الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
صلاح منتصر ليوسف إدريس: أنا صدام حسين!!

صلاح منتصر ليوسف إدريس: أنا صدام حسين!!

لم يتصور د.يوسف إدريس أبدًا أن يضعه الأستاذ «صلاح منتصر» فى هذه الورطة الكبيرة، ولم يخطر بباله أن جاره وصديقه فى «الأهرام» سيدبر هذا المقلب الغريب له.



حكاية المقلب الذى شربه وصدقه أديبنا الكبير «د.يوسف إدريس» رواه بكل تفاصيله الأستاذ «صلاح منتصر» فى مقال له عنوانه: «يوم قلت ليوسف إدريس: أنا صدام حسين»!!

 

كتب صلاح منتصر يقول: «كان يوسف إدريس» من الشخصيات القليلة التى تحملت الخلاف معها إلى أن عرف خطأه، فعادت المحبة والتفاهم والصفاء التى كانت تجمعنا، وقد خلصت «تارى» منه فى «مقلب» ساعدت الصدفة على إتمامه،  وكان أغرب مقلب دبرته ضد زميل!

كنا فى خريف عام 1988 وكنت وقتها فى زيارة إلى لندن أرافق فيها زوجتى الراحلة ضمن رحلة العلاج الطويلة التى قطعناها وتحملتها بصبر وجلد غريبين، وطالت الرحلة لعدة أسابيع، وكنا خلالها نستأجر شقة مفروشة لتوفير مصاريف الفندق عندما نشرت الصحف أن الرئيس العراقى «صدام حسين» قد أهدى الدكتور «يوسف إدريس» جائزة صدام للإبداع الأدبى، وكانت اللجنة الخاصة بهذه الجائزة قد قررت إهداء الجائزة مناصفة بين يوسف إدريس والكاتب الفلسطينى «جبرا إبراهيم جبرا» المقيم فى بغداد منذ عام 1948، ولكن يوسف إدريس المعتز دائمًا بنفسه رفض مبدأ المناصفة وأرسل برقية لصدام حسين.. يحتج فيها على قرار الاقتسام ويتهم لجنة التحكيم بعدم الحياد، وكان رد «صدام حسين» أنه أمر بتعديل لائحة الجائزة بحيث ينال المبدع الأدبى قيمة الجائزة كاملة مهما كان عدد الفائزين بها!

وهكذا فإنه فى يوم 9 سبتمبر 1988 نشر الأهرام أن وزير الثقافة والإعلام العراقى «لطيف جاسم» فى ذلك الوقت أرسل برقية عاجلة إلى الدكتور يوسف إدريس يخبره فيها بتعديل لائحة الجائزة ويهنئه على نيل الجائزة كاملة ومقدارها ثلاثون ألف دولار، بالإضافة إلى نيله وشاح صدام للأدب والفنون.

 

يوسف إدريس- صدام حسين
يوسف إدريس- صدام حسين

 

ويكمل الأستاذ «صلاح منتصر»: ووجدت من الضرورى أن أهنئ يوسف إدريس فاتصلت به فى بيته لأسمع صوت زوجته السيدة «رجاء» تعتذر فى طيبة عن عدم وجود يوسف وتسأل عن المتحدث، وقد عرفت من صوت الرنين أن المكالمة من خارج مصر، وبدون أى سابق إعداد وبطريقة عراقية قلت لها:

- هنا مكتب الرئيس القائد صدام حسين وكان سيادة الرئيس القائد يود أن يكلم الدكتور يوسف إدريس ليهنئه بنفسه على الجائزة.

وارتبكت السيدة رجاء واعتذرت لأن يوسف لو عرف أن الرئيس العراقى سوف يتصل به لما خرج من المنزل وهى لا تعرف ماذا تقول له: ولكننى طمأنتها باعتبارى مدير مكتب الرئيس، أن سيادة الرئيس القائد سوف يعاود الاتصال به غدًا، وكان ردها أنها ستبلغه وسيكون جاهزًا فى الانتظار فى أى وقت لتلقى مكالمة الرئيس!

