الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
العالـم فى شـرم الشـيخ

العالـم فى شـرم الشـيخ

أنظار العالم على مصر. أو إن شئت الدقة فإن العالم فى شرم الشيخ. يعنى العالم فى مصر. 



حتى كتابة هذه السطور، كان قد بدأ العد التنازلى لبدء قمة المناخ الـ 27 فى مدينة السلام شرم الشيخ. 

تدخل مصر مؤتمر المناخ بمئات من الجهود التنموية الخضراء والاقتصاد النظيف. شرم الشيخ نفسها مدينة خضراء فى إطار استراتيجية وطنية للتغيرات المناخية تعمل على الأرض وفى الواقع على تغيرات كبرى فى سياسات التحول إلى الطاقة المتجددة.

غير النجاح المبهر فى استضافة مصرية لقمة المناخ، تسعى مصر إلى مزيد من النجاحات على مسارات مختلفة تتطلبها أزمة المناخ الكوكبية. 

الوفود المشاركة تتوافد على شرم الشيخ
الوفود المشاركة تتوافد على شرم الشيخ

 

(1)

تتفاوض مصر باسم الدول النامية، وباسم إفريقيا، وباسم شعوب تسعى للمستقبل، وسط تغيرات كبرى فى الأجواء والطقس، كانت الدول الصناعية الكبرى هى أكثر المسؤولين عن أسبابه.

أكثر من 100 من قادة الدول والحكومات فى قمة المناخ الآن، وفى أجواء تشهد أزمات مختلفة بدءًا من حرب أوكرانيا، مرورًا بالضغوط التي سببها التضخم العالمى، وسط احتمالات بالركود الاقتصادى الدولى، إضافة إلى ما تعكسه أزمة المناخ من آثار سلبية على الطاقة وعلى الغذاء وعلى الحياة الطبيعية على كوكب الأرض. 

يعول العالم كثيرًا على مصر.. وعلى القمة فى مصر. كوب 27 لابد أن تكون فيصلًا.. وتسعى مصر بجهود جبارة لكى تكون كذلك، وسط المخاوف الكوكبية من التغيرات المناخية، التي تعاظمت السنوات الأخيرة بقوة، وتنوعت بين موجات حر وعواصف، وذوبان جليدى، ومزيد من الظواهر الجديدة على مناخ الأرض، بما يعطى لمحات عن أسوأ السيناريوهات التي قد تتحقق فى المستقبل لو بات الأمر على ما هو عليه. 

أكثر من 76 % من الانبعاثات الضارة والكربونية تسببت فيها الدول الصناعية الكبرى، مصر لا تساهم فى الأضرار البيئية إلا بأقل من جزء على عشرة فى المائة.  المطالب واضحة. فالدول النامية فى حاجة إلى مال لمواجهة ما لم تتسبب فيه من آثار أدت إلى تصدعات فى جدران المناخ. 

والدول النامية، فى حاجة إلى تعهدات من الدول الكبرى للوفاء بالتزامات الأخيرة، بسياسات تدعم مكافحة التغيرات المناخية، ولا تتسبب فى مزيد من الكوارث على أرض ذلك الكوكب.

لذلك فإن مصر تسعى إلى أن تكون التعهدات فى شرم الشيخ واضحة، وجادة، ولها آليات للتطبيق على الأرض.

الأسبوع الماضى، حذرت الأمم المتحدة فى تقرير من ألا تكون هناك إجراءات جادة لحصر ارتفاع درجات حرارة الأرض فى واحد ونصف درجة حسب اتفاق باريس. قال التقرير الأممى إن مسار ما يسمى بظاهرة الاحترار (ارتفاع حرارة الأرض) هو الأفضل منذ مؤتمر المناخ بباريس عام 1995، إلا أنه ليس الرقم المأمول، إضافة إلى أنه خلال السنوات الأربع الماضية، ومع سياسات الدول الكبرى الجارية، فإن النتيجة هو سيرنا فى اتجاه زيادة فى درجة حرارة الأرض إلى 2.8 درجة مئوية.

هى كارثة.. أو هى المشارف على أول الطريق للكوارث.

