السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

.. ولمـا كانـت الثانيـة ظهـرًا

السادات على الجبهة.. وخطة خداع ناجحة قبل العبور
السادات على الجبهة.. وخطة خداع ناجحة قبل العبور

فى ساعة «الصفر»، وفى صمت «لاسلكى» تام، بدأت الضربة الجوية الكبرى، بأكثر من 220 طائرة من القاذفات المقاتلة، انطلقت إلى أعماق سيناء يوم السادس من أكتوبر، لتدك مطارات العدو وقواعده الجوية وطائراته الجاثمة على الأرض بها، وكانت أبرز أهداف هذه الغارة الضاربة هى مطارات: المليز، تمادة، السر، الجفجافة شرق الحائط الجبلى، القاعدة الجوية فى العريش، فى شمال شبه الجزيرة، ورأس نصرانى فى أقصى جنوبها، ومراكز الرادار والتشويش فى أم خشيب، أم مرجم والطاسة وغيرها على المحور الأوسط، وهو ما شل الجهاز العصبى للعدو. 



 

أرقى حرب فى التاريخ على مقاييس الخطط القتالية
أرقى حرب فى التاريخ على مقاييس الخطط القتالية

 

تمت الضربة كلها فى لحظة واحدة تماما، حيث كانت كل طائراتنا فوق مواقعها المستهدفة فى تلك اللحظة، حرمانا للعدو من فرصة الإنذار وتحقيقًا لعنصر المفاجأة الكاملة، فخرج طيران العدو من المعركة مؤقتا لساعات ثمينة، بفضل الضربة الساحقة التى كانت نموذجا لـ«الحرب الخاطفة»، وكانت ردا عادلا ومشروعا على الضربة الغادرة صباح 5 يونيو 1967. 

 

بعد 17 دقيقة من بدء القتال عبر لواء كامل القناة
بعد 17 دقيقة من بدء القتال عبر لواء كامل القناة

 

وفى اللحظة نفسها، انطلقت المدفعية الثقيلة البعيدة المدى «2000 مدفع كاملة»، مضافا إليها قوة صواريخ أرض أرض كاملة، تقصف فى قصفات متصلة لا تنقطع نيرانها لساعة كاملة مواقع العدو المختلفة فى الشريط الغربى من سيناء، وهى: نقط خط بارليف الحصينة، بطاريات المدفعية، تجمعات الاحتياطى الأمامية والخلفية، التكتيكية والتعبوية، فكان للمدفعية دور أساسى فى التمهيد النيرانى الجبار للعبور، وفى تغطية وتأمين إقامة رءوس الجسور على الضفة. 

كان هذا الانتصار فى ذلك اليوم، ما دفع «روبرت هونز» رئيس تحرير مجلة «أفييشن ويك» الأمريكية، أكبر مجلة متخصصة فى عالم الطيران والفضاء وقتها ليقول فى عام 1975، «لقد كانت حرب أكتوبر هى أول حرب إليكترونية وأرقى حرب فى التاريخ من حيث الدرجة الفنية والأساليب العلمية التى استخدمت فيها». 

 

بدأ عبور القناة بعد ساعة و20 دقيقة
بدأ عبور القناة بعد ساعة و20 دقيقة

 

وفسر الكاتب الصحفى «محمد عبدالمنعم» ذلك، بأن جانبى الصراع اشتركا فى مباراة علمية معقدة، فكانت هناك إجراءات إليكترونية من جانب، وإجراءات مضادة من الجانب الآخر، واستخدمت فى ذلك وسائل وأساليب لم تكن «الولايات المتحدة الأمريكية» نفسها قد استخدمتها بعد. 

فى يوم السادس من أكتوبر 1973، الموافق العاشر من رمضان، استقبل «الرئيس أنور السادات» بالقصر الجمهورى بالجيزة، «الفريق أول أحمد إسماعيل»، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة، واتجها إلى «مركز القيادة الرئيسى للقوات المسلحة»، حيث كان فى استقبالهما، «اللواء حسن الجريدلى»، سكرتير وزارة الحربية، الذى قدم للرئيس السادات وثيقة القتال قائلاً: «بالنصر إن شاء الله يا فندم»، فوقعها السادات بهدوء تام، ثم دخل «غرفة العمليات» تاركا مرافقيه، وقد فهموا لأول مرة ماذا كان يدور بخاطر الرئيس.