ووضعت السماعة فلقد وجدت من الحرج بعد كل ذلك أن أكشف لها عن حقيقة شخصيتى ووجدت أن كذبة بيضاء لا تضر بل قد ترفع الروح المعنوية!

وجاء اليوم الثانى السبت 10 سبتمبر 1988، ومن سوء حظ يوسف إدريس، أننى كنت متضايقًا فتذكرت مكالمته، وطلبت رقم تليفونه فى المنزل، وكان هو الذى رد علىّ وبنفس الطريقة أو اللهجة العراقية التى لا أعرف كيف أجدتها وجدتنى أمثل عليه دور مدير مكتب سيادة الرئيس القائد وجاءنى صوته يقول فى الانتظار، وطلبت منه أن ينتظر لحظة حتى أحول الخط، وكان من سوء حظ «يوسف» أن التليفون الموجود فى الشقة المفروشة التى أتحدث منها كانت به تحويلة من غرفة النوم إلى غرفة الصالون وقد استخدمت أزرارها فبدا الأمر طبيعيًا عندما قلت بصوت هادئ مسترخى على طريقة صدام حسين: أهلا أخ يوسف!!

ولم ينتظر «يوسف إدريس» حتى أكمل الحديث بل وضعنى فى موقف حرج عندما انهال مدحًا وأعلن بأن الجائزة التى حصل عليها شىء وهذه المكالمة من الرئيس العراقى شىء آخر وإنه إذا كان قد سبب أى إحراج للرئيس بسبب اعتراضه على اقتسامه الجائزة فإنه على استعداد للتنازل عنها، بل إنه بالفعل متنازل عنها وتكفيه هذه المكالمة من الرئيس، وقلت ليوسف ما معناه إن اقتراحه مرفوض وأننى أصدرت أوامرى باعتبارى الرئيس صدام حسين - بتعديل قواعد الجائزة وانتهى الأمر!!

 

صلاح منتصر
صلاح منتصر

 

 

 

ومرة أخرى عاد يوسف يكرر عبارات الشكر والمديح للرئيس فى الوقت الذى وجدتنى أعانى فيه حرجًا كبيرًا فى محاولة التراجع والكشف عن شخصيتى بعد أن أخذ الحوار هذا الطريق البالغ الجدية!

ووجدت نفسى أقول ليوسف، إننا فى العراق ننتظر زيارته وأن عليه أن يأتى إلى العراق ومعه زميله الأخ «صلاح منتصر»! وللحظة ارتبك يوسف إدريس عندما سمع اسمى، فما الذى أدخلنى فى مثل هذه الزيارة، لكنه وجد نفسه يتحدث إلى الرئيس، أجاب بأنه سيحضر ومعه «صلاح منتصر».

كنت أريد بذكر اسمى أن أفتح ثغرة فى حائط الحوار الجدى الذى كان يجرى ولكن يوسف على العكس من ذلك أخذ الأمر بجدية أكثر، وحاولت أن أكرر محاولة فتح الثغرة فكررت عليه اسمى وسألته إن كان يرانى فقال بجدية: بالطبع يرانى وسيبلغنى بأمر الرئيس بزيارة العراق، ولم يعد هناك طريق للتراجع، فلم يكن من الممكن فى نفس المكالمة أن أصدم «يوسف» بأننى لست صدامًا، وهكذا وجدت نفسى أضع السماعة منهيًا المكالمة!  

ويمضى صلاح منتصر فى رواية باقى ما جرى فيقول:

«كانت زوجتى تتابع الحديث وقد أدركت المقلب فأشفقت على «يوسف» وطلبت منى ضرورة الاتصال به والاعتذار، واتصلت به بالفعل ولكننى وجدت تليفونه مشغولًا.. وكررت المحاولة إلى أن نجحت بعد نصف ساعة تقريبًا فى إجراء المكالمة.

وفى هذه المرة تحدثت إليه بصفتى الحقيقية ليأتينى صوته مجلجلًا ومرحبًا ومتسائلا أنت فين يا أستاذ؟! قلت: فى لندن!

قال: تجمع حقيبتك وتحضر فورًا! قلت: ليه يا يوسف خير؟!

