الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
«نيوز رووم».. إعلامهم أسوأ من إعلامنا

«نيوز رووم».. إعلامهم أسوأ من إعلامنا

يُخطئ من يظن أن ما نراه على الشاشات المصرية هو حالة خاصة بنا هنا فى المحروسة، واقع الأمر أننا لم نع بحق مفهوم «القرية الصغيرة» التى تجعل الحدود وهمية فى الكثير مما يتعلق بمستجدات العصر الحديث.أولها الإعلام ويتوازى معه التكنولوجيا، ومشاهدة مسلسل مثل «نيوز رووم» أو «غرفة الأخبار» تؤكد أن معظم ما نعانيه هنا فى الإعلام المصرى يعانى منه الجمهور الأمريكى من إعلامه الذى يتباهى أنه الأكثر تطورا على مستوى العالم، قد يكون ذلك صحيحا تقنيا، أما مهنيا أو أخلاقيا، فما «أسخم من سيدى إلا ستى» كما يقول المثل الشعبى المصرى، الأمر لا يعنى أيضا أننا نقارن بين مصر وأمريكا فقط، فى كل دولة الآن نفس الأزمات الإعلامية، لكن ربما يكون الفارق بين ما يحدث فى «مدينة الإنتاج الإعلامى» و«القناة المتخيلة فى المسلسل» أن بعض أبطال «غرفة الأخبار» اتخذوا قرار مصارحة الشعب بالحقيقة ويجاهدون من أجل بث الأخبار التى تستحق فقط حتى لو ضحوا بنسب المشاهدة.رغم مرور أكثر من عام على انتهاء عرض الموسم الثالث والأخير من مسلسل «غرفة الأخبار» للكاتب الأمريكى المحترف فى هذا المجال أرون سوركين، لكن إعادة مشاهدة المسلسل الذى حقق انتشارا كبيرا تسمح باكتشاف الكثير مما يدور فى كواليس صناعة الإعلام حول العالم، وليس فى أمريكا فقط، فكما ذكرنا فإنه لم يعد من الممكن فى زمن تسيطر فيه مراكز القوى على سياسات كل دولة أن نفرق بين استخدام الإعلام فى دولة من دول العالم الثالث واستخدامه فى أقوى دول العالم أو كما يظن سكانها وهو عكس ما يؤمن به بطل المسلسل الإعلامى «ويل ماكفوى» وجسّده باقتدار الممثل الأمريكى «جيف دانيال» الذى افتتح الحلقة الأولى وهو يصرخ فى وجه طالبة بإحدى الجامعات الأمريكية وجهت سؤالا فى ندوة جمعت «ماكفوى» وثلاثة آخرين من قادة الإعلام، كان السؤال «ما الذى يجعلك تعتقد أن أمريكا هى أفضل دولة فى العالم»، ليرد المحاضرون بالإجابات التقليدية عن الحرية التى تمنحها أمريكا لسكانها دون تمييز، عن الفرص والتعددية فى بلاد العم سام، أما ماكفوى فيرد أن دوره الوطنى كمحب لهذه البلاد هو ذكر عيوبها أمام الجميع، وأنه لا يرى أمريكا أفضل بلد فى العالم حاليا لكن يمكن أن تكون إذا تخلصت من هذه العيوب، لتقوم الدنيا عليه لأنه قال الحقيقة.. ويعود «ماكفوى» من هذه المحاضرة وقد قرر أن يغير سياسة برنامجه التحريرية تماما.• سلاح التجسسوسط الصراع بين فريق عمل برنامج «أخبار المساء مع ويل ماكفوى» ومُلاكى المحطة ومصالحهم المالية والسياسية، يستخلص المشاهد غير الأمريكى بسهولة أن ما يجرى فى الكواليس هنا وهناك لا يختلف كثيرا، بل قد يكون لدى الأمريكان ما هو أسوأ، فالدولة التى تدعى أنها الأقوى والأقدر والأكثر تأثيرا، مليئة بالعنصرية وتحكم الأحزاب فيها المصالح المادية فقط، والديمقراطية ما هى إلا سلم