سبع جنات الحلقة 10
منير مطاوع
«سلطان» الفنان فى الغيبوبة، يستذكر حكايته مع «راجية» التى «تكتب كرجل شجاع»، و«لو فكرت فى الزواج فهى الأفضل، لكنها مثلى لا تريد أن تتزوج»!.. يراها متقدمة فى فهمها للعلاقة مع الرجل، لكنها لا تمانع فى أن تكون للمرأة سيادة.. بدرجة ما ، تعويضا عن «ديكتاتورية الرجل»!
.. وتعود «سماء» لزيارته وتعلنه اكتشافها خيانة زميله «يوسف» له ولشقيقها «سمير» وطلاقها منه بعد أن تصورت أن زواجها منه هو فرصتها الأخيرة. وتعترف له :«فشلت فى الفوز بك.. والحفاظ عليك وإقناعك بأفضليتى، على بقية الـ «سبع جنات». وأخيرا تقول إن رسالة الدكتوراه التى أعدتها عن حالته، رسالة غبية.. هل يمكن سحبها والتراجع عنها؟!
«17»
«راجية»
كما قلت لك، حاولت أن أفهم من كلام الأطباء شيئا عن حالتك!
لكنهم لا يريدون التحدّث إلا للأهل أو الزوجة، وأنا لست زوجتك، وأنت ليست لك زوجة، ولهذا قالوا لى إن كلّ التفاصيل عند أخوك «أمير» والعائلة.. وإنه لم يجدّ على حالتك تطوّر، عمّا أبلغوهم به.
سألت: ماذا قلتم لهم؟..
قالوا- ما معناه: إن الحالة غير معروفة الأسباب حتى الآن.. والملاحظة الإيجابية الوحيدة هى أن هناك درجة ما من درجات الإدراك والتواصل مع بعض من يزورونك بانتظام.. وإن كانت طفيفة للغاية. وإنهم يأملون من خلال وسائل العلاج التى يوفرونها لك، أن يحدث تطوّر أو ربما طفرة، فى مسألة الإدراك هذه.
سألت: كم ستستغرق؟..
قالوا إنهم لا يعرفون كم ستستغرق الغيبوبة، وهل لها نهاية سعيدة أم لا؟
سألت: لماذا لا يتم العلاج فى الخارج؟
قالوا إنهم لا يرون سببا لذلك. ويعتقدون أن تطورا ما سيحدث قريبا، نتيجة لعلامات بسيطة يرون أنها تدلّ على وجود بعض أشكال الإدراك وردود الأفعال.. والانفعال. والأهم عندهم أنه ليست هناك نكسة.
والحقيقة أن هذا الكلام لم يشف غليلى، ولأنى - للأسف - لا أعرف «أمير» فقد أجريت بعض الاتصالات وعرفت كيف أصل إليه واتصلت به، وتقابلنا هنا فى المستشفى.
«أمير» مهزوز.. ومتأثـّر بشدة لما جرى لك، ويبدو أن لديه شكًا فى عودتك من الغيبوبة، ومع ذلك فهو لا يتوانى عن فعل أى شىء يطلب منه أو يعتقد هو أنه قد يساعد فى خروجك من الحالة.
فوجئت بأن شقيقك هذا يشبهك كثيرا، مهذّب جدا، وراقى التفكير، وهادئ.. وعرفت منه أنه متزوّج من أجنبية، لا أعرف فرنسية أم أمريكية.
وأنه يعيش فترة طويلة من السنة فى الخارج.. ربما فى بلد زوجته، وأنه كان فى مصر، مصادفة، عندما جرى لك ما جرى.
وبدا لى أنه كان يتساءل عن سرّ اهتمامى الزائد، وقال إن كثيرين وكثيرات من الزملاء والزميلات، وأعدادًا كبيرة من الفنانين والصحفيين والكتاب والمثقفين سألوا عنك وحضر كثير منهم، لكن المستشفى لم يسمح لهم بدخول غرفتك.
سمح الأطباء للأهل وبعض الزملاء والزميلات، وكل من له بك رابطة قرابة.. أو صداقة، قالوا إن التواصل والتحدّث إليك والتخاطر.. والحديث الشخصى المنفرد، ومخاطبتك باسمك بصوت مسموع، يفيد جدا فى النهوض بالحالة، ويمكن أن يتسبّب فى استرداد الوعى واندمال الجرح الذى يعتقدون أنه قد أصاب شبكة الأعصاب المركزية.