 

فى الساعة الواحدة و57 دقيقة انطلقت نيران المدفعية
فى الساعة الواحدة و57 دقيقة انطلقت نيران المدفعية

 

فى داخل غرفة العمليات، قام اللواء «محمد عبدالغنى الجمسى»، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، بفتح «خزائن الوثائق السرية» وأخرج منها لأول مرة خرائط العملية «بدر»، وبدأت الخطة فى الساعة الثانية و5 دقائق بعد ظهر ذلك اليوم، وبعد استعدادات هائلة لم تنقطع طوال 6 سنوات. 

كان هدف القوات المصرية فى «المرحلة الأولى»، هو العبور للضفة الشرقية للقناة، اجتياح خط بارليف، وتحطيم أسطورة القوة العسكرية الإسرائيلية، وبعد 17 دقيقة بالضبط من بدء القتال، تلقى «مركز القيادة الرئيسى للقوات المسلحة» إشارة تفيد بأن «اللواء السابع مشاة ميكانيكى»، نجح فى عبور القناة بكامل أسلحته وأفراده، وانطلقت صيحة الضباط الموجودين بالمركز «الله أكبر»، وهى الصيحة نفسها التى كان هديرها يتردد على طول القناة.  «البساطة والهدوء والكتمان والسرية»، هى الوصف الدقيق لكل ما كان يتم قبل أيام، وحتى الساعات القليلة قبل بدء «الحرب»، فقد أجرت القوات المسلحة «مشروع تدريبى تعبوى» أو «مناورة ضخمة» على مستوى القوات المسلحة المصرية والسورية، تسربت أنباؤها عن قصد إلى خارج صفوف القوات المسلحة، وفى الفترة نفسها، كان قرار «وزير الحربية» بالسماح لضباط وأفراد القوات المسلحة بأداء «العمرة»، وأيضًا إعلان أن الرئيس السادات كان ينوى قضاء فترة استشفاء فى الخارج خلال أكتوبر، وأنه يعاود الذهاب إلى برج العرب، لأنه يشعر بإرهاق خلال الآونة الأخيرة. 

 

ورفعنا العلم
ورفعنا العلم

 

وكان قد أعلن رسميا فى 25 سبتمبر 73، أن «الفريق أول أحمد إسماعيل» أمضى يومين فى المواقع الأمامية بجبهة القناة متفقدا القوات خلال تنفيذها بعض المشروعات التدريبية والبيانات العملية، حيث كان الضباط والجنود يتدربون على «خطة الهجوم الحقيقية» على أنها «تدريبات روتينية» دون أن يعلموا أن ما كانوا يقومون به آنذاك هو مهامهم خلال «معركة التحرير». 

بل إن «الضربة الجوية الأولى» تم تنفيذها وعادت الطائرات إلى المطارات دون أن يعلم الإداريون والفنيون فيها أن الحرب قد بدأت، وأن العدو تلقى الضربة الأولى. 

فى مركز القيادة الرئيسى للدفاع الجوى اتخذ اللواء «محمد على فهمى»، قائد قوات الدفاع الجوى، اجراءات صارمة لمنع تسريب أنباء الضربة قبل إنجازها، وعندما أبلغ أحدهم أن بعض طائراتنا دخلت سيناء بالفعل، رد عليه «قائد قوات الدفاع الجوى» ، أن هناك 200 طائرة مصرية تضرب أهداف العدو فى سيناء منذ 30 دقيقة، وأضاف «الآن يجىء دورنا». 

