السبت 14 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ماذا فعلت «سامبو» بجنوب شرق آسيا؟!

لى ميونج باك
لى ميونج باك

منذ نهاية 2019، بدأت تقارير دولية ترصد «مشكلة سكانية محيرة» فى كوريا الجنوبية، تتلخص فى تنامى معدلات الشيخوخة، وتراجع معدلات المواليد، وعزوف الشباب عن الزواج.



 

وأرجعت هذه التقارير تلك الظاهرة إلى التحول الاقتصادى الذى تشهده «كوريا الجنوبية»، حيث يمتد تأثير هذا التحول من المستوى المالى إلى التركيبة السكانية، وعرفت هذه الظاهرة باسم «جيل السامبو».

بحثت «صباح الخير» عن أصل هذا المفهوم، والجذور التاريخية لمصطلح «سامبو»، ومعرفة ما إذا كان الأمر مقتصرا فقط على كوريا الجنوبية، أم أنه ممتد لدول أخرى، وهل توجد لهذا المصطلح صلة بفترات الاستعمار خلال القرن الماضى، وهل له صلة برياضة الـ«سامبو» ذات الجذور «السوفيتية»، والمنتشرة شعبيا أيضًا فى كل من كوريا الجنوبية واليابان؟ كل هذه الأسئلة إجابتها فى السطور التالية. 

 

 

 

تراجع معدلات الخصوبة

أوضحت تقارير صحفية أن «كوريا الجنوبية» تعانى من مشكلة تراجع النمو السكانى على مدار 3 أجيال ماضية فى طريقها نحو التطور مثل بعض الدول الأخرى، نظرا للتقدم السريع الذى تعيشه، ما أدى لحدوث ما يسمى بـ«التحول الديمغرافى»، حيث أصبحت كوريا الجنوبية تسجل زيادة كبيرة وسريعة فى عدد المسنين، وانخفاض معدلات الزواج والمواليد، بما لا يعوض بشكل كاف الأجيال التى تتوفى.

وفسرت التقارير هذا الأمر بأن النساء فى كوريا الجنوبية لا تنجب ما يكفى من الأطفال لتحقيق الاستقرار السكانى من دون الاعتماد على الهجرة، حيث بلغت معدلات الخصوبة أقل معدل عالميا، بنسبة 1,1 طفل لكل امرأة. فى حين أن المعدل العالمى نحو 2.5 طفل لكل امرأة.

فمنذ الفترة بين أوائل خمسينيات القرن الماضى حتى الآن، تراجع المعدل فى كوريا الجنوبية من 5.6 إلى 1.1 طفل لكل امرأة، الأمر الذى أصبح يمثل لغزا سكانيا محيرا فى مجتمع يشيخ بسرعة كبيرة، ما يؤثر على الاستقرار السكانى أو ما يسمى «معدل الإحلال».

أوضحت التقارير أن نساء كوريا الجنوبية لا يخترن إنجاب عدد أقل من الأطفال فقط، بل إن بعضهن يخترن الابتعاد عن العلاقات العاطفية بالكامل، بينما تختار النسبة الأكبر منهن عدم الزواج على الإطلاق، فى سبيل الحصول على حياة مستقلة ووظائف. 

لغز الـ«سامبو»

هذا التغير فى المفاهيم الاجتماعية الذى تحول لظاهرة متنامية فى كوريا الجنوبية أطلق عليها «جيل السامبو».

تعنى كلمة «سامبو» التخلى عن 3 أشياء، هى: العلاقات والزواج والأطفال.