سألنى «أمير» - والحقيقة أننى من لهفتى إلى سماع ما لديه من معلومات عن حالتك، نسيت أن أعرف تفاصيل عنه.. ماذا يعمل؟.. دراسته، اهتماماته.. طبيعة علاقته بك؟- المهم، سألنى بشكل مفاجئ:
- اسمحى لى يا أستاذة «راجية» أسألك، ليه أنت و«سلطان» ما اتجوّزتوش؟!
أصابنى سهم الله.. بلّمت، ولم أنطق بكلمة، قمت من مقعدى- وكنّا نجلس فى ركن من بهو المستشفى- ومضيت، وأنا أردّد بغير وعى:
= أنا.. وهو؟!.. أنا أتجوّز؟!.. هو.. هو.. يتجوّز؟!..
رمقنى شقيقك الهادئ، بنظرة بالغة الدلالة، لا تقول سوى كلمة واحدة:
- مجنونة!
فكّرت كثيرا فى هذا السؤال، وأنا أسألك الآن يا «سلطان»:
= صحيح، ليه أنا وأنت ما اتجوّزناش؟
اسمعنى، وأرجوك لا تكن مهذبا مثل «أمير» وتقول بنظرة واحدة وبلا كلام: مجنونة.
أعرف أنك ضد فكرة الزواج. وتعرف أننى كنت مثلك تماما، لا أعتقد فى مؤسسة الزواج.
لكن.. ألم يحن الوقت لمراجعة أفكارنا ومواقفنا الجامدة من الحياة؟..
أليس تصلّبنا هذا هو سرّ الغيبوبة التى نعيشها، سواء داخل أو خارج غرفة الإنعاش هذه؟!
ربما تعاودنى حالة التفلسف، التى تأتينى من وقت لآخر، تماما كشعرة المجنون.. ساعة تيجى وساعة تروح!
لكن.. بجدّ، بجدّ يا «سلطان» مش آن الآوان، نبطّل جنان.
أنا ابتديت أعيد النظر فى موقفى من الزواج. ويمكن أقبل أن أتزوجك.. بس أنت تعالى، واخرج من الشرنقة اللى أنت هربان منى فيها دى.
قلت إيه، موافق؟
على خيرة الله، أبعت أنده المأذون؟!
يا «سلطان».. أول ما تخرج من هنا بالسلامة، وأنا متأكدة من أنك خارج خارج إن شاء الله. نفسى تفوق، وترجع عن اللى فى دماغك، وتقبل تتجوّزنى.
عارف ليه با قول لك كده؟.. علشان يبدو إن أنا عرفت يعنى إيه الحبّ!
وعرفت إنى باحبّك، وإنك بتحبنيّ.
عرفته لمّا افتقدت وجودك.. ولما لقيت نفسى باحنّ إليك.. مشتاقة لك، مش لاقية لحياتى معنى من غيرك.. ده هو الحبّ يا «سلطان».
لو لم نجده، لاخترعناه.. كما يقول «نزار قبانى».
ولو لم نكابده، لما كنّا عرفناه،.. كما تقول «راجية راجى».
«18»
«جنـّات» .. و«هـــدى»
آسفة يا «سلطان»..
حاولت الحصول على إجازة ثانية، حتى أكون هنا بجانبك لمدة أطول، لم تسمح لى الوزارة، قالوا إننى استهلكت كل إجازاتى.
فكّرت فى الحصول على شهادة طبية وهمية آخذ بها إجازة مرضية.. لم يطاوعنى ضميرى.
أصبحت مضطرة للحضور فى ساعات الصباح الباكرة، قبل الذهاب إلى المكتب، ومرّة أخرى بعد الظهر، بعد نهاية عملى فى مديرية تعليم «الجيزة».
سألت عن إمكان طلب إجازة بدون مرتب لمدة 3 شهور مثلا، قالوا سنبحث الأمر ونردّ عليك، ولم يردّ على أحد.
أفكّر جدّيا فى ترك الوظيفة كليّة، معاش مبكّر، وأبحث عن عمل فيه مرونة.. أشتغل فى ناد رياضى مثلا.. مع فريق السباحة، آه.. فكرة جميلة لم تخطر ببالى إلا الآن.
ما رأيك يا «سلطان»؟..
يهيأ لى أنك موافق..
أريد أن أبقى معك على طول.. الدكاترة يقولون إن الكلام معك يفيد فى علاج حالتك.. ويمكن أن تحصل المعجزة وتخرج من الغيبوبة..
وهذا ما يجعلنى أفكّر فى هذه الأفكار..
ترى ماذا تريد أن تعمل لمّا تخرج من الغيبوبة بالسلامة إن شاء الله؟..
