الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الحـوار الأخيـر لأول قاضيـة مصريـة

تهانى الجبالى: مصر على الطريق الصحيح

لا سبق فى الموت، ولكن شاء الله أن تختصنى المستشارة تهانى الجبالى بحوارها الأخير الذى أرادت الأقدار أن يُنشر بعد وفاتها ليكون تأبينًا لها.



المستشارة تهانى الجبالى - أول قاضية مصرية، سيدة نبيلة، طالما تبنت قضايا المرأة ودافعت عنها. لم تكن تعلم المستشارة تهانى الجبالى حين تخرجت فى كلية الحقوق عام 1973 أنها ستكون أول سيدة مصرية تحمل ميزان العدل، وأن اسمها سيُخَلد فى التاريخ المصرى كأول نائب لرئيس المحكمة العليا، وأنها ستفتح الباب أمام أجيال من السيدات المصريات لامتهان السلك القضائى.

خاضت معارك شرسة فى فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية، وانتصرت، لتضرب لنا نموذج المرأة القوية الدؤوبة. حدثتها قبيل وفاتها بأسابيع قليلة، وتجاذبنا أطراف الحديث فى حوار عادت فيه إلى بدايتها، من طنطا - مسقط رأسها، وتحدثت عن والدتها ووالدها وعائلتها، وتذكرت أول قضية تحكم فيها، كما أعلنت عن رأيها فى مكتسبات المرأة بعد 30 يونيو، وكيف ترى الخطوات التى تخطوها مصر الآن؟

حدثينا عن دور العائلة والنشأة التى دعمت المستشارة تهانى الجبالى للوصول إلى كل هذه المناصب؟

- البيئة الاجتماعية مهمة جدًا فى حياة الفرد، وتنمية قدرات الأطفال من شأنها تغيير مستقبلهم إلى الأفضل، وأنا نشأت وتربيت فى طنطا بين أب وأم فى غاية التفهم والانضباط، فوالدتى كانت من الرعيل الأول فى وزارة التربية والتعليم وتدرجت حتى وصلت إلى درجة وكيل وزارة، وفى نفس الوقت كانت راقية جدًا على المستوى الاجتماعى والوطنى، وقد تطوعت فى الحرس الوطنى وقت العدوان الثلاثى على مصر فى 56،، وكانت تضعنا دائمًا فى الأحداث الجارية وتفهمنا ما كان يحدث حولنا، وعلى الرغم من أن عمرى كان آنذاك 6سنوات فقط، لكن  كان لذلك تأثير كبير على شخصيتى، فتعلمت من والدتى المحاربة حب الوطن.  ولا أنسى أنى شاهدتها فى هذا العمر الصغير أثناء العدوان الثلاثى ترتدى ملابس عسكرية، وقالت إن مصر فى وقت صعب، ولا بد من الوقوف بجوارها ومساعدتها، وكانت ترسل رسائل لشقيقها فى أثناء تواجده على الجبهة فى حرب الاستنزاف نصها: «مُتْ شهيدًا أو عِشْ حُرًا كريمًا»، فكانت قدوتى الأولى.

ولا أنسى والدى أيضًا الذى كان شديد الاستنارة، فلم أشعر أبدًا بالتفرقة فى المعاملة بينى وبين إخوتى الذكور، وكان دومًا يعطينى إحساس الثقة بالنفس، مما جعلنى قوية، وكانت له بصمات فى حياتى الدراسية عندما وافق بأن أعيش فى القاهرة بمفردى بعد قبولى فى كلية الحقوق، وطالما شجّعنى على الاهتمام بحياتى الثقافية، وأن أرتاد المسارح والمتاحف، فلم يشعرنى بالقيود وكان يحترم اختياراتى.