 

الرئيس استهل لقاءاته على هامش المؤتمر بمدير صندوق النقد الدولى
الرئيس استهل لقاءاته على هامش المؤتمر بمدير صندوق النقد الدولى

 

(2)

حسب الخبراء، فإن ما سوف يلقى بظلاله على قمة شرم الشيخ، لن تكون الأزمة الروسية الأوكرانية وحدها، إنما أيضًا شكل العلاقات الصينية الأمريكية وما شهدته من اضطرابات مؤخرًا، وهو ما أدى إلى انعكاس آثاره على قضايا المناخ، وأدى بدوره إلى كثير من الاختراقات لما يمكن تسميته بدبلوماسية المناخ. 

خرجت الصين والولايات المتحدة من كوب 26 بنوع من درجات الحياد الفنى فيما يتعلق بقضايا المناخ، التي قال مراقبون إنها حازت على ضوء أخضر من كلا البلدين لفصلها عن الطموحات والمصالح السياسية.

لكن يبدو أن الأمر لم يسر فى الاتجاه المأمول، وجاءت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى نانسى بيلوسى لتايوان أغسطس الماضى، لتؤدى إلى وقف قنوات أى تواصل بين البلدين فيما يتعلق بالقضايا المناخية.

ازداد الوضع سوءًا، بعد أن فرضت إدارة بايدن قيودًا أسموها بالفولاذية فى مواجهة تصدير الشرائح التكنولوجية المتطورة إلى بكين. 

على المستويات السياسية، كان للأمر حساباته، لكن على مستويات العمل المناخى، كان للأمر تداعيات كبرى، إذ لم يكن من المأمول التوصل إلى حلول جدية فى قضايا المناخ، وسط هذه الظروف، وحيث توقف التواصل بين أكبر قطبين فى العالم متسببين فى الانبعاثات الضارة على الأرض. 

تصورات الحصر الحرارى لكوكب الأرض فى حدود واحد ونصف درجة.. ربما تكون صعبة وغير واقعية فى تلك الظروف.

تعمل مصر من خلال كوب 27 على تقريب وجهات النظر، وعلى الوصول لمناطق وسط، بين القوى الكبرى، ورأب الصراعات أو الخلافات السياسية أو على الأقل تحييدها، وفصلها عن القضايا المناخية. 

وستركز مصر جهودها خلال القمة على أولويات رئيسية، وهى سياسات شفافة لتقليل الانبعاثات، والمساءلة فى حالة الإخلال بالالتزامات، ثم التمويلات اللازمة لدعم الدول النامية على التكيف مع التغيرات المناخية، ودعم مشاريع ووسائل التحول إلى الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر.

مساهمة الدول الصناعية الكبرى فى جبر  أخطائها وآثار سياساتها الإنتاجية على مناخ الأرض مسألة رئيسية. هناك حديث عن آليات مختلفة لوصول التمويلات من الدول الصناعية للدول النامية. هناك أحاديث عن صندوق خاص «بالخسائر» لتمويل مشروعات التكيف المناخى فى الدول النامية.

كله مطروح.. وكله وارد فى المفاوضات، لكن المؤكد أن كل ما هو مطلوب من إجراءات يجب أن يتم وسريعًا، وبلا تضييع وقت.

الواقع أن الدول الكبرى لا تريد الوفاء بتعهدات، ولا تفضل الحديث عن صناديق خاصة للتمويل.

تتكلم الدول الكبرى من وجهات نظر بعيدة إلى حد كبير عن الوضع الحالى.. مثلًا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى يدفعان بتخوفهما من اعتماد صندوق مالى خاص، وهما منذ سنوات يتعمدان التشكيك فى الحاجة إلى ذلك الصندوق المنفصل لجبر الآثار السلبية للتغيرات المناخية. 

سبق وتعهدت الدول الكبرى بمائة مليار دولار للدول النامية، ولم توف ما وعدت به. فى الحديث عن الصندوق المالى، تتعلل الدول الكبرى بأكثر من علة وسبب، لكن يظل كله غير مجدٍ وغير كافٍ فى ظل مشكلة كوكبية لا بد لها من حلول الآن.

عام 2009، تعهدت الدول الكبرى بمنح 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2020. اليوم أصبح المبلغ رمزيًا، واليوم بدت المائة مليار دولار قيمة لا يمكن ذكرها فى أنها قادرة على الوفاء بالمتطلبات الفعلية لمواجهة أو التكيف من الآثار شديدة السوء للتغيرات المناخية.

فى تلك الظروف.. ووسط كل تلك التعقيدات، تستضيف مصر قمة المناخ عملًا على إنقاذ الأرض.. وإنقاذ العالم.

مصر تستطيع.