ليتنى أعرف، حتى أحضّر لك كل ما تحتاج إليه..
أما أنا فأعرف ماذا أريد عمله عندما تنتهى هذه الأزمة.
أريد أن أقول لك إننى أحبّك، وأريد أيضا أن أعرض عليك عرضا مهما جدا.
أن أحرّرك من الارتباط بيّ.
يعنى أنت غير ملزم بكونى حبيبة العمر.. وأول حبّ وأول كل حاجة.
وأنا..؟ ليس لى، ولن يكون لى غيرك لغاية ما أموت.
لكن.. هذا حال غير طبيعى يا «سلطان».
ولابد أن نعمل كل ما يمكن عمله حتى لا تتكرّر هذه الغيبوبة..
والله أعلم بسببها بالضبط، لكن الأكيد أن حكاية السبع جنّات من الأسباب.
أعلم أن ضغوطا سياسية وفكرية وفنية أثّرت عليك وأوصلتك لهذه الأزمة.. لكن هذه مسائل ليست بيدى، كل ما أقدر عليه هو أن أرفع عنك أى مسئولية نحوى.
أنا- طبعا- قابلت «الحريم».. هنا، بالمصادفة، حتى «سماء» التى اختفت من سنين، رجعت، وعرفت أنها بدأت تفكّر فيك من جديد، بعد طلاقها.
وقابلت غريمتى القديمة «هدى»..
الحقيقة يا «سلطان» ذوقك حلو.. ست جميلة، ومليانة، ومثقفة، دائما عندى نظرية عجيبة أن العقل والجمال لا يلتقيان.. و«هدى» هانم، كسرت لى النظرية.
أعرف - طبعا- ما تريده هى منك..
لكن ما لا أعرفه هو: أنت، ماذا تريد منها؟..
ما لزومها، لحياتك فى الأيام المقبلة؟
هى قالت لى إنها لا تطلب منك سوى، الصداقة.
ولما حكيت لها عن الدكتوراه، تعجّبت، وطلبت الحصول على نسخة منها لتقرأها!.. كل ما تعرفه أن «سماء» قابلتها أكثر من مرة وقالت لها إنها تعدّ بحثا، وليس دكتوراه.. وقالت إنها لم تكن تعرف إلا عنّى وعن «ماشالله».. ولم تخبرها «سماء» بأى شىء، وحتى لم تكشف لها عن أنها، هى نفسها -«سماء»- من حريم «سلطان».
وسألتنى «هدى» إن كنت أنت تعرف عن هذه الدكتوراه.. وهل قرأتها؟
وفجأة قالت لى:
= اسمحى لى يا «جنّات».. ممكن أقول لك يا «جنّات» كده بدون تكليف؟
- اتفضلى..
= نفسى أفهم، إزاى قبلتى اللى حصل ده كله.. حكاية حريم «سلطان» يعنى ؟
فاجأتنى، وارتبكت، وفكّرت، ترى لماذا تسألنى هذا السؤال ؟..
وأجبتها:
- يا «هدى».. أنا باحبّ «سلطان».. وهو بيحبّنى.. ده قدرنا، يعنى حكاية الحبّ دى حصلت من غير ترتيب ولا مناورات ولا مطاردات.. ولا.. ولا.
لا منّى، ولا منّه.
واللى يحبّ إنسان، يحبّ له الخير والسعادة، حتى لو مع حدّ تانى.
لم تصدّق «هدى» أذنيها، ولا عينيها.
تحوّل وجهها البضّ إلى شىء غريب.. كتلة، عبارة عن علامة كبيرة.. لا هى علامة تعجب، ولا استفهام.. علامة ذهول!
ولما لاحظت ردّ فعلى المستغرب لحالها، قالت، بعد أن أخذت نفسا عميقا:
= أنا قريت كثير.. وسمعت كثير.. وسافرت كثير.. وقابلت ناس كثير، لكن عمرى ماسمعت كلام زى كلامك ده.. أنت حالة خاصة جدا..
ولمّا لاحظت أننى غير مستوعبة لكلامها، أو أنها لا تعبّر بوضوح عما تريد أن تقوله، واصلت، وهى تشرح:
= الحبّ مش كله عواطف نبيلة وتضحيات بس، فيه كمان مصالح وأنانية وأطماع وشرور.. الحبّ ممكن يخلّى الإنسان يرتكب جرائم.. ويصارع المنافسين.. والمنافسات، لكن أنت غريبة.. بتقولى إن سعادة حبيبك «سلطان» تسعدك، حتى لو مع حريمه!
أنت عارفة يا «جنّات» أنت بتقولى إيه؟!•
