الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إنهم يقتلون الكاريكاتير.. أليس كذلك؟

يااااه.. أخيرا.. افتكرتونى يا ولاد ال.... والا بلاش.



للوهلة الأولى قرر أن يتصل بالمحامى ويطلب منه رفع قضية غش وتدليس حيث إن المتهم قد قرر بعد قتل القتيل أن يمشى فى جنازته. .. وبدأ فى كتابة  الديباجة التى تبدأ بخطبة عصماء. وتنتهى بمثل شعبى قح «تلهيك واللى فيها تجيبه فيك».

يالله.. بعد كل هذا تتساءلون أين اختفى فن الكاريكاتير ؟

بعد أن أصبح الرقباء على فحص الرسوم الكاريكاترية وإجازتها للنشر أكثر من رسامى الكاريكاتير أنفسهم؟

لكم تمنيت أن أوزع على هؤلاء بيان تعريفى بفن الكاريكاتير والدور الذى لعبه على مر الزمان والدور الذى يستطيع أن يقوم به ليقرأه هؤلاء الرقباء ثلاث مرات قبل النوم.

ولكن.. هؤلاء الرقباء معذورون تماما.. فالكاريكاتير يسبب الرعشة وتخبط الأرجل فى بعضها.. فمابالك لو كان  هذا الكاريكاتير سياسيا.. ويعرض رأيا مختلفا يدفع من خلاله القارئ للتفكير وخلق مساحات من الجدل؟

لقد جرجرونى فى المحاكم  يا سعادة  القاض.. أقصد يا سعادة القارئ بمليون تهمة. بدءا من  أننى فن محرض على الرفض والمعارضة وانتهاء بأننى أشجع على الرذيلة والكفر والفسوق والعصيان. لقد كانوا يدعون على الرسامين بأسمائهم  ويلعنونهم  كل صباح من فوق منصة اعتصام رابعة يا باشا.. هم أنفسهم الذين حملوا رسوماتهم على الأكتاف فى  قلب ميدان التحرير فى ثورة 25 يناير 2011.

سعادة القارئ.. لقد أصبح الجميع يكرهوننى. ويتجنبوننى ويخافون منى.. ومن الآخر كده.. مش عاوزين وجع دماغ.. لقد ضيقوا على فى فترة حكم السادات وقطعوا لقمة عيش كل من يتجرأ  ويرسم ضد انفتاح السداح مداح أو ضد الفساد أو معاهدة كامب ديفيد. وفى عهد مبارك حاولوا إخصاء فن الكاريكاتير وإيهامك ـ عزيزى القارئ ـ بأن فن الكاريكاتير هو فن ضاحك هايف. قائم على التهريج والاستعباط فقط ومالوش دعوة بالسياسة عشان ده كلام الناس الكبار . بل حاولوا إقناعك أن رسام الكاريكاتير لا يملك عقلا يفكر به ويحتاج دائما لمن يملى عليه الأفكار ليقوم برسمها هو فيما بعد كأى بهويجى محارة . ضيقوا المساحات على كل ما هو مختلف وأفردوها على طول اتساعها لكل رسام موظف موديوكر يقول نعم ونعمين وثلاث نعمات.. بعد أن أفسدوا المهنة وجعلوا على قمتها البهويجية والأرزقية والموالسين وأصابوا الرسامين الأصليين بالاكتئاب والموت كمدا بعد أن شاهدوا بأم أعينهم رسم الكاريكاتير وقد أصبح مهنة من لا مهنة له.

أصبحت الصورة هى الوريث الشرعى لمساحات الكاريكاتير فى الصحف والمجلات. ويا سلام لو كانت صورة نجمة سينما مستلقية فى سعادة على بلاج البحر. أو صورة لاعب كرة قرر الانتقال من ناديه لناد آخر  «من أجل حفنة دولارات»  أما الكاريكاتير.. يا حفيظ. الكاريكاتير محتاج وقت ووجهة نظر ورأى. وإجازة من رقيب التحر... عفوا مدير التحرير.. إنه فن مشاغب يخربش ويعض .. ويعرى الجميع.