فى «مركز قيادة القوات الجوية»، كان اللواء طيار «محمد حسنى مبارك»، قائد القوات الجوية، ومعه «طاقم قيادته»، ينظرون إلى الخرائط المضاءة أمامهم، التى تبين صورة الموقف الجوى فى المنطقة، ينتظرون عودة الطائرات، يعدون الدقائق والثوانى، وعادت الطائرات سالمة وبدأت عمليات التتميم والعد، فإذا بالنجاح فاق كل التوقعات، وقد عادت الطائرات كلها ما عدا «طائرة واحدة». 

وحسب مراحل التدريب، كان المطلوب تنفيذ الضربة الجوية بأفضل نتائج خلال وقت مقدر ما بين «22 و25 دقيقة، ولم تستغرق العمليات سوى 20 دقيقة، حيث كانت سرعة طائراتنا 900 كيلومتر فى الساعة، أى 15 كيلومترًا فى الدقيقة الواحدة. 

كان أمام «القوات المسلحة المصرية» 10 أهداف، فرضتها طبيعة مسرح العمليات، تمثلت في: وقف ضخ النابلم والمواد الملتهبة قبل العبور، إحداث ثغرات فى الساتر الترابى، إزالة نطاقات وحقول الألغام والأسلاك الشائكة «73 نطاقًا» حول خط بارليف، اقتحام مواقع خط بارليف والتوغل داخلها بسرعة قبل بدء المدفعية الإسرائيلية فتح نيرانها، وتعطيل وصول الاحتياطيات الخلفية إلى حافة القناة خلال فترة العبور، وصمود رجال المشاة

المصريين وجها لوجه أمام مدرعات العدو، بناء الجسور عبر قناة السويس فى 5 ساعات على الأكثر لنقل معداتنا الثقيلة، الحفاظ على هذه الجسور سليمة وصالحة للاستعمال رغم أى نشاط جوى للعدو، الحد من فاعلية السلاح الجوى الإسرائيلى، كل هذه الأهداف كان يجب تحقيقها رغم وجود كامل قواتنا على الضفة الغربية للقناة على مرمى بصر العدو وملاحظته المستمرة. 

 

فى اليوم الأول عبر 80 ألف جندى
فى اليوم الأول عبر 80 ألف جندى

 

 

الخداع

بلغ عدد «البنود الخداعية» التى اتبعتها القوات المسلحة المصرية 65 بندًا فى مرحلة ماقبل انطلاق «حرب التحرير»، التى عُرفت بـ«ضباب ما قبل المعركة»، حيث ظل رجال موجة العبور الأولى قابعين داخل خنادقهم بكامل أسلحتهم ومعداتهم لمدة زادت على 12 ساعة، دون أن يرفع أحدهم رأسه ويراه العدو بكامل معداته وملابسه الميدانية. 

وظلت باقى القوات حتى آخر لحظة لا تبدى استعدادا أو توترا، بل كانت هناك جماعات منهم قد خُصصت للاستحمام فى مياه القناة وغسل الملابس، وجماعات أخرى تسترخى تحت أشعة الشمس، وأفراد يقومون بمص القصب، وغيرهم يمارس أنواعا مختلفة من الألعاب الرياضية. 

ظلت هذه الصورة قائمة دون أى افتعال كأن الزمن توقف عندها، وقبل الثانية ظهرا، خرج فجأة رجال مدفعية الميدان وانتزعوا «شباك التمويه» من فوق آلاف المدافع الثقيلة والمتوسطة والصاروخية والمضادة للدبابات والهاونات بمختلف أعيرتها، وفى الساعة الواحدة و57 دقيقة، انطلقت جميع هذه المدافع إلى أهداف العدو القريبة والبعيدة فى غلالة كثيفة من النيران فيما يسمى بمرحلة «التمهيد للمعركة». 

ركزت المدفعية ضرباتها على مواقع خط بارليف ومناطق الاحتياطى القريب والاحتياطى البعيد ومراكز القيادات المختلفة، فكانت مدفعية الميدان المصرية تغطى مسافة 30 كيلومترًا داخل أعماق سيناء، واستمرت القصفة التمهيدية 3 دقائق، كانت خلالها طائرات الضربة الجوية الأولى قد عبرت قناة السويس على ارتفاع منخفض لا تظهر فى شبكات الرادار الإسرائيلية، ووصلت فعلاً إلى أهدافها الحيوية داخل سيناء. 

