من ذلك كله» ويقول «كنت مؤمنا بزعامة سعد زغلول وإن لم أكن فى يوم من الأيام من حزبه، ولكن شجاعته التى غلبت كل شىء ومضاء نظرته وتهدج صوته وارتفاع هامته، حتى كأنه عملاق والحوادث من حوله أقزام»
وبنفس الاحترام والاعتراف بالمكانة، يتحدث عن الدكتور محمد حسين هيكل، الذى يعود له فضل كبير فى تغيير الصورة التى كانت عليها الصحافة والصحفيون من هوان، ويصف أول لقاء به «كان يجلس وراء مكتب تكدست عليه الأوراق، بينما هو بنظارته السميكة وجسمه النحيل ووجه الذى اختلطت فيه سمات الريف الأصيل، بما أضيف إليها من ثقافة باريس»
ورسمه لشخصية الشيخ مصطفى عبدالرازق، يربط فيه بين عراقة أسرته ودورها فى الحياة العامة، والسجايا الشخصية العميقة، التى يشعر بها من يلتقى به لأول مرة.
إن كل الصور التى رسمها بقلمه لعشرات من المشاهير وغير المشاهير، الذين شاركهم واحتك بهم، تتسم بالدقة والإنصاف والموضوعية.
سترى فيها – مثلا – وجها آخر، لإسماعيل صدقى، الذى لا ترى فيه الحركة الوطنية إلا عدوا لأحلامها. وزكى عبدالقادر يعرف خطاياه ويدينها.ولكنه لا ينكر أن فيه جوانب إيجابية، وبالذات فى تعامله الشخصى المهذب مع الآخرين، وقدرة على الإدارة والحسم.
رئيسا للتحرير
وبالنسبة لى فقد دهشت – وأنا أعرف لأول مرة من هذا الكتاب، أن زكى عبدالقادر عمل رئيسا لتحرير جريدة الشعب، التى أنشأها إسماعيل صدقى.
ولم يبرر هذا. ولكن شرحه بالتفصيل. وهو أنه كان مسئولا عن الجانب الصحفى والفنى والثقافى فى الجريدة. أما السياسى والكتابات التى تطعن في الوفد، فكان يتولاها آخرون. وفى ترويثة العدد مكتوب اسم «المدير السياسي» الذى كان يتولاه عبدالمجيد نافع.
ويؤكد أنه طوال عمله فى الشعب والسياسة لسان الأحرار الدستوريين، لم يكتب سطرا واحدا فى تأييد سياستهم.
المرة الوحيدة ربما، عندما وجد رئيس الحزب متحيرًا فى اختيار عنوان للمقال السياسى يردون به على الوفد، الذى شن حملة ضارية على إسماعيل صدقى الذى كان يجرى مفاوضات مع الإنجليز، لم يره الوفد أنه أهل لها، ووصفه أنه مجرد «ساعى بريد» وانتشر هذا الوصف، وأصبح سائدا فى وصف حكومة الدستوريين.
وبعد أن قرأ زكى عبدالقادر المقال، اقترح عنوان «نعم ساعى بريد ولكن تتقطع دونه رقابكم» فانشرح رئيس الحزب قائلا ده أنت عفريت يا زكى.
ويعيد هو مؤكدا لنا، هذه هى المساهمة الوحيدة.
إن أهم ما فى هذه السيرة القيمة فى تقديري، هو شرحه المتصل، كيف حافظ على استقلالية رأيه، وانشغاله بالجانب الصحفى والفني، وبعده عن المهاترات الحزبية، طوال عمره منذ شبابه فى صحف الأحرار الدستوريين والسعديين وإسماعيل صدقى.. ولا يستطيع أحد أن يقول إنه من «الأحرار الدستوريين» ولكنه يوافق على بعض سياستهم، وكل إسهامهم فى الدفاع عن حرية التعبير والرأى وقضايا النهضة والتحرر الفكرى.
ستجد نموذجا، لمعنى التمسك بالرأى المستقل، والدفاع عن القانون، وأن يكون هناك دستور يدافع عنه الجميع..
بعد تخرجه فى الحقوق، سار على أربعة طرق فى نفس الوقت؛ الوظيفة الحكومية فى ديوان وزارة الأوقاف، والصحافة فى جريدة السياسة أولا، والدراسات العليا فى القانون، ثم المحاماة، وأضاف إليه إنشاء مجلة خاصة به كما أسلفنا.