من خلال تجربتك مع الأب المستنير، والزوج السند.. هل ترين أهمية وجود رجل مستنير فى حياة المرأة حتى تنجح وتبدع؟

 - هذا حقيقى، فأنا محظوظة بوجودى فى محيط رجالى مشجع ومستنير، فأبى وزوجى، وأيضًا إخوتى كانوا جميعًا سندًا وليسوا عائقًا، وهذا بالنسبة لى أمر عظيم ساعدنى فى تحقيق آمالى وأحلامى، أيضًا زملائى فى الجامعة وأصدقائى فى المحاماة والقيادات التى شاركت معهم فى الحياة السياسية كانوا داعمين لى، فلم أعان من تعصب الرجل ضدى بقدر ما أثبت لهم أنى ند قوى فاحترمونى. 

وهذا درس لأى سيدة، فعليها ألا تتصور أنها محاطة بنظرة دونية وأنها أقل من الرجل، فعندما تثق فى نفسها سيرفعها الجميع فوق رؤوسهم، فمفاتيح الأمان للمرأة هو نجاحها وتقديرها لذاتها. وهذه تجربتى المباشرة لأنى كنت سيدة وحيدة فى مجتمع رجالى سواء فى نقابة المحامين واتحاد المحامين العرب، وفى المحكمة الدستورية العليا. 

ما سر معادلة نجاح المرأة فى موازنتها بين عملها وبيتها وتربيتها لأولادها؟

 - أهم شىء هو ألا تقع فريسة الثنائيات المغلوطة فى الرأى العام؛ إما أن تكون ست بيت تهتم بأولادها، أو تكون امرأة عاملة ناجحة فى العمل العام، فهذه الثنائيات خطرة جدًا تدفعها للعمل فى الاتجاه الأحادى، فما المانع من امتلاكها لقدرات تجعلها تنجح فى عملها، وفى الوقت نفسه ربة أسرة ناجحة ومواطنة لها حقوق وواجبات ومشاركة فى الحياة المجتمعية.

 ومنذ اللحظة الأولى آمنت بهذه المعادلة وضرورة ألا يطغى دور على الأدوار الأخرى، والحقيقة أنى لست وحدى، فهناك مئات النساء اللاتى يطبقن هذه المعادلة وبالفعل نجحن فى جميع أدوارهن.

أى المناصب أقرب إلى قلب المستشارة تهانى الجبالى: القاضية، المحامية، الأم والجدة؟

- لا أستطيع أن أميز بين أى دور منهم، لكنى أعتز بكونى مواطنة كاملة الأهلية، وأنى مارست دورى فى الحياة كإنسانة مؤمنة بنفسى وذاتى وقدرتى على التفاعل فى محيطى العملى والاجتماعى والوطنى، وأم وجدة تشارك فى التربية وبناء الأجيال.

لقد كنت أول امرأة تعمل كنائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا، فى رأيك.. هل استطاعت المرأة الحصول على حقوقها ومكتسباتها كاملة بعد 30 يونيو؟

- بالطبع بعد 30 يونيو هناك إرادة سياسية واضحة للرئيس عبد الفتاح السيسى مساندة للمرأة، وفى عهده حدث تطور متمثل فى التمثيل النسبى للمرأة فى السلطة التنفيذية، فأصبح لدينا وزيرات، ومستشارة لرئيس الجمهورية لشئون الأمن القومى السفيرة فايزة أبو النجا، وأصبح لدينا نسبة 25 % من مقاعد البرلمان للسيدات، فهناك انتصار للمرأة من القيادة السياسية، وهناك اهتمام لتطوير حالتها، وبالتالى فهى دعوة لكل الدوائر المجتمعية بالالتزام للإرادة السياسية ونصوص الدستور.  وأنا أعتقد أن هذه فرصة للمرأة بأن تأخذ حقوقها وتستخدمها بدلًا من أن تتحدث عنها فقط، وأن تثبت وجودها وتنجح فى كل المجالات لأن ذلك فى حد ذاته هو دليل على أنها موجودة، فلا يكفى أن نردد دائمًا مقولة: «عاوزين..عاوزين»، لكن لابد أن يشعر المجتمع بخطوات المرأة الفاعلة، وذلك لن يأتى إلا بالتزام المرأة نفسها وتطوير قدراتها وتقديم نفسها بشكل محترم على المستوى الشكلى والموضوعى فى أى مجال.

