الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
مكسب الفن من «هالوو شلبى» إلى «شابوه»

إستراحه مشاهد

مكسب الفن من «هالوو شلبى» إلى «شابوه»

بعد دقائق من بداية مسرحية «شابوه»، تذكرتُ المشهد الأخير من مسرحية «هالوو شلبى»، الذى كان يدور فى كواليس فرقة مسرحية تعانى غياب التمويل، آخر جملة قالها عبدالمنعم مدبولى مفسرًا التناقض بين النجاح الساحق للعرض وصافى الأرباح؛ حيث الجنيهات المعدودة، قيمة الفن الحقيقية فى التأثير لا المادة، والأخيرة هى اللعنة التى تطارد كل المَواهب، وكانت حاضرة بقوة فى عرض «شابوه» مع فارق أساسى عن «هالوو شلبى» يكمن فى الطرح الذى حاول شباب مركز الإبداع الفنى تقديمه للجمهور، ولأنفسهم وزملائهم بالأساس.



طرحٌ يتلخص فى التوقف عن الافتراض بأن الفن نوعان لا ثالث لهما؛ تجارى بلا هدف، وهادف بلا ربح. هناك حَل وسط يغفل عنه النجوم أولاً والمنتجون ثانيًا جرّاء الركون إلى الاستسهال والربح السريع المضمون لعدة سنوات ثم بعد ذلك يحلها الحلال؛ حيث يعيش الفنان صاحب الأعمال التجارية على أطلال الذكريات بعد تراجُع الأضواء عنه لصالح آخرين يقدمون أعمالاً تجارية تساير الموضة المجتمعية الأحدث وهكذا. أجيال تدخل وتخرج وذاكرة الجمهور لا تخزن، والخاسر فى النهاية الفن والهوية والمجتمع الذى كان من الممكن أن يتغير لو قام كل فنان بواجبه، كما دعا إلى ذلك «عبدالرحمن» عبر شخصية المؤلف المسرحى، الذى لولا قصة حب انتهت بسبب الأنانية ما وصل إلى فرقة مسرحية تقوم على العروض التجارية الرخيصة.

اختيار مؤلف ومُخرج العمل أحمد محيى لكون شخصية المؤلف على معرفة سابقة بأبطال العرض التجارى ساهم فى قوة البناء الدرامى وجعل المفارقة مكشوفة للأبطال، وليس للجمهور الذى احتاج لتقنية «الفلاش باك» ليدرك أصل العلاقة بين المؤلف والممثلين الثلاثة، وأن المُخرج المُدّعى هو الدخيل، عكس ما حدث فى «هالوو شلبى» حيث لم يدرك «محفوظ أبوطاقية» طبيعة الموقف المالى للفرقة بينما كان الجمهور فى الصالة يضحك على سذاجته.

 

بوستر مسرحية شابوه
بوستر مسرحية شابوه

 

فى «شابوه» لم يكن هناك مكان للسذاجة والادعاءات، الكل معترف بموقفه فيما عدا المُخرج بسبب جهله الشديد بأدنى قواعد الفن (كان يظن «هاملت» امرأة). نجوم الفرقة اعترفوا باستسلامهم للمادة، والمؤلف المسرحى والممثل المعتزل وابنته تمسكوا بالفن الهادف، دام الصراع طويلاً؛ لكن منطق المؤلف انتصر، وهنا تكمن رسالة المسرحية؛ أن يحاول كل نجم تغيير الوضع لأنه الوحيد الذى بيده إقناع الممول، أن يخاطر النجوم أحيانًا لتقديم أعمال تبقى فى الذاكرة دون الخوف من انصراف الجمهور، فالجمع بين التسلية والربح أمْرٌ ممكن أثبته سيل الضحك فى عرض «شابوه».

العمل ليس الأول لأحمد محيى فهو وصديقه محمد المحمدى من أبرع مؤلفى الكوميديا فى السنوات الأخيرة، ويكفيهما «قلب أمه» كدلالة على موهبتهما المتميزة، لكن على مستوى التمثيل أجاد «محيى» شخصية المُخرج الجاهل وكأنه يستوحيها من فنانين قابلهم بالفعل، فيما حمل «المحمدى» على عاتقه مهمة أصعب، أن يقدم وجهين لنفس الممثل؛ حيث نفس المشهد يقدمه بابتذال ويقدمه باحتراف فى دلالة على أن الخيار يكمن دائمًا داخل الإنسان نفسه، قبل أن يفاجئ الحضور بأداء مقطع من «كاليچولا» بتمكن واضح، وبجانب استعراضات شيرين حجازى وموسيقى أحمد كيكار وديكور محمد زكريا الذى أحسن استغلال مساحة المسرح الضيقة زمنيًا (مَشاهد الفلاش باك) وفنيًا (تناقض رؤية المؤلف والمُخرج)، قدّم باقى الممثلين أفضل ما عندهم، وفى المقدمة بالطبع ميشيل ميلاد فى شخصية المؤلف المتمسك بمبادئه، وهو نفسه أشهر «طلال» عرفه المصريون من حملة أمازون الشهيرة، وإلى جواره أميرة عبدالرحمن التى أشاهدها لأول مرّة، لكنها ممثلة لديها الكثير لتقدمه بلا شك، وهو ما ينطبق على مريم محروس فى شخصية التيك توكر.

ويبقى المخضرمان عادل الحسينى ومحمد حسيب؛ حيث قدّما أداءً راقيًا رغم صغر المساحة زمنيًا، فيما تجذبنى دائمًا إطلالة ألحان المهدى إحدى أفضل خريجات الجيل الجديد من مَدرسة خالد جلال، الذى أتمنى أن يحمل مسرح مركز الإبداع الفنى اسمه فى أقرب وقت؛ ليكون بمثابة «شابوه» مستحق من جمهور المسرح المصرى لمُخرج لم يتوقف يومًا عن اكتشاف مواهب مميزة كتلك التى شاهدتها فى عرض «شابوه».