تسبب الهدير المفاجئ لهذه الضربات فى إصابة القوات الإسرائيلية بالذهول والصدمة مع اللحظات الأولى للمعركة، وظلت الصدمة تسرى بين مختلف قواته وقياداته فيما يشبه «التفاعل المتسلسل»، حتى خرج الوصف الشهير «واستطاع العرب أن يمسكوا بإسرائيل وهى عارية من الملابس». 

ونجحت القوات المسلحة المصرية فى تحقيق المفاجأة على مستويين: الأول «المستوى الاستراتيجى» قبل بدء العمليات، والثانى «المستوى التكتيكى» عند بدء وأثناء سير القتال، عندئذ، قام رجالنا بنفخ قوارب العبور، ليخرج رجال موجة العبور الأولى من الخنادق متجهين إلى الضفة الشرقية. 

الأبطال 

كان رجال الصاعقة وبعض رجال المشاة هم أول من عبر قناة السويس فى حرب 6 أكتوبر 1973 قبل بدء المعركة, واتجهوا فورًا إلى مواسير المواد الملتهبة، وقاموا بسدها وتخريب المضخات التى ستضخ هذه المواد، من المستودعات إلى سطح القناة. 

كما قام رجال الصاعقة أيضًا باحتلال مصاطب الدبابات «التى بناها العدو ونصبوا كمائن عندها انتظارا للدبابات الإسرائيلية التى ستسرع لاعتلاء هذه المصاطب لتفتح نيرانها على قواتنا العابرة خلال المعركة, ولم تكن هذه الدبابات تعلم أنها تسرع إلى حتفها».

وفى الوقت الذى، كانت القوارب المطاطية تعبر القناة، كانت مقاتلاتنا وقاذفاتنا المقاتلة تعبر سماء القناة، وبينما كانت قوات من الصاعقة تعبر القناة، كانت قوات أخرى منهم تتجه إلى أعماق سيناء ومنطقة جبال سيناء وساحل سيناء الشمالى، ومن كل مكان وفى كل مكان رجال الصاعقة يعملون، وقد نقلتهم إلى هناك عشرات من «طائرات الهليكوبتر». 

تسلق الجنود السد الترابى بـ«سلالم الحبال البدائية»، وتبعهم رجال المشاة ومعهم «عناصر المهندسين» يحضرون مفاجأة أخرى للعدو، فقد كانت فكرة السد الترابى رائعة فى بساطتها ومناعتها، وجاء «الحل المصرى» أروع وأكثر بساطة، باستخدام «طلمبات المياه التوربينية» لتدفع المياه عبر مدفع مائى يعمل بقوة دفع تكفى لينهال التراب، ويتم عمل فتحات ضخمة كافية لعبور مدرعاتنا ومعداتنا. 

بدأت رحلة العبور الأولى فى الساعة الثانية و20 دقيقة، وتولت مدفعية الميدان بأسلوب مبتكر فتح ثغرات عديدة فى حقول الألغام المنتشرة حول مواقع خط بارليف، وتدفقت قوات المشاة المصرية من خلال هذه الثغرات صوب المواقع الإسرائيلية، حيث كان العدو يعتقد أننا سنهاجم هذه المواقع من الخلف والأجناب، فى مفاجأة أخرى على المستوى التكتيكى. 

كان رجال المشاة المصريون مسلحين بقواذف مضادة للدبابات من طراز «آر بى - جى» الصغير و«بى 10 و11» الذى يصل وزنه إلى 350 كيلوجرامًا، ومع ذلك حملوه وتسلقوا به السد الترابى، فوق سلالم الحبال البدائية، ووقفوا وجهًا لوجه أمام المدرعات الإسرائيلية الثقيلة. 

