الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

متلازمة القلب المكسور

موت مفاجئ فى علاقة فاشلة

الصدمات العاطفية تؤدى إلى أمراض نفسية، تفضى بدورها إلى أمراض عضوية خطيرة، حيث يؤدى الاكتئاب والشعور بالعزلة والوحدة والفراغ العاطفى، إلى زيادة الوزن أو النقص الحاد فيه، ورفع معدل تساقط الشعر، فضلاً عن الإصابة بأمراض جلدية، مثل الأكزيما أو حساسية الجلد.



وتسبب الأحداث العاطفية الفاشلة ما يسمى بمتلازمة (القلب المنكسر)، التى قد تسبب ضعفًا مفاجئًا مؤقتًا فى عضلات القلب، ما يزيد احتمال الإصابة بالفشل والسكتات والموت المفاجئ، وتلك الحالة أكثر شيوعاً لدى النساء.

 الاعتدال أولاً

الدكتورة هالة فهيم، خبيرة الإرشاد النفسى والأسرى قالت: إن الحب يجـــعل الإنسان أكثر ميلاً إلى رسم الأحلام والتخيلات الوردية، مما قد يبعـده عن معطيات الواقع، ويسير خلف قلبه ومشاعره الجياشة، وقد يغفل عيوب الشريك، ويغفر له أموراً كثيرة، ولكن لابد من التفكير جيدًا قبل اتخاذ قرار الزواج فى المستوى الفكرى والاجتماعى والمهنى، ومدى التوافق بينها، لأجل علاقة صحية بالاحترام والصدق والمودة، ومهارات التفكير والتحليل والاستنتاج تساعد على الـتنبؤ بمدى مـتانة العلاقة العاطفية.

 

 

 

والاعتدال فى منح المشاعر والحب ضرورة، فكلما كان مقدار الحب فى القلوب عاليًا كانت الصدمة أشد تأثيرًا وإيلامًا للنفس.

والطباع الجميلة قد تنقلب على صاحبها بالإفراط فيها، فالإفراط  فى العطاء يعلم الآخرين استغلالك، وفى الاهتمام يعلمهم الاتكالية، وفى التسامح يعلمهم التهاون بك، والإفراط بالطيبة يجعلك تعتاد الانكسار.

لذلك يجب الحذر دون تخوين الشريك، وعدم الإفراط فى الثقة فيه، لأن الثقة العمياء قد تسبب جرحًا كبيرًا وخذلانًا أكبر، وترتفع مخاطر التعرض لأزمة عاطفية بارتفاع سقف التوقعات من الحبيب، وعلى الزوجين تعلم التحكم فى الانفعالات، لتجنب زيادة الخلافات.

صدمة ما بعد الزواج

وقالت «فهيم»: بعد الزواج تهدأ المشاعر الملتهبة وتنزل الأحلام الوردية إلى أرض الواقع لتتلامس مع مشاكل الحياة اليومية، ولا تستمر المشاعر فى النمو إلا عندما يتعهدها الطرفان بالعناية، وليس إلقاء الاتهامات على الطرف الآخَر، مما يسبب توسيع فجوة الاختلاف، ومحاولة تغيير الآخَر بالقوة، وليس تدريجيًا هى محاولة فاشلة تمامًا.

وإسرِاع أحدهما إلى عائلته ليشكو من الآخر خطأ، لأنه يزيد جفاء العلاقات.

وتضيف: يجب أن يعطى كل طرف لنفسه الفرصة فى اكتشاف سبب الاختلاف وعليهما أن يجدا الوقت ليستمعا لبعضهما، وتجديد حبهما بعيدًا عن روتين الحياة اليومى، واستعادة الذكريات، ويدركا أن الأجمل فى علاقتهما لم يأتِ بعد.

 

 

 

أخطاء شائعة

قالت الدكتورة إيمان عبدالله، خبيرة العلاج الأسرى: إن «الخيانة الزوجية» أيًّا كانت درجتها أو نوعها من أصعب الجراح التى تواجه أى زوجة، لا تنساها، وتعانى بسببها آلامًا نفسية وجسدية مُبرحة، لكن يُمكنها تجاوز ذلك، بل قد تكون بداية انطلاقة جديدة.

