إدارة أزمة أم.. أزمة إدارة ؟
محمد سعد وريشة الفنانة نرمين بهاء
من الظواهر المعتادة إطلاق الصحافة والإعلام والسوشيال ميديا النفير العام فور حدوث أزمة أياً كانت طبيعتها، ومنح المطالب العمالية والفئوية الأولوية وصدارة التغطيات الإخبارية والمتابعات حتى انتهائها أو انحسار الاهتمام عنها بسبب استطالة مدة الأزمة! إلا أن المدهش فى بلادنا أن تنقل وسائل الإعلام الاتهامات المتبادلة بين أطراف أزمة شركة غزل المحلة والجدل الدائر حول مدى أحقية العمال فى علاوة الغلاء دون استعراض أبعاد أزمات صناعة الغزل والنسيج فى مصر للجمهور العام، وما أكثرها خلال السنوات العشر الأخيرة.
العلاوة
السؤال المهم قبل الاسترسال فى الحديث: هل مثلت الأزمة التى استغرقت أياماً - توقفت خلالها مصانع الشركة عن الإنتاج اعتراضاً على عدم استجابة الشركة لمطالب العمال بصرف (العلاوة) فى ضوء أنها غير منطبقة عليهم وإصرار مسئوليها على صرف (حافز) دون غيره - قضية جماهيرية شغلت الرأى العام طوال تلك الفترة؟ الإجابة بلا قد تبدو محبطة للغاية، إلا أنها الحقيقة للأسف. السؤال الأهم هنا لماذا؟
اعتدنا خلال السنوات الماضية مطالعة أخبار ومشاهدة تغطيات حول المشكلات بالقطاعات العمالية والنقابات المهنية لأسباب فى معظمها تتعلق بصرف/ زيادة أجور أو حوافز أو علاوات أو أرباح سنوية لموظفى وعمال القطاعات المختلفة بالجهاز الإدارى للدولة، وهو ما قد يكون سبباً فى تراجع الاهتمام الجماهيرى بها نسبياً بالمقارنة بقضايا اجتماعية أو سياسية أخرى. هناك فرضية أخرى جديرة بالنظر وهى تولد صورة لا تتسم بالإيجابية فى ذهنية الجمهور حول دور ومستوى أداء بعض المؤسسات الحكومية من حيث الكفاءة الإدارية والمالية وفاعلية إجراءات مواجهة الفساد، وبالتالى لم يعد شأنها يحظى بالمساحة التى تستحقها فى المجال العام. هل ما سبق كافٍ للإجابة على السؤال؟ لا أظن ذلك.
بصراحة شديدة، لقد فقد معظمنا الحافز لمتابعة تلك الأزمات لأننا لسنا معنيين بها، بعبارة أخرى نحن لا نرى لنا دوراً فيها! ولم نجد فيها لا ناقة ولا جملاً! بشكل أوضح لم يبادر أحد المسئولين خلال تلك الأزمات أن يوجه لنا سؤالاً واضحاً عن رأينا - نحن المجتمع - فى شأن متعلق بالإنفاق العام أو المال العام ضمن ما يسمى (الدومين العام) الذى نمتلكه جميعاً وفقاً للتعريف القانونى. أتوقع رد الفعل تجاه العبارة السابقة، بالطبع لا أعنى بذلك أن يجرى المسئول المعنى لقاءات بكل مواطن على حدة ليسأله عن رأيه ومقترحاته فى الأزمة! لنرجع لأزمة المحلة فلدينا بعض الاستفسارات التى تحتاج إجابات مباشرة. لسنا بحاجة إلى التأكيد على تعاطفنا الكامل مع مطالب العمال المالية والتى تأتى فى ظل ارتفاع مستمر وغير مسبوق للأسعار؛ فضلاً عن قناعتنا بأنهم يمثلون مورداً بشرياً مهماً بوصفهم عمالة مدربة ذات كفاءة وخبرة فى مجالها؛ بل إيماننا أن مشاكل الصناعة على مستوى العالم ترجع إلى كفاءة الإدارة وهو مبدأ مستقر نظرياً وعملياً.
القطن المصرى
لدينا شغف حقيقى كجمهور مهتم بصناعة رئيسية وتاريخية تعتمد على القطن؛ المورد المصرى الأكثر شهرة حول العالم بمعرفة ماذا تنتج شركة غزل المحلة؟ وكم يبلغ حجم إنتاجها؟ وهل يضخ فى السوق المصرية فقط أم إقليمياً وعالمياً؟ وأين هى منافذ بيعه على مستوى المحافظات؟ وما نسبة إنتاج الشركة فى الأسواق المصرية بالمقارنة بالمنتجات المماثلة من إنتاج الشركات الخاصة والمستوردة؟ كم يبلغ عدد العاملين بالشركة: عمال مدربين؛ عمالة يومية؛ فنيين متخصصين؛ مهندسى نسيج؛ إداريين، وهل يتلاءم عددهم مع حجم إنتاج الشركة وما تحققه من أرباح؟ هل هناك زيادة فى عدد العاملين خاصة الإداريين؛ هل كانت هناك ثمة تعيينات من فئة ما يسمى بأبناء العاملين رغم عدم حاجة الشركة لهم، ولماذا وهى صناعة متخصصة تحتاج العمال المدربين فقط؟ ما هو الموقف المالى للشركة وهل تحقق أرباحًا أم خسائر، ولماذا؟ هناك تصريح لرئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج خلال الأزمة يتحدث عن تمكن الشركة خلال العام الماضى من خفض الخسائر بمعدل 200 مليون جنيه؟! ويطالب العمال بالعودة للعمل للوصول إلى صفر خسائر! ما هى نسبة الإنتاجية إلى الربحية، وما هى نسبتها إلى مخزون المنتجات غير المباعة والمتواجدة بمخازن الشركة إن وجدت، ولماذا؟ ما هى نسبة الربحية إلى الأصول المستغلة وما هى نسبتها إلى مديونية الشركة، ولماذا؟ هل تلك الاستفسارات كافية؟ أيضاً لا.