هاهااا.. ضحك الكاريكاتير بسخرية وتحسس قفاه وتذكر تلك المرة التى أطبق فيها رئيس تحرير إحدى الإصدارات بيده الغليظة على قفاه بعنف وصاح بأعلى صوته بنشوة وانتصار «الكاريكاتير ده مرفوض». كم أكره هذه الكلمة . لماذا لا تأخذ حبوب الشجاعة وتسمى الأشياء بأسمائها. الكاريكاتير ده مرعوب منه.. أو حتى الكاريكاتير ده حيودينى ف ستين داهية ويبوظ عليا السبوبة. لكن فى النهاية الكاريكاتير «مرفوض».. ثم تناول  بعدها قلم فلوماستر عريضا من على سطح مكتبه ورسم به علامة إكس كبيرة بعرض وطول الصفحة. الغريب أنه انطلقت من صدره بعدها أهه طويلة  ثم لمعت بعدها عيناه بشدة و ابتسم فى سعادة.  وكأنه وصل لخط النهاية بعد ماراثون طويل وعلى صدره حسناء شاهبة تتمدد بجواره فى السرير.

ياالله.. لهذه الدرجة تتساوى متعة رفض كاريكاتير مع أروع متع الحياة؟

ذات يوم وصلت للكاريكاتير رسالة من مجهول. سمع ثلاث دقات على الباب وكان الوقت متأخرا. فتح الباب ووجد على عتبته صندوقا خشبيا. وبرغم تحذير الأصدقاء الدائم له بعدم فتح أى رسالة مجهولة وخاصة بعد التهديدات المزعجة التى وصلته أخيرا. إلا أن حماقته انتصرت فى النهاية – كالعادة – وقرر فتح الصندوق. وفى الصندوق وجد القنبلة التى طالما حذروه منها. «إياك أن تظهر مرة أخرى. أو تحاول إبداء شجاعتك فى موقف ما. إياك أن تثير الجدل. أو تحرض أو ترفض أو تحاول أن تمنع. أو تقول لا.. إياك أن .. إياك ألا تقول نعم.

نحن فى زمن تحديات. نخاف عليك من السير حافيا . قد يدخل تحديا فى قدمك لا سمح الله ونضطر وقتها لعمل مالا ترضاه. نخاف عليك فلا تصدع رؤوسنا بأنك جزء مهم من القوى النعام.. أقصد الناعمة.. أو أننا قد نحتاج إليك يوما ما. اطمئن لن نحتاج إليك أبدا.. اتفضل وخد الباب معاك.. إحم. وأرجوك لا تحاول أن تضغط على أعصابنا أكثر من اللازم وتذكرنا بالزمن الجميل. وبأمجادك القديمة وبصلاح جاهين ورفاقه. وحجازى وتضاريس بنات الحارة الحلوين فى رسوماته الشقية. أو برسمة سعاد حسنى الرائعة لإيهاب شاكر. إياك أن تفتح فمك بأول حرف من كلمة «بهجاتوس» اوعى.. نحترق لو ذكرت هذه الكلمة كاملة.. لا تؤذينا ولا نؤذيك. هذا اتفاق جنتلمان بيننا.. لا تسألنا من أين جئنا بكل هذه القسوة. هل سألناك يوما من أين يشترى الرسامون أدواتهم؟

والاسنظهر ما لدينا ونضحك عليك أمة لا إله إلا الله. وأمة المسيح حبيب الله. وأمة موسى عليه السلام. والأمم المتحدة كاملة.