تضيف: هناك أخطاء تصعب عملية التعافى منها، أو تعافى العلاقة الزوجية بعدها، فالتفكير فى المرأة التى خانها زوجها معها، يجعلها تستولى عليها.

وإذا كانتِ الزوجة مخلصة وغير مقصرة بحق زوجها عليها التوقف عن توبيخ ذاتها، والتفكير فى الصدمة الموجعة حتى لا تضعف ثقتها بنفسها أو تفقدها، وطرح أسئلة عن التفاصيل الكثيرة يكون مؤلمًا للطرفين مثل: أين ذهبتما؟ ماذا قلت لها؟ كيف كان شعورك نحوها؟

ولكن السؤال عن سبب الخيانة مهم، فالإجابة عليه بصدق والنقاش حوله ربما يساعد فى تعافى العلاقة.

تقول: «تعاطى دراما وأغنيات وقصص الخيانة، أو الهوس بقصص الخائنين والخائنات وتغيير نغمة الهاتف إلى أغنية عن الخيانة، يجعل المشاعر أسوأ والقدرة على التعافى أقل، كما أن وضع المشكلة على جروبات الفيسبوك خطأ كبير لأن بها الفاسد والصالح، العاقل والأحمق، والطيب والخبيث، والنصاب والدجال.. كما أن هناك ذكورًا يتلصصون على المجموعات النسائية وينتظرون فرصة الاصطياد فى الماء العكر، وغالبًا ستطلق بعض النساء نصائح نارية لتعويض نقصًا يعشنه، وكلمات طائشة تزيد الهم».

أما التفكير فى الانتقام فيبعدنا عن التعافى الحقيقى، ورد الخيانة بالخيانة يزيد الإنسان نقمة وغضبا».

بعد الطلاق

حسب «عبدالله»، فإن فسخ الخطوبة أو الانفصال عن شريك الحياة هى أيضًا من التجارب الصعبة، والشفاء منها يتطلب وقتاً، ولكن فى النهاية يختفى الألم، ويصبح الأمر مجرد تجربة.

والانفصال ليس نهاية العالم ولا يجب إطالة فترة الحزن وبدء الحياة من جديد، والكثير من الدراسات قالت إن المدة الطبيعية لتجاوز آلام الانفصال، 3 أشهر إلى 18 شهراً، ولكن قد تستمر معاناة بعض الأشخاص لسنوات.

لكن الثابت أنه فى أحيان كثيرة يكون الطلاق بداية جديدة، بشرط عدم الاستسلام للألم، لأن ذلك يفاقم ويجلب التوتر والعجز والتشاؤم، وبالتالى يتأخر الشفاء، وتزداد الحياة تعاسة.

والوقوع فى فخ المظلومية، والحديث عن أخطاء وأفعال الشريك يجعلنا أسرى العلاقة، فيستمر إحساس الظلم، والإحساس بالضعف والخذلان يزيد الحزن.

فى العلاقات الفاشلة، لابد من إغلاق باب الماضى، والتخلص من كل شىء يذكر به، ومنها وسائل التواصل الاجتماعى.

كما يمكن أن تكون علاقتهما طيبة بعد الانفصال خاصة لو بينهما أولاد.

تضيف: «والتظاهر بالقوة وتجاهل إحساس الحزن الداخلى يتحول لتراكمات يكون لها تبعات سلبية فيما بعد.

ويجب عدم استعجال النسيان، والاندماج فى الحياة لا الهروب منها بالبعد عن الناس والاقتناع أن كل علاقة يمكن أن تنتهى، والأهم هو التعافى من الوجع، بالبعد عنها وإعادة تقييم الذات ومعرفة الأخطاء، لتجنب تكرارها.