بلا مواربة، هل هناك فعلاً محاولة لاستهداف صناعة الغزل والنسيج الوطنية من خلال تشويه صورة شركاتها المملوكة للدولة عن عمد من جانب الشركات المنافسة بالأسواق المصرية، ما رأى وزير التجارة والصناعة والمسئولين باتحاد الصناعات المصرية فى ذلك؟ بقى سؤال أخير ومحورى يتعلق بمبدأ رئيسى فى إدارة الأعمال، هل تمثل منتجات الشركة سلعة استراتيجية لا بديل لها بنفس الجودة والسعر فى أسواقنا؟ بصورة أخرى هل سيشعر أو يتأثر المواطن المصرى (من غير العاملين بالشركة) بصفته مستهلكاً رئيساً ومساهماً فى الملكية العامة لشركات ومصانع الدولة باختفائها من الأسواق؟ وذلك على أساس توقف مصانع الشركة عن الإنتاج لعدة أيام خلال الإضراب عن العمل. عدد كبير بالفعل من الأسئلة حاولت إجابتها بالبحث فى موقع الشركة الإلكترونى (يمكن مراجعة الرابط أسفل المقال) إلا أن الموقع موجه بالأساس إلى الشركات أو ما يسمى B to B أى أنه يستهدف شركاء الأعمال وليس المستهلكين، وإن كنت أنصح القائمين على الشركة بتحديث الفيديو التعريفى لأن لغته وأسلوبه التسويقى قديم للغاية، بل يفتقد ما يعرف بهوية العلامة التجارية Brand Identity وترسيخها لدى العملاء.
جلسة عصف ذهنى
قطعاً ليس الهدف توجيه اتهامات ضمنية للعاملين بصناعة الغزل والنسيج، لأن الأزمة فى حقيقتها ليست معبرة عن أدائهم أو إنتاجيتهم فالعامل لا علاقة له بالمديونيات والأداء الاقتصادى للشركة؛ بل مخرجات العملية الصناعية ذاتها، فهى عملية إدارية يمارسها المحترفون لتحقيق أهداف ثلاثة رئيسية تعظيم الربحية وتقليل الخسائر وخفض نسبة المخاطر. ببساطة ما نريده هو دراسة أوضاع الشركة دون انفعال أو تشنج، حيث يمكن اللجوء لإحدى الأدوات المنهجية لتحديد مواضع المشكلات على غرار المؤسسات الصناعية العالمية؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر عقد جلسة عصف ذهنى تجمع ممثلين عن العمال والإداريين بالشركة جانب خبراء فى مجالات صناعة المنسوجات والتمويل والتسويق والجودة وإدارة المخاطر للانتهاء إلى أسباب محددة باستخدام النموذج المعروف بالسبب والنتيجة Cause and Effectأو Fish - Bone Diagram للعالم اليابانى ايشيكاوا Ishikawa والذى يعتمد على تحليل ستة عناصر رئيسية وهى: أساليب أو طرق الصناعة Methods المواد الخام Materials الماكينات Machinery البيئة المحيطة بعملية التصنيع Environment معايير القياساتMeasurements العامل Man.. إذن، ما ينبغى إعلانه بكل شفافية أسباب مواصلة تحقيق بعض (وليس كل) المؤسسات والشركات المملوكة للدولة الخسائر، وخطط القضاء على مسبباتها وتحديد فترة زمنية لذلك وفقاً لمنهج علمى تطبيقى يراعى اتجاهات السوق واحتياجاتها الحالية وتغيراته المستقبلية، وبشكل أكثر تفصيلاً متطلبات العملاء بداخل الشركة Internal Customers وهم جميع العاملين بالشركة والموردين والموزعين، وعملائها الخارجيين External Customers والذين يضمون أصحاب الأعمال الأخرى المتعاقدين مع الشركة و جمهور المستهلكين من أفراد المجتمع أى نحن ممن يحلمون بمنتج مصرى مُصنع محلياً وذى جودة عالية تنافس نظائره وسعر مناسب، فهل هذا بعيد المنال؟ أيها السادة الأفاضل، الشركات والمؤسسات الصناعية والخدمية فى العالم تلاحق عملائها وتبذل الجهد لمعرفة احتياجاتهم ورغباتهم وما يدور فى أذهانهم ويتنافسون فى ذلك بضراوة، فهلا منحتم جزءاً من وقتكم لعملائكم؟!•



