الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
موسى صبرى يختصر خمسمائة صفحة من كتابه!

بعض ذكريات إبراهيم سعدة:

موسى صبرى يختصر خمسمائة صفحة من كتابه!

 

 



فى 3 فبراير سنة 1985 أصدر مجلس الشورى عدة قرارات مهمة تخص التغييرات الصحفية فى المؤسسات القومية، وفى «أخبار اليوم» تم تعيين الأستاذ «طلعت الزهيرى» رئيسًا لمجلس الإدارة بدلاً من الأستاذ «موسى صبرى» الذى تمت مدة خدمته ككاتب وصحفى فى كل إصدارات أخبار اليوم!

فى ذلك الوقت كان الأستاذ «موسى صبرى» يكتب الفصول الأخيرة من كتابه «السادات الحقيقة والأسطورة»، وبادر الأستاذ «إبراهيم سعدة» الذى كان قد أصبح رئيسًا لتحرير أخبار اليوم.. يطلب من الرئيس «أنور السادات» - الاتفاق مع «موسى صبرى» على نشر بعض فصول كتابه على صفحات أخبار اليوم.. وقبل أن يصدر كتابه فى الأسواق.

وبدأت أخبار اليوم فى نشر الحلقات ابتداء من السبت 14 سبتمبر 1985 على صفحتين كاملتين، وكتب إبراهيم سعدة - فى عموده الشهير «آخر عمود» - فى الصفحة الثانية من الجريدة - مقاله «الكتاب والكاتب» يقدم فيه كتاب «موسى صبرى» لكن المثير للدهشة أن نصف العمود من المقال كان عن كتاب «تجربتى» للمهندس عثمان أحمد عثمان الذى أقام الدنيا ولم يقعدها عند صدوره فى أبريل سنة 1981، ويقول «إبراهيم سعدة»:

أصدر المهندس عثمان أحمد عثمان «كتابه عن ذكرياته وتجربته، وكان يمكن أن يمر هذا الكتاب فى هدوء لولا أن الأستاذ «مصطفى أمين كتب عنه «فكرة فى أخبار اليوم» واختار من بين صفحاته أخطر ما كتبه المؤلف، وبمجرد صدور فكرة «أصبح الكتاب حديث الناس فى كل مكان، وتخاطفته أيدى القراء، وأسرع الناشر «أحمد يحيى» لطبع طبعات جديدة ومتتالية من الكتاب!

ويمضى الأستاذ «إبراهيم سعدة» فى روايته فيقول:

وذهبت مع زميلى «عبدالله عبدالبارى» - رئيس مجلس إدارة الأهرام ومايو - جريدة الحزب الوطنى - وقتذاك إلى استراحة الرئيس الراحل «أنور السادات» فى القناطر، لتسجيل حلقة من حلقات «عرفت هؤلاء» التى كان الرئيس يكتبها أسبوعيًا فى الصفحة الأخيرة من «مايو»!

واستقبلنا الرئيس الراحل فى حديقة الاستراحة وكان معه الزميل «أنيس منصور» وبدأ الرئيس حديثه معنا قائلا: إنه قرأ «فكرة» مصطفى أمين وعرف منها بصدور كتاب المهندس «عثمان أحمد عثمان» وقال إنه كان يعلم أن عثمان ينوى كتابة تجربته فى الحياة، لكنه لم يتصور أن الكتاب صدر إلا بعد أن قرأ ما كتبه «مصطفى أمين» عنه، كما أن عثمان أحمد عثمان لم يرسل إليه نسخة من كتابه حