الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
هيكل يهاجم كتاب د.فوزى ويصفه بأنه مسودات!

هيكل يهاجم كتاب د.فوزى ويصفه بأنه مسودات!

منذ 35 عامًا بالضبط صدر كتاب فى غاية الخطورة والأهمية، للدكتور «محمود فوزى» أشهر وزراء خارجية مصر ورئيس الوزراء بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر فى سبتمبر 1970 وحتى يناير سنة 1972، الكتاب هو «حرب السويس 1956» وترجمه عن الإنجليزية د.مختار الجمال وصدر عن دار الشروق عام 1987.



 

صدر الكتاب فى هدوء وصمت غريب ولا أقول مريب، فقد كانت الأقلام والصحافة سواء المصرية أو العربية مشغولة بصدور كتاب الأستاذ «محمد حسنين هيكل» وكانت حلقاته تنشر مسلسلة فى صحيفة الأهرام وعشرات من الصحف العربية، ثم صدر فى كتاب فخم (927 صفحة) عن مركز الأهرام للترجمة والنشر أواخر عام 1986.

والمثير للدهشة والغرابة فى تلك الأيام هو ما تضمنه حديث صحفى نشرته مجلة المستقبل - كانت تصدر فى باريس - مع الأستاذ «محمد حسنين هيكل» أجراه معه الأديب الأستاذ «يوسف القعيد»، احتلت صورة الأستاذ «هيكل» غلاف المجلة كاملًا وبجواره عنوان «هيكل يلخص للمستقبل: 20 سنة من الأسرار والمعلومات» واستغرق ست صفحات كاملة من المجلة!! (العدد 531 - السبت 25 أبريل سنة 1987).

استهل الأستاذ يوسف القعيد حواره بمقدمة عاطفية قال فيها:

احترت والله كيف أقدم هذا الحديث مع «محمد حسنين هيكل» والحيرة مصدرها أننى أقف فى منتصف المسافة بين جماهير القراء، البرلمان الحقيقى لكل حامل قلم، وبين واحد من آخر رجال العصور التى مرت بمهنة الصحافة العربية وبالكتابة السياسية فى أمة العرب!

أمام الكبار تحتار كيف يكون التقديم، ولذلك قررت الخروج من المأزق بأن أقدم تجربتى الشخصية مع «هيكل» منذ الستينيات حتى الآن - باختصار شديد - كمدخل إنسانى لحديث ثقافى وفكرى.

أعترف أننى لم أحب سوى ثلاثة فى مصر الستينيات: النيل وعبدالناصر وهيكل.. و.. و.. و.. و.

ويكمل الأستاذ يوسف القعيد قائلا فى مقدمته: ذهبت إليه مؤخرا لكى أجرى معه هذا الحوار الثقافي، وكانت لديّ أسبابى الخاصة، فقد صدر له فى مصر العام الماضى مجلده الضخم «ملفات السويس» الذى أثبتت جميع الإحصائيات أنه كان كتاب سنة 1986 مصريًا وعربيًا، أجريت الحديث معه على مرتين، فصلت بينهما إجازة قصيرة سافر فيها إلى الغردقة على ساحل البحر الأحمر فى إجازة استجمام شتوية.

 

 

وبطبيعة الحال فقد كان كتاب «ملفات السويس» هو بطل الحوار مع الأستاذ «هيكل» على النحو التالي: المستقبل: كيف نشرت كتابًا عن موضوع لك فيه كتابان من قبل؟

هيكل: ليس لى كتابان عن السويس من قبل! ما هما الكتابان؟

المستقبل: قصة السويس آخر المعارك فى عصر العمالقة.

هيكل: هذا كتاب يعود إلى ذكرى العيد العشرين للسويس، لم يكن أحد قد اقترب من الموضوع، كتبت عشرة مقالات ثم جمعت فى كتاب وهى ليست كتابًا أبدًا، إنها مجموعة من المقالات فى مناسبة «معينة» عُرضت بأسلوب معين لكنها لم تكن كتابًا عن السويس!

المستقبل: وكتاب خفايا السويس؟

هيكل: هذا أيضًا لم يكن كتابًا!، لقد علقت على كتاب «هيود توماس» عندما أصدر كتابه، كتبت عنه مقالات متفرقة، بالتحديد ما أذاعه عن التواطؤ ولكن هذا العمل أيضا لا يعد كتابًا عن السويس كسويس! «ملفات السويس» يعتبر أول كتاب أكتبه عن السويس كسويس، لكن الحدث كحدث تعرضت له إخباريًا وتعرضت له بالتعليق!

ويتطرق حوار الأستاذ يوسف القعيد والأستاذ «هيكل» إلى عشرات الموضوعات وغالبيتها تحاول الإجابة على أسئلة من نوعية: متى يكتب؟ ومتى يقرأ وما هى ملاحظاته على الكتابة السياسية والصحفية، وما الفارق بين كتبه بالعربية وكتبه بالإنجليزية.. وماذا قال جديدًا فى ملفات السويس.. إلخ ونعود للحوار:

 

 

 

المستقبل: كم مرة كتبت «ملفات السويس»؟

هيكل: مرحلة الصياغة هى آخر مرحلة فى الكتاب، بمعنى إنك فى الأولى فى التصور العام للكتاب وهذا فى الذهن، ولكن فى الكتاب عرض للوقائع وعرض للأفكار وتحليل يربط ما بين الوقائع والأفكار تضع رؤوس هذا كله على ورق وتدون مرحلة الصياغة تأتى فى النهاية.

المستقبل: عندما تكتب بالإنجليزية، فهل تكون المسألة بسهولة التعامل نفسها مع اللغة العربية؟!