تقارير تابعة لمنصات دولية حاولت رصد أسباب عزوف نساء كوريا الجنوبية عن الزواج والإنجاب، فتركزت إجابات العدد الأكبر منهن حول «تجنب الألم الجسدى للولادة، أو إنجاب طفل يعيق المسيرة المهنية للمرأة، أو عدم الاستعداد للتخلى عن مكتسبات العمل، وتفضيل الحياة المستقلة والوحدة وتحقيق الأحلام على أن تكون جزءا من أسرة، إضافة لصعوبة الجمع بين الأسرة والعمل، والتمييز ضد المرأة الحامل فى كوريا خلال العمل بسبب الحمل، «حمى السرعة» التى تجتاح كل شىء فى كوريا الجنوبية بسبب ثقافة العمل الشاق والساعات الطويلة فى ظل التقدم الاقتصادى، فى حين أن تربية الأطفال مسئولية بالكامل وكثيرًا ما يكون السبب أن توفير الرعاية الكاملة للأسرة يقع على عاتق المرأة فقط». 

 

 

 

الانتقام الإباحى

التقارير الدولية أوضحت أيضًا أن أحد الأسباب الرئيسية لظاهرة «السامبو» الخوف من التعرض «للانتقام الإباحى»، وهى «قضية كبيرة» اجتماعيا فى كوريا الجنوبية، حيث تنتشر حالات تعرض فتيات لنشر صور إباحية لهن على الإنترنت دون رغبتهن، من قبل حبيب سابق أو زوج حالى فى أحيان كثيرة. 

أضيف إلى ذلك قلق الكوريات الجنوبيات من إمكانية التعرض للعنف المنزلى.

بحسب «المعهد الكورى للجريمة» قالت نتائج استطلاع للرأى العام الماضى، أن 80 فى المئة من الرجال اعترفوا بأنهم أساءوا لشريكاتهن السابقات.

انخفض معدل الزواج فى كوريا الجنوبية لأدنى مستوى له منذ التوثيق الرسمى، وبلغ نحو 5.5 من كل ألف شخص، مقارنة بـ 9.2 من كل ألف شخص فى عام 1970، حيث ظهر عامل آخر أسهم فى العزوف عن تكوين أسرة، وهو التعليم، فالطبيعة التنافسية للتعليم فى المدارس تدفع الأهالى لتأمين مبالغ إضافية حتى يتمكن أطفالهم من الحصول على دروس إضافية لتحقيق نتائج دراسية جيدة. 

جنوب شرق آسيا

ظاهرة السامبو غير مقتصرة على كوريا الجنوبية فقط، إذ تعانى منها أيضًا اليابان، حيث وصل عدد من هم دون 14 عاما إلى مستوى منخفض، بينما أظهرت بيانات حكومية تراجعًا حادًا فى المواليد إلى مستويات قياسية وصفت بالأدنى منذ أكثر من قرن. 

ولم يتوقف الأمر على كوريا الجنوبية واليابان فقط، بل تعانى منها أيضًا دول الشرق الآسيوى مثل هونج كونج، وسنغافورة، حيث تسعى الحكومات هناك لتحفيز مواطنيها على الإنجاب بطرق عدة، تجنبا لكارثة ديمغرافية تهدد اقتصاداتها بسبب انخفاض معدلات النمو السكانى.

وأظهر تقرير لـ«مركز الشرق والغرب الأمريكى»، وجود فروق جنسية بين الرجل والمرأة فى منظومة الزواج اليابانية فيما يتعلق بالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، ما يجعل الزواج لم يعد جذابًا لليابانيات، إضافة إلى تغير القيم الحياتية والاجتماعية والتأخر فى الزواج أو العزوف عنه تمامًا هناك.

وقد سعت الحكومة السابقة بقيادة «شينزو آبى» إلى رفع معدلات الخصوبة إلى 1.8 فى عام 2025 باعتباره هدفا أساسيا، لكن المعدل ما زال أقل من هذا، ما يجعل خطط الحكومة بعيدة من التطبيق الفعلى، بينما رسمت الحكومة الحالية خططًا جديدة لمزيد من الدعم الاقتصادى فى تربية الأطفال والإنجاب تتضمن تقليل الأعباء المالية للعلاج، وزيادة الحوافز المالية، والتوسع فى برامج التعليم العالى المجانى وإجازات الحضانة. 

