الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

وجيه يسى.. طاقة أمل تمشى على الأرض

وجيه يسى
وجيه يسى

أهدى رسام الكاريكاتير الفنان سمير عبدالغني، إلى مجلة «صباح الخير» حلقاته المميزة عن جيل الأساتذة من رسامى الكاريكاتير، قبل أن يجمعها فى كتاب يوثق خلاله رحلة هؤلاء مع أحد أهم فنون الصحافة من خلال حكايات وذكريات، عاشها معهم، وصاحبهم خلالها على مدار سنوات عديدة، حرص على توثيقها لتقديمها إلى محبى فن الضحكة والبسمة، وللأجيال الجديدة التى لم يسعدها الحظ أن تتابع رسومات هؤلاء الفنانين فى زمانهم.



 

 

 

 

اتصل بى الفنان على الدسوقى وقال ضاحكًا (طبعا متعرفنيش أنا على الدسوقى رسام الباتيك) فقلت له إزاى يا أستاذ إنت اسمك أشهر من نار على علم.. ضحك مرة أخرى وقال أنا بشوفك فى جريدة القاهرة بترسم كاريكاتير تعاكس الفنانين أو عن معارضهم.. وأنا بحب الكاريكاتير ومعجب بيك وعايزك تعاكسنى.. وبالفعل أصبحت أنا وعلى الدسوقى أصدقاء. فى ثالث اتصال قال لى: يا ريت تنضم للمجموعة بتاعتنا وسألته أنتم مين فقال إحنا بنروح لوجيه فى التجمع مصطفى رحمة وسمير فؤاد وعبدالعال وعصام طه وناس تانيه هتعجبك.. قلت له أنا عارف الأسامى دى كلها لكنى لا أعرف وجيه.. قال هو فى كندا وأنا هديله تليفونك يكلمك.  

بعد يومين اتصل بى الفنان وجيه يسى من كندا يسألنى عن أحوالى، نبرة صوته كانت تشبه أصوات أصدقاء العمر.. واتفقنا أننا سوف نكمل حوارنا، بعد عودته لمصر.

اتصل وجيه وقال لى سوف تأتى أنت والأولاد (وقتها لم يكن لدىّ عربية).. فقال السواق هييجى ياخدك.. قلت له طيب وأنا مروح.. قال ضاحكا زى ما أخدك هيرجعك.

 

 

فى بيت وجيه تجلس الطاقة الإيجابية خلف الباب وتفتح للزوار وتحتضنهم قبل أن يقابلوا صاحب البيت.. وجيه لمن لا يعرفه طاقة أمل تمشى على الأرض وحضور إنسانى يجعلك تشعر أن الدنيا بخير.. فيه ريحة العم والخال.. إنسانية الأخ الكبير.

فى بيته.. سوف تعرف معنى الكرم والقدرة على الاحتواء.. وسوف تقابل ألمع وأهم نجوم الفن فى مصر.. الكبار والذين فى طريقهم نحو القمة.

فى هذ اليوم كنت ضيف الشرف.. رسمنى وجيه ورسم زوجتى. وأولادى.. وأعطانا اللوحات وخرجنا من بيت وجيه نحمل ثروة فنيه وشكولاتة وعروسة لفريدة الصغيرة جاءت من كندا.

فى اللقاء الأول أحرز وجيه أكثر من هدف لقد عرفت الإنسان وكان علىَّ أن أكتشف وجيه الفنان.

هو لا يرسم صورًا فوتوغرافية ولا ينقل الواقع.. إنما يرسم إحساسه ومشاعره تجاه ما يراه.. يرسم ما يحس به.. مشغول بالمساحة والخط واللون.. ويحاول التعبير عن أحلامنا داخل العمل الفنى.

ويبحث فى لوحاته عن النور الداخلى والذى يظهر فى الأعمال كدفء الشمس.. تمتلئ أعماله بطاقة روحية لا يمكن تدريسها أو تعليمها.. إنما هى منحة ربانية. 

 

 

 

اللون عند وجيه هو مصدر التوهج والمحبة ويتميز يسى أيضا بضربات فرشاة ساحرة يقلدها بعض أدعياء الفن إلا أن الأعمال الخاصة بوجيه ترى فيها الشفافية المرتبطة بالروح والحضور المرتبط بالوعى والإبداع الذى يخرج من رحم الثقافة.

وجيه أحد أبناء مدرسة روزاليوسف وكان سعيد الحظ.. أن جاور العباقرة وكان صديقًا مقربًا للعديد منهم.. لذلك سوف تجد الثقافة مكونًا من مكونات العمل الفنى ولكن ليس بشكل مباشر.. كما أن لديه إحساسًا داخليًا بالمسئولية تجاه عشاق فنه. 