تعليقك على مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى السماح للمرأة بالعمل فى النيابة العامة ومجلس الدولة؟

 - لقد تأخر كثيرًا قرار عمل المرأة فى النيابة العامة والقضاء، فهذا حقها المشروع أسوة بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون، وبالتالى كان تدخل الرئيس السيسى للمطالبة بوجود المرأة فى مجلس الدولة والنيابة العامة هو تطبيق للنص الدستورى. والحقيقة أن الرئيس دائمًا ما ينتصر للمرأة، وهذا يتضح جليًا من خلال قراراته المتعددة التى تأتى فى صالحها.

حدثينا عن تلامذتك فى القضاء، هل نستطيع القول إن منهن خليفات لتهانى الجبالي؟

- بالطبع هناك الآن أجيال من الزميلات الرائدات، وخاصة بعد فتح المجال فى النيابة العامة ومجلس الدولة، والآن هناك قاضيات يترأسن المحاكم أثبتن وجودهن، والجمهور يتعامل معهن بمنتهى الرقى، والتجربة تثبت نفسها مع الأيام. وبالفعل تعينت هذا العام فى المحكمة الدستورية العليا د.فاطمة الرذاذ، والمستشارة شيرين فرهود كرئيس هيئة المفوضين، وستدور العجلة لأن التاريخ لا يعرف التراجع للخلف. 

لقد حصلت على عدة أوسمة ودروع تكريم، منها: درع الأمم المتحدة للعمل الاجتماعى؛ ما مقومات العمل الاجتماعى، وكيف تستطيع القوى الناعمة المشاركة به؟

- هناك تطور فى العمل الاجتماعى، لكنه ما زال دون المستوى المطلوب، والسبب هو عددنا الكبير الذى وصل إلى أكثر من 100 مليون مواطن مصرى.  والعمل الاجتماعى هو مكمل للخدمات الحكومية، وبالتالى الإيمان به ضرورى، فلابد من تواجد عدد أكبر من الجمعيات الأهلية وهذا دور القوى الناعمة التى من شأنها المساهمة فى التنمية المجتمعية والثقافية والاقتصادية، فدور المجتمع الأهلى والتعاونى مهم جدًا يحتاج إلى الاهتمام بشكل أكبر، وحتى على المستوى التشريعى.

كنتِ محاربة شرسة لجماعة الإخوان الإرهابية فترة وجودهم فى الحكم، كيف ترين مصر الآن بعد أن تخلصت من مخططهم؟

 - الحمد لله أن الشعب المصرى بمساندة جيشه استطاع أن يوقف المخطط الجهنمى الذى كان موضوعًا لنا من قبل الجماعات المعادية للدول العربية، فهذا التنظيم فاشى وعميل للغرب، وهو تنظيم دولى محكوم بأجهزة مخابرات كانت تريد أن يكون عاموده الفقرى فى مصر، وعندما استطاعت مصر أن تسقطه فى عام واحد؛ سقط فى باقى الدول العربية. ومن يقرأ التاريخ جيدًا، يعى أن مصر طالما هزمت كل المخططات التى أحيكت لها. وسيعرف العالم كله الانتصار الذى حققته مصر وجيشها عندما يرون أن هذه الجماعة الإرهابية سقطت ولن تقوم لها قائمة مرة أخرى. فأمان مصر هو أمان المنطقة العربية بأكملها.

بما أنك قارئة واعية بالتاريخ.. كيف تثمنين خطوات مصر على طريق الإصلاح والبناء؟

 - مصر الآن ماضية فى خطواتها نحو الأمام، وبالتأكيد هناك إنجاز كبير، وهى فى مرحلة نهضة كبيرة على جميع المستويات، ونحن فى مرحلة بناء؛ يد تبنى والأخرى تحمل السلاح. والوطن الآن فى حالة تحدى على جميع المستويات، وفى الوقت نفسه هناك فتح لآفاق المستقبل من خلال إعادة بناء البنية الأساسية، والاقتصادية، وبناء المستقبل أمام الأجيال القادمة، وأيضًا تطوير قطاعات حيوية ومهمة، مثل: التعليم والصحة والإسكان، والأهم أن كل هذه الإنجازات يتوجها الحرص على الأمن القومى.