فى هذه المرحلة الصعبة، كان عدد الصواريخ المضادة للدبابات محدودا حسب تصريح اللواء «سعد مأمون» قائد الجيش الثانى وقتذاك ومساعد وزير الحربية لشئون العمليات فى مرحلة تالية، فكان الفضل كله أثناء هذا النزال غير المتكافئ لشجاعة واستبسال «رجل المشاة المصرى»، وهو ما اعترف به صراحة «الجنرال دافيد عازر، رئيس الأركان الإسرائيلي». 

فى الوقت نفسه أيضًا، كان رجال المهندسين يقومون ببناء كبارى الاقتحام، وأسرع رجال المشاة صوب المواقع الحصينة، ومعهم مفاجأتان للعدو، الأولى أنهم هاجموا تلك المواقع بالمواجهة ومن الأمام مباشرة على عكس توقع العدو، والثانية أن الإسرائيليين حسب التوقعات نزلوا فى حصونهم وأغلقوا أبوابها الحديدية، وكان رجالنا قد جهزوا معهم مجموعة من الألغام الملتصقة بطريقة خاصة، وفى ثوان فسخوا البوابات الحديدية واقتحموا الحصون ليدور القتال بالسلاح الأبيض، بينما فتحت مدافع الميدان الإسرائيلية فى الخلف عند منطقة الاحتياطى القريب والبعيد النيران فعلا على هذه الحصون ظنا منها أن رجالنا ما زالوا بالخارج. 

 

..وانتصرنا
..وانتصرنا

 

موجات العبور

تحركت قوات الاحتياطى القريب والبعيدة الإسرائيلية لنجدة زملائهم فى مواقع خط بارليف، بينما كانت قياداتنا تتحرك لتلحق يقواتها على الضفة الشرقية، حيث تحرك قادة الكتائب وأطقم قياداتها بعد 15 دقيقة، وتحرك قادة الألوية وأطقم قياداتها بعد 45 دقيقة، وتحرك قادة الفرق وأطقم قياداتها بعد 80 دقيقة، ولم تكن كبارى الاقتحام قد أنشئت بعد، فقام هؤلاء القادة بتسلق السد الترابى شأنهم فى ذلك شأن الجنود وصغار الضباط. 

وبعد ساعة و23 دقيقة، سقطت أول نقطة حصينة للعدو بين أيدينا عند الكيلو 19 جنوب بورسعيد فى قطاع الجيش الثانى، وبعد ساعة و30 دقيقة أى بعد سقوط النقطة الأولى بـ 7 دقائق سقطت النقطة الثانية فى منطقة الشط عند علامة الكيلو 146 فى قطاع الجيش الثالث الميدانى. 

وكانت صيحة «الله أكبر» تغطى الجبهة بأكملها، والجنود تتسابق لتتقدم قادتها، حتى إنه عندما بدأ اول هجوم إسرائيلى مضاد من الاحتياطيات الخلفية، وصلت دبابتان للعدو بالقرب من أحد قادة الفرق فى الجيش الثانى، فهرع إليه أحد جنوده ليدمر الدبابتين، واحدة بالقاذف «آر بى جي»، والأخرى بقنبلة يدوية مضادة للدبابات، ونجحت المشاة المصرية فى الصمود أمام المدرعات الإسرائيلية التى شنت الهجوم المضاد. 

وكان من بين المشكلات المحسوبة فى هذا الصدد، أنه كان يلزم إمداد العناصر المضادة للدبابات بالذخائر اللازمة فى هذه المرحلة الحرجة قبل إتمام بناء الكبارى، وبناء على حسابات سابقة، تم تجهيز «عربات جر باليد»، يجرى بها «رجل المشاة» حاملا ذخائر القواذف والصواريخ المضادة للدبابات، ويتسلق الساتر الترابى، ثم يستمر فى الجرى بهذه العربة ليوزع الذخائر على زملائه المشتركين فى قتال الدبابات. 

بعد 5 ساعات، انتهى المهندسون من بناء كبارى الاقتحام بعد جهد رائع وسط النيران المتبادلة من الجانبين، وبعد 5 ساعات ونصف الساعة، عبرت إلى الضفة الشرقية أول دبابة، بينما عبرت دبابات الجيش الثالث فى الساعة الثامنة من صباح الأحد 7 أكتوبر بسبب سرعة التيار وارتفاع المد والجذر. وارتفاع مستوى الأرض ومستوى السد الترابى، وهو ما فرض عبئا كبيرا على الجنود. 