هيكل: لست غريبًا على اللغة الإنجليزية لأننى بدأت فى «الإجيبشيان غازيت» كما تعلم، عندما كنت فى الأهرام كتبت «وثائق القاهرة» بالإنجليزية وبعدها تجرى ترجمة ما أكتبه إلى العربية.

ملفات السويس كتبته فى الأصل بالإنجليزية فى عدد أقل من الصفحات ثم ترجمته بنفسى إلى اللغة العربية لأن تركيب القارئ العربى يتطلب أمرًا آخر غير القارئ الأجنبى. هذا الكتاب كتبته مرتين، ليست مسودتين لكتاب واحد، أحدهما هو مكتوب للقارئ الغربى بالسرعة المطلوبة له، والثانى مكتوب بالتفصيل والبناء المنطقى للغة العربية، وبتمثيلى أنا للقارئ المصرى والغربى ماذا يريد بالتحديد.

 

 

 

والآن إلى أخطر جزء فى الحوار وهو رأى الأستاذ هيكل فى كتاب د.محمود عندما سأله الأستاذ يوسف القعيد: طبعًا قرأت كتاب الدكتور «محمود فوزى عن حرب السويس» الصادر فى الفترة نفسها التى صدر فيها كتابك؟! هيكل: أنا آسف لأن اعتبره كتابًا وحرام نسبته إلى «فوزى» هذا الكتاب له قصة، وهناك طرف من الأطراف ارتكب خطأ ما كان ينبغى له أن يفعله، الدكتور فوزى وهذه وقائع تعرفها أطراف أخرى مثل «عبدالحميد عبدالغنى» - عبدالحميد الكاتب - والسفير عبدالحميد سعود، الدكتور بدأ يجمع بعض أشياء رأيتها فى الأوراق الأولى وهو تجميع بدون رأى، لا يوجد هناك أى رأى للدكتور فوزى» تمهيدًا لأن يكتب كتابًا، ومن رأى المسألة يعرف أن ما نشر هو محاولة تجميع، ولكنها ليست كتابًا عن السويس، أن ينشر هذا فيما بعد على أنه كتاب «فوزى» عن السويس ويقال أنه كانت هناك وصية لا أعتقد أن هذا كان كتابًا.

ومن يقرأ ما نشر لا يمكن أن يخرج بأى تقييم حقيقى لفوزي، الدكتور «فوزى» كان واحدًا من أقطاب وأعمدة نظام الثورة المصرية نظام «جمال عبدالناصر» وأعتقد أنه شخصية من الشخصيات المصرية المتميزة دبلوماسيًا وثقافيًا وسياسيًا والرجل كان يحضر لكى يكتب وحضّر فعلًا، وأنا لدى ما حضره من أوراق بخط يده، إنه مخطوط كتاب عن الدبلوماسية كان هو قد أسماه «رؤى مسافر»، وموجود عندى أيضا بخط يده مشروع كتاب «أما بعد» وهو عن تجربته كرئيس وزراء، أما.. رؤى مسافر» فكان عن التجربة الدبلوماسية «ثم قامت الثورة» وهو كتاب ثالث عن تجربته فى ثورة يوليو.

«فتح هيكل درج مكتبه على يساره وأخرج أوراق الكتب الثلاثة بخط «محمود فوزى» وبدأ يقرأ منها مشتملات، كانت للدكتور «فوزى» تعبيرات ليست موجودة لدى أى أحد منا أبدًا، ثمانية عشر عاما منذ الثورة، ملتقى الطرق، هذه عناوين الفصول: مصر تتأهب، الحصاد والحاصدون، لقاءات ومفارقات، اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربي، اجتماعها فى 3 تشرين الأول - أكتوبر - سنة 1970، وزير الإرشاد القومى «محمد حسنين هيكل يزور محمود فوزى» زيارة عاجلة فى أكتوبر 1970 ثم يلتقيان معًا والرئيس السادات فى قصر الطاهرة فى اليوم نفسه.

 المستقبل: وكتاب السويس؟

هيكل: كان «فوزى قد انتهى من رؤوس العناوين فقط وأنا أكتب متحمسًا لأن يكتب فوزى تجربته وهو أخذ بحماسى هذا وحماس غيرى من الذين كانوا متحمسين ولكنى أعرف نفسى فقط وأنا من جانبى اقترحت عليه ثلاثة أمور يكتبها، لأن له ثلاثة وجوه لتجربته، تجربته كدبلوماسى عندما سافر فى أول سنة 1923 إلى القنصلية المصرية فى روما ورأى الفاشستية وبقى حتى حضر ليصبح وزيرًا للخارجية، هذه التجربة الدبلوماسية الصرفة وضع لها فوزى تخطيطًا وسماها «رؤى مسافر» وهذا العنوان فى حد ذاته فيه شيء ما، ثم تجربته الثانية كوزير خارجية جمال عبدالناصر بما فيها السويس وقد خطط لها فى كتابه «ثم قامت الثورة» ثم الكتاب الثالث وهو عن تجربته فى رئاسة الوزارة وقد أسماه «أما بعد»!

ومن سوء الحظ أن الرجل لم يعد موجودًا بيننا، كان من الممكن أن تنشر مسوداته ويقال أنها مسودات، أما أن تنشر هذه المسودات دون أن يقال هذا فأعتقد أنه ظلم فادح لرجل لم يظلم أحدًا فى حياته ولا فى مماته، حرام أن يحدث هذا».

كان هذا هو رأى الأستاذ «هيكل» ولكن ماذا عن كتاب د.فوزى الذى وصفه هيكل بأنه مسودات وليس كتابًا! للحكاية بقية