قال: مطلوب حالاً لزيارة العراق معى، منذ دقائق كان الرئيس «صدام حسين» يتحدث إلىّ وطلب منى أن أزور العراق وأن تكون معى.. الرئيس يطلبك فى العراق! قلت له ضاحكًا: يا راجل اعقل!!

قال مهددًا: إذا لم تقبل سأجعلهم يقبضون عليك ويحضرونك بالقوة هذا تكليف من الرئيس! وقلت له بطريقة جادة: رئيس إيه يا يوسف الذى تتحدث عنه، أنا الذى كنت أكلمك!!

وتقبل يوسف جملتى على اعتبار أنها نكتة وعاد ليكرر لى أنه سيتصل بالسفارة العراقية فى لندن لكى تبلغنى بالسفر رسميًا إلى العراق بناءً على طلب الرئيس صدام!

وفى هذه المرة واجهت يوسف بالحقيقة التى صدمته فعلا.. حقيقة أننى الذى كنت أتحدث إليه وأننى طلبت زوجته أمس وطلبته اليوم والعبارات التى قلتها والعبارات التى قالتها لى - إلخ، كانت الصدمة شديدة فعلا وقد واجهها يوسف بثورة عارمة، فهمت منه أنه اتصل بالأهرام بمكتب الأستاذ «سلامة أحمد سلامة» مدير التحرير يبلغه بالاتصال التليفونى الذى أجراه الرئيس العراقى معه وشكره له على هذه المكالمة، وكان ضروريًا بالطبع أن يعيد «يوسف» الاتصال بمكتب الأستاذ «سلامة» لا لكى يبلغه أن الموضوع كان مقلبًا شربه وإنما بضرورة تأجيل نشر خبر المكالمة بناء على طلب الرئيس العراقى!!

ومضت الأيام.. وعدت إلى مصر والتقيت بيوسف وكان لقاءً بالأحضان رغم المقلب الذى شربه!

وكان الأغرب من ذلك أن يتصادف بعد أسبوعين من هذا المقلب أن يكتب يوسف مقالًا أراد الرئيس حسنى مبارك - كما هى عادته مع بعض الكتاب - مناقشة يوسف فيه وتوضيح حقيقة لا يعرفها له واتصل سكرتير السيد الرئيس بمنزل يوسف إدريس.. وسمع يوسف صوت المتحدث يقول: دكتور يوسف هنا مكتب سيادة الرئيس!

وفوجئ سكرتير الرئيس بيوسف إدريس يغلق السماعة فى عصبية وكرر السكرتير المكالمة للمرة الثانية، وفى هذه المرة سمع سكرتير الرئيس يوسف إدريس يقول بثورة: يا صلاح يا منتصر بطل مقالب كمان حتعملها مع الرئيس «مبارك»؟!

وبعصبية بالغة أغلق السماعة أمام دهشة السكرتير!

وقابلنى سكرتير الرئيس وسألنى عما بينى وبين يوسف إدريس وروى لى ما حدث عندما كان الرئيس مبارك يريد مكالمة يوسف لكنه أغلق  السماعة مرتين!

ولم أكشف لسكرتير الرئيس تفاصيل المقلب الذى دبرته ليوسف والصدفة الغريبة التى جعلت مكالمة الرئيس مبارك الحقيقية له تأتى بعد أيام قليلة من المكالمة الزائفة مع رئيس العراق!

وينهى الأستاذ صلاح منتصر الحكاية - كما جاءت فى كتابه «الشعب يجلس على العرش وحكايات عمر» فيقول: ولكننى كما قلت ليوسف بعدها أخذت بثأرى منه بعد الموقف الخلافى الذى وقفه يوسف منى بدون أى سبب وهجومه الشديد عليّ وقد تحملت ذلك بهدوء فقد كنت أحب يوسف بالفعل.. وظلت علاقتنا قوية إلى آخر يوم فى عمره..

يرحمه الله ويرحمنا جميعًا».

حتى الكبار أيضا يا عزيزى القارئ يحبون تدبير المقالب لبعضهم، ورحم الله يوسف إدريس وصلاح منتصر.