للوصول للحكم، لكن مع فارق أساسى بين إعلامهم الأسوأ وإعلامنا السيئ، أن كل الألاعيب تجرى هناك وهى محمية شكلا بالقانون، بمعنى أنه يمكن لأى وسيلة إعلامية أن تضحك على العقول، تمرر قصصا مفبركة، تدعم وقائع تافهة، تخفى حقائق مهمة، لكن مع الحفاظ على الشكل المهنى والإطار القانونى، على سبيل المثال، قام نجل مالك المحطة بالتجسس على فريق العمل، من أجل الإيقاع بويل ماكفوى وطرده.. الطرد يحتاج إلى مبرر أمام الرأى العام، كان الحل هو التجسس على المكالمات من أجل الحصول على سر يتم نشره لتشويه سمعته، وبمجرد أن علم «ماكفوى» ورفاقه بالأمر، هددوا المالك بتقديم بلاغ ضده وهو ما سيؤدى حتما إلى حبسه الأمر الذى جعل الصراع يتراجع لفترة سُمح فيها لفريق البرنامج بأن يقدم العديد من القضايا الساخنة.• حدّث ولا حرجقارن ما سبق مع الوضع هنا، نعم هناك تحكم من رأس المال، هناك أيضا يتجسسون على بعضهم البعض، لكن هنا يمكن لأى صاحب قناة أن ينهى تعاقد أى إعلامى دون حتى إبلاغ الجمهور، بل يطلق ضده الشائعات وربما يكشف عن الأجر الذى يحصل عليه دون إذنه، ويكشف عن نسب المشاهدة، أما التجسس فحدّث ولا حرج، فقد كان مالك المحطة يتجسس من أجل تسريب الأخبار لمجلة فضائح يملكها هو أيضا، لكن بالتأكيد لم يكن ليجد أى وسيلة إعلامية تجرؤ على بث التسجيل الصوتى لإحدى المكالمات كما حدث فى مصر، وبمجرد علمه بأنه قد يتعرض للسجن توقف فورا لأن القانون هناك ينفذ على كل ما يفشل فى تفادى بنوده ولا استثناءات ولا استشكالات ولا تنازلات تجعل عديمى المهنية يستمرون على الشاشة بدرجة أعلى من التبجح.• نادٍ صحى مشاهدة المسلسل من مقاعد الصحفيين لا المشاهدين، ستكشف عن فروق بين إعلامنا وإعلامهم لا تتعلق هنا بالأهداف، وإنما بالتفاصيل المهنية، حيث لكل برنامج فريق عمل مستقل داخل وخارج مقر المحطة، متفرغ تماما، يحصل على مرتبات مجزية، مقر القناة نفسه به نادٍ صحى للعاملين بها، كل فرد متخصص فى مجال بعينه، هناك اجتماع يومى لتحديد الأجندة، عدد ساعات العمل لا تقل عن عشر يوميا، مع احترام الويك إند، وكلها طبعا تقاليد وأعراف قلما نجدها فى الإعلام المصرى وربما العربى أيضا.• دراما بجد أما على مستوى الدراما، فلدينا مسلسل مكون من ثلاثة أجزاء، أكثر من 80% من المشاهد تم تصويرها فى مكان واحد هو «غرفة الأخبار»، إجمالى عدد حلقات الأجزاء الثلاثة 25 حلقة، حوالى 25 ساعة درامية، أكثر ما يساوى مسلسل رمضانى مصرى امتدت حلقاته حتى نهاية عيد الفطر، لكن العمل فى «غرفة الأخبار» بدأ قبل التصوير بثلاث سنوات على الأقل، عرض المسلسل بدأ فى 2012 وانتهى فى 2014، الحلقات يتم عرضها أسبوعيا، الكثير من المشاهدين حول العالم يهرعون للحصول عليها مجمعة لأنها غير متوافرة عبر الإنترنت، تأثير العمل يظل قائما لسنوات عديدة مقبلة، قارن كل التفاصيل السابقة بما يحدث فى الدراما المصرية والعربية، ستكتشف أنه إذا كان إعلامهم أسوأ من إعلامنا، فإن الدراما هناك  أفضل كثيرا من الدراما هنا.•