هو يبحث لنفسه عن مكان بين عمالقة الفن فى العالم وأعماله تستحق أن تكون فى أهم المتاحف.. لدينا فى مصر رسامون كبار لكن عدد المبدعين أقل وأمثال وجيه هم ندرة تحتاج إلى رعاية واحتفاء من النقاد، لأن وجيه عندما يكون خارج مصر لا يمثل نفسه.. لكنه يمثل مصر.

وجيه فى كندا.. لكنه طول الوقت يرسم مصر.. يحمل بداخله كل الأماكن التى أحبها وفى شرايينه يجرى النيل ولديه ذاكرة بصرية يحسده عليها الفنانون الذين رسموا كتاب وصف مصر.

عندما قرر أن يرسم أم كلثوم أشفقت عليه.. لقد أنهى عليها البهجورى ولم يترك شيئا لأحد (هكذا كنت أتصور) إلا أن وجيه كان له رأى آخر.. يقول (.. أم كلثوم لم تكن عصرا من الغناء وإنما كانت مصر فى أجمل وأحلى صورها.. كلام وموسيقى وغناء وإبداع فى كل المجالات.. أدب ومسرح وسينما ورياضة وروح ثورية تتمنى أن تصل بمصر للمكانة التى تليق بها ).

عاد وجيه ليرسم الأحلام والأمنيات وكل الأحاسيس المدهشة يستدعيها مرة أخرى فى هذه اللحظة الصعبة من عمر الوطن.. يحاول من خلال بالتة ألوان مبهجة أن يحارب الظلام ويمنح أيامنا بعضًا من البهجة الهاربة.

بدأ ابنى يوسف (14 سنة) يقوم بعمل فيديوهات عن الفنانين وبالفعل قام بعمل فيديو للفنانين جلال جمعة ومصطفى رحمة من خلال الحديث عنهم وعن أعمالهم فى البيت وتمنى أن يكون هناك لقاء مباشر مع الفنان فى الفيديو الجديد.. وعلى استحياء كلمت وجيه فقال.. تعالوا أى يوم يعجبكم وأنا أعزم كل الناس.. فكان طلب يوسف أنه يريد وجيه بدون أى ناس... ووافق.

عندما فتح لنا وجيه الباب قابلنا بمحبة وقال ليوسف..بدون خجل.. أنت المخرج.. شوف عايز تعمل ايه وأنا تحت أمرك.

 

 

 

أنا ومروة مراتى  كنا مجهزين أسئلة ويوسف استخدم موبايلين وسماعة للصوت.. أكثر من ساعتين للتصوير.. يتحدث وجيه ثم ينظر فى عين يوسف ويسأله عجبك ولا نعيد.

طلب منه يوسف أن يأتى بالتوال ثم يدخل ليضعه على حامل الرسم وتكرر تصوير المشهد أكثر من مرة.. ثم بدا وجيه يرسم لوحة كاملة لأم كلثوم.. تعالى يا عمو كده... ممكن ترجع بضهرك لورا.. ممكن تسمح لى أقرب الموبايل.. ممكن بقعة لون هنا.. طلبات لا تنتهى.

انتهى التصوير وكنت مهتما اسأل وجيه لماذا وافق.. ولماذا يتصرف بمحبة ودون تذمر فكانت إجابته.. أنه لم يصبح وجيه إلا عندما اهتم به أستاذه وأنه لا ينسى أبدًا كلمات التشجيع الذى صنعت منه نجمًا فى عالم الفن التشكيلى..

وأنه الآن عليه دين كبير تجاه كل موهوب يقابله.. وأن سداد الدين بالتشجيع.. إذا كنا نتحدث عن المستقبل فهو ليس لنا بل لهؤلاء الشباب الذى يجب أن نكون داعمين لهم.

عندما عاد يوسف إلى البيت كان يقول لقد تعلمت أشياء كثيرة لم أكن أعرفها واستمتعت وأنا أرى وجيه يرسم بكل الحب ولا يضع اسمه على اللوحة قبل أن يطمئن أنها تستحق التوقيع.

سألت يوسف أكتر جملة لسه فاكرها فى الحوار فقال: «إن مفيش حاجة اسمها فنان عالمي لأن الفن لغة عالمية فأي فنان يستطيع أن يكون عالميًا».

وجيه الذى ملأ حياتنا الفنية بالحب وقدم لنا أجمل صورة للفنان باحترامه للجميع.. يرسم بريشة يغمسها فى السحاب ليرسم لنا الروح.. ريشة ساحرة لمستها أيادى المبدعين الكبار من رسامى الكهوف حتى عصرنا الحالى.. ريشة تحلم بالحق والخير والجمال...تستطيع وأنت تنظر إلى أعماله أن ترى بكارة إحساس.

فنان يعيش بوعى فطرى استطاع أن يحافظ على الطفل الذى بداخله.. والذى يدهشنا دائمًا.