ووفقا للتقارير، فإن «سنغافورة» تشهد هى الأخرى تراجعًا حادًا فى أعداد المواليد وانخفاضًا فى معدلات الخصوبة وصلت إلى مستويات تاريخية، وأكدت وزيرة المالية والتخطيط الوطنى «إيدرانى راجا»  أن جائحة «كورونا» جعلت عددًا من المواطنين السنغافوريين يؤجلون خطط زواجهم ما تسبب فى انخفاض معدلات الزواج.

 

 

 

وأضافت الوزيرة أن الدولة ستستمر فى دعم المواطنين الراغبين فى الزواج وإنجاب الأطفال بإقرار قوانين لتشجيع المتزوجين والأسر على الإنجاب، وزيادة الدعم المالى للأزواج الذين ينجبون أكثر من طفل ومضاعفة الحد الأقصى للمبلغ الذى تمنحه للأسر التى تنجب طفلًا ثانيًا من 2300 دولار إلى ما يقارب 5 آلاف.

ترى منظمات عالمية أن المجتمعات المسنة ستواجه مخاطر كبيرة بالتزامن مع انخفاض معدلات النمو وتذبذب نسبة القوى العاملة فى تلك البلدان وانكماش فئة الشباب بما يمثلون من روح الابتكار والإبداع والإنتاج، وزيادة العبء الصحى على الحكومات مع تقدم السن للمواطنين، وتقديم مزيد من برامج الرعاية الصحية، حيث يؤكد البنك الدولى أن زيادة السكان من الأعمار المتقدمة قد تضغط على الأنظمة الصحية وتكلفة خدماتها اللازمة للأشخاص كبار السن.

جيل ورياضة الـ«سامبو»

تُرجع التقارير جذور مصطلح الـ«سامبو» فى كوريا الجنوبية، إلى عام 1996، عندما استخدمه الكاتب «كيم كيونج ـ هي» فى كتاب شهير، حيث أشار إلى جيل الشباب  الذى يتكون من نحو 20 مليونا، ويشكلون نحو 25 ٪ من سكان كوريا الجنوبية.

وعرف الكاتب «جيل السامبو» بأنه مترابط ومثقف وذو وعى اجتماعى، نشأ فى ظل اقتصاد قوى ونمو سريع أثر على توقعاتهم للمستقبل وقيمهم. 

وتوضح تقارير صحفية أن جيل «سامبو» يتميز بـ3 خصائص رئيسية، هى:  «الاستقلالية» و«الوعى الاجتماعى» والاهتمام بالقضايا البيئية، إضافة إلى قدرته على التواصل الاجتماعى واستخدام التكنولوجيا بفاعلية.

وربطت التقارير بين مصطلح «سامبو» الاجتماعى وبين رياضة تحمل نفس الاسم شهيرة فى جنوب شرق آسيا والبلدان المحيطة.

وتستخدم هذه الرياضة مجموعة متنوعة من التقنيات من فنون القتال، وتشير بعض المصادر إلى أنها رياضة نشأت فى الاتحاد السوفيتى أوائل القرن العشرين، وتم تطويرها كرياضة قتالية عسكرية، استخدمت على نطاق واسع من قبل الجيش والشرطة السوفيتية.

ودخلت الـ«سامبو» إلى اليابان فى الثلاثينيات من القرن الماضى، حتى أصبحت منذ ذلك الوقت شعبية تقام لها بطولات وطنية ودولية بشكل منتظم، ونظرا للعلاقة التاريخية والثقافية الوثيقة مع كوريا الجنوبية، فقد تأثرت الثقافة الكورية بشدة بالثقافة اليابانية.

ويختلف الـ«سامبو» اليابانى بتركيزه على تقنيات المصارعة، إضافة إلى بعض تقنيات الكاراتيه والجودو، بينما يركز الـ«سامبو» الكورى بشكل أكبر على تقنيات الركلات واللكمات وبعض تقنيات الـ«تاى تشى»، لكنهما  يظلان رغم الاختلافات، رياضتين متشابهتين تشتركان فى العديد أوجه اللعب.