تأمل المشهد وكن واقعيا . لا أحد يريدك الآن. من يحب من يقول للأعور أنت أعور فى عينه؟ لقد قلت للأعور أنت أعور للناصريين والساداتيين والمباركيين والإخوان المسلمين ولرجال الدين وأعضاء مجالس الشعب فى مختلف العصور وسببت لنا مع الدول المعادية والصديقة مشاكل جمة. عاديت الجميع وأصبح لا أحد يريدك الآن. زهقنا من قلة ذوقك وحماقتك وعبطك وادعائك الدائم بأنك الوحيد اللى فاهم الفولة.

تأمل جيدا ما يحدث حولنا فى المنطقة. بصراحة الحكاية مش ناقصة تهريج .كفاية عليك  قوى التحريض على ثورتين . 

من الآخر كده... قرفنا منك».

يااااه.. فات وقت طويل على هذه الرسالة التعسة. ولكن ما الذى ذكرهم بى الآن..

حسنا. هذه هى جرائد الصباح.. ربما أجد الإجابة.. ربما جد جديد وأدركوا أخيرا أهميتى. 

تصفح الكاريكاتير الجرائد جميعها فلم يجد كاريكاتيرا واحدا يوحد الله.. إلا فى صحيفة واحدة.. وجميعهم عن الكورونا.

كم كان مدهشا أن أقابل الكاريكاتير مرة أخرى بعد عمر طويل. وجدته يسير هائما على وجهه وبيده حقيبة سوداء.. وعندما هممت أن أخذه بالحضن فتح الشنطة وأخرج منها مسدسا وقال لى.. أرجوك أطلق على النار.

أنا تعبان جدا. تقصيت وعرفت كل شىء.  لففت على المؤسسات الصحفية جميعها.كل الصحف أصبحت غير مرحبة بهذا الفن اللى بيجيب وجع الدماغ واللمباجو والاستبحس. يرفضون  النشر لرسامين جدد حتى ولو مجانا. بل يهشوهم ويرفضون استقبالهم أساسا. أصبحت لا توجد أقساما للكاريكاتير فى الصحف. الكل غير مرحب بهذا الفن المشاغب.. بل أصبحت لا توجد من الأساس مساحات للكاريكاتير فى أى ماكيت جديد للصحف. ولو حدث ومنحوا مساحة يقتطعوها وكأنهم يقتطعوها من لحمهم الحى وهم فى غاية الألم والحسرة على هذا المربع الذى انتقص قدرا من ديباجة لمحافظ أو وزير أو حتى حكمدار. من الآخر ما حدش عاوز وجع دماغ.. كما قالوا لى فى رسالتهم بالضبط. أطلق على النار . من فضلك.

قلت له. . عزيزى الكاريكاتير ربما تكون متأثرا بالمشهد الأخير من فيلم  «أنهم يقتلون الجياد..أليس كذلك» رائعة الروائى الأمريكى «هوراس ماكوى». هذا المشهد الذى تطلب فيه البطلة جين فوندا من زميلها فى مسابقة الرقص أن يطلق الرصاص عليها .يسألوه فى المحكمة عن السبب فيخبرهم أنها طلبت هذا وحين يلح عليه المحقق يجيبه: أنهم يقتلون الجياد ..أليس كذلك؟

 لا. أعذرنى يا صديقى الكاريكاتير أنا لا أفضل هذه النهاية أبدا. ولكن ما رأيك فى نهاية أفضل. وأكثر شاعرية؟

لمعت عينا الكاريكاتير متسائلا: نهاية إيه؟

رددت: أعرفك عاشق لأفلام عادل أمام ووحيد حامد. ما رأيك فى مشهد عادل إمام عند الهرم وهو يقول لصديقه محمود الجندى بعلو حسه «أحنا اتسرقنا يا على».

فوجئت برد فعل الكاريكاتير الذى ارتمى فى حضنى فجأة وهو يبكى.. احضنته وتأبطنا سويا نعبر شارع القصر العينى. وكان الفجر قد قارب أن يتنفس.