نقطة تحول

بعد علاقة فاشلة من الطبيعى أن يغضب الفرد ليتخلص من الألم، وقد يكون الغضب على الأهل والأقارب، ثم يدخل مرحلة الاكتئاب، لأن الشخص المجروح يفضل أن ينعزل مع جروحه العميقة.

وحسب مركز ميديكال للطب النفسى، تعد محاولة الإنسان مساعدة نفسه، بقبول الدعم من الأسرة والأصدقاء والزملاء أو الطبيب النفسى، للخروج من الصدمة العاطفية نقطة تحول فى حياته الشخصية، ويجب عدم الاستسلام للأفكار السلبية لأنها تزيد من حدة الصدمة، وتضيف الشعور بعدم الجدوى من الحياة.

من جانبه قال الدكتور أحمد حجازى، استشارى طب الأسرة، أنه يمكن تحسين الحالة المزاجية فى حالات الصدمات العاطفية، باتباع نظام غذائى متوازن، فمثلاً المكسرات واللوز ودوار الشمس والجوز تساعد الجسم على التعامل مع الألم العاطفى، حيث يساعد تناول البذور والمكسرات فى تحفيز إنتاج هرمون السيروتونين، الذى يطلق عليه اسم «هرمون السعادة».

تربية نرجسية

وقال الدكتور محمد رضا الفقى، أستاذ الطب النفسى بالأكاديمية العسكرية: غالبًا ما يتجاهل الآباء النرجسيون احتياجات أطفالهم ومخاوفهم، ويقصدون تهميشهم، وتقليل ثقتهم بأنفسهم، بالانتقاد السلبى المستمر والحكم المسبق على أفعالهم بالفشل، والاستهزاء بعواطفهم وعدم تقديرها، وهو ما يزيد من عدم قدرة هؤلاء الأطفال فى شبابهم سريعًا فى العلاقات الفاشلة.

فغالبًا يظهر الوالد النرجسى على أنه مسيطر أو متعجرف، أو يتلاعب بأبنائه من خلال تعزيز شعورهم بالذنب فى أبسط الأمور، ولومهم على أفعالهم حتى الصحيحة منها، والمقارنات السلبية مع الغير، والعقاب عند مخالفة رغبات آبائهم، والتشهير بهم وذمهم أمام الجميع.

كل ذلك قد يؤدى إلى إلحاق أضرار جسيمة بصحتهم النفسية فى الكبر خصوصًا فى علاقاتهم فى الحب مثل: تدنى احترام الذات، وعدم القدرة على التفاعل الإيجابى مع الشريك المفترض للحياة وعدم قدرتهم على اتخاذ القرارات.

وأضاف «الفقى»، أن مواجهة الماضى بالنسبة للشاب الذى تربى فى أسرة نرجسية له دور فى تقبله للحقيقة فى علاقة فاشلة وتجاوز ذكرياته المؤلمة والبدء من جديد من خلال تحديد التزاماته تجاه نفسه والآخرين والبحث عن العلاقات المثمرة والانخراط بها على أساس تقدير الذات.

وقال الدكتور عماد رشاد فى كتابه «أبى الذى أكره»، أن النشأة تحت سطوة أبوية لا تجعل الأبناء يكبرون ليكرهوا آباءهم، وإنما يكبرون وهم يكرهون أنفسهم. ويكبر كل من تعرض للإساءة من والديه وهو يشعر بأنه غير مستحق للحب وأن أحدًا لا يمكن أن يقبله كما هو.

ويتربى الأبناء على القمع والترهيب والنهر فى عالم يطالبهم بالمثالية، وتصل للطفل رسالة أنه غير مستحق للحب ما لم يصِر شيئًا يطلبه منه أبواه أو المجتمع، وهنا يسعى لصنع ذات مفبركة تتوافق مع مقاييسهم.

وجزء أصيل من التعافى من إساءات النشأة يكمن فى الحصول على علاقة عاطفية شافية، أو بيئة حاضنة بديلة لترميمه واستكمال نموه، لمواكبة الضغوط والتعامل مع قلق الوجود، حيث الحل فى الحب الحقيقى.