كان يومه مقسما بين هذه الميادين الأربعة. وما أوسع البون بين كل منها والآخر فالعمل الحكومى له تقاليده الصارمة، التى تتعارض مع الحرية التى اعتادها، وكراهية التزلف للرؤساء التى تحداها. ولكن المرتب مضمون. أما الصحافة والسياسة بالذات، فهى هواه وميوله منذ أيام المدرسة.وجد فيها نفسه. ولكن العمل الدائم ليس مضمونا.
ولكنه قضى عدة سنوات، غارقا لأذنيه فى هذه المجالات الأربعة. وكان يكسب كل يوم خبرة ويتقدم خطوة.
وسترى بالتفصيل صورة دقيقة للعمل فى دواوين الحكومة، والمعاناة والمرارات التى تجرعها.
صحافة زمان
وصورة أخرى للعمل فى الصحافة، فى تلك الفترة بالذات. حيث لم تكن الصحافة بعد، من المهن المحترمة. وكان هو من أوائل خريجى الجامعة الذين التحقوا بالصحافة، فقليلون باستثناء الكتاب والمحررين الكبار كانوا جامعيين.. وسجل كيف عاصر مع رواد عظام، ذكرهم بالاسم، أرسوا تقاليد ومتطلبات، تكون عليها الصحافة، والتى جعلت الصحافة فى وقت قليل، مهنة يهفو إليها المثقفون والمتعلمون ولها كل الاحترام.. ولا ينسى فى أول لقاء له مع الدكتور محمود عزمى، أنه أبدى سروره، عندما عرف أنه حاصل على ليسانس فى الحقوق، فقد أحس أنه دعم للمهنة، وعرف فيما بعد، أنه يفعل هذا، لأنه كان «صحفيا بدمه وقلبه وأعصابه»
ومن الخيوط البارزة فى هذه السيرة أن صاحبها كان سخيا فى عرض الدروس التى تلقاها من خبراته، يقدمها إلى غيره، وهو يعلم فى نفس الوقت أن أحدا، لن يتوقف عند هذه الدروس وبالذات من الشباب، ففى الغالب أن الإنسان يتعلم من تجاربه.
مر وقت من الأوقات، بضائقة مالية، لم يكن أمامه غير محاولة طلب قرض من أصدقائه، وفوجئ برد جاف ورافض، واعتصره الألم. ومن هنا توصل إلى نتيجة:
«قد يكون الصديق أقرب إليك من كل الناس، فإذا طلبت منه شيئا من المال، قرضا حسنا، يتبين لك أنه أبعد الناس عنك» ومثل هذه الدروس تملأ الكتاب..
وبهذه السيرة الجميلة والمفيدة، أقدم لك كاتباً من ألمع كُتاب القرن الشعرين وأطيبهم قلبا ونفسا ووطنية لا ترفع صوتها فقط بالهتاف نموذجاً للمواطن الصالح.
وحين تقرأ مسيرته، ستصدقه حينما يكتب:
«لم أعتد فى حياتى أن أسعى إلى شىء. كل ما نالنى من خير أو شر جاءنى وأنا ساكت، ساكن، لا أنتظر شيئا، ليس فى حياتى خطة معينة. وليست لى أهداف أو مطامع أسعى إليها ويؤرقنى التفكير فيها. وربما كان هذا خيرا وربما كان شرا. ولم يكن هذا أيضا يعنينى. كانت فلسفتى بسيطة جدا وأعتقد أنها رابحة جدا. أعمل وأعمل ثم لا أشغل نفسى بشىء آخر، ليس فى طبعى أن أدس أو أتآمر أو أكره أو أحقد ثم يحركنى الحقد والكره إلى العمل. لست أزعم أننى لم أحقد ولم أكره. كلا إن فى ما فى كل إنسان من نوازع ولكن كنت إذا شعرت هذا من نفسى أسخر منها وأحاول أن أدفعها عن هذا الشر»
إنى بهذا العرض أعرفك على كتاب مفيد وقيم، ومكتوب بأسلوب ما أجمله وما أبسطه وستكسب كثيرا أن تضمه إلى مكتبتك.•