مع موجات العبور الأول، وقبل عبور الدبابات المصرية بوقت طويل، قرر قائد الجيش الثانى الدفع بعدد من الدبابات البرمائية إلى الضفة الشرقية فى منطقة البحيرات المرة، وبلع العدو الطعم وأعلن أن الدبابات المصرية تتدفق بأعداد هائلة جدا عبر القناة، وكان هذا الإجراء ضمن بنود الخداع التكتيكى. 

فى نهاية اليوم الأول، كان قد تدفق إلى الضفة الشرقية 80 ألف جندى مصرى بمعداتهم وأسلحتهم، وسقطت بين أيدينا 15 نقطة حصينة للعدو، واستطعنا فى يوم واحد أن نقيم 5 رءوس شواطئ على الضفة الشرقية، وعندما تحرك الاحتياطى الاستراتيجى الإسرائيلى، كانت قوات الصاعقة تنتظرهم فى عمق سيناء بعد إبرارهم بطائرات الهليكوبتر، بمعداتهم الخفيفة لتعطيل وصول هذه الاحتياطيات. 

فى الوقت نفسه، تم إبرار وحدات أخرى من الصاعقة فى جبال سيناء الجنوبية وعلى ساحلها الشمالى، لنصب الكمائن لقوات العدو والإغارة على وحداته من آن لآخر لتشتيت مجهوده. 

أول شبكة دفاع

فى تاريخ الحرب الحديثة، ساهمت خلال حرب 6 أكتوبر لأول مرة شبكة دفاعية بحتة «شبكة الدفاع الجوى المصرى» فى «عملية هجومية من الطراز الأول»، لتوفير الحماية لقواتنا خلال مرحلة العبور، على بعد عشرات الكيلومترات شرق القناة، وعلى مسافات لم تكن قد وطئتها بعد أقدام جنودنا. لأن الصواريخ المضادة للطائرات تغطى مساحة دائرية تصل إلى 30 كيلومترا فى المتوسط فى جميع الاتجاهات، اعتمادا على ارتفاع الطائرات المغيرة، ونجحت قوات الدفاع الجوى المصرى فى بتر ذراع إسرائيل الطويلة. 

خلال عمليات العبور ومنذ اليوم الأول، بذلت وحدات الرادار والإنذار المصرية جهودا رائعة، فلم يحدث أن اقتحمت أية طائرة معادية مجالنا الجوى، إلا وقامت وحدات الرادار والإنذار باكتشافها وتتبعها والتبليغ المستمر عن خط سيرها. 

كان الهدف الأول للحرب الإليكترونية، الحيلولة دون حصول العدو إليكترونيا على أية معلومات عما كان يجرى داخل أراضينا فى الآونة التى سبقت السادس من أكتوبر، وهو ما أدى إلى تحقيق المفاجأة الهائلة التى حققناها فى الساعة الثانية من ظهر هذا اليوم. 

فقد استطعنا أن نحدد مواقع رادارات العدو وأنواعها وتردداتها ودرجة كفاءتها، ومن هنا استطعنا أن نرسم خط سير طائراتنا عند توجيه الضربة الجوية المركزة إلى أعماقه، فكنا نراهم ولا يروننا. 

وفى ورقة أكتوبر المقدمة من الرئيس السادات، العديد من العبارات والجمل الأثيرة، ومنها: «وفى لحظات، كانت مصر كلها خلف القوات المسلحة، يتبارى كل أبنائها فى البذل والعطاء، فى هبة تلقائية لم تترك فردا إلا وجذبته، فاجأ هذا الشعب الذى اشتهر بحبه للسلام الأصدقاء والأعداء بقدرته الرائعة على أن يتحول فى لحظات إلى شعب مقاتل، لا يتردد أمام تضحية، ولا يجفل أمام خطر، ويتبنى كله شعار القوات المسلحة: «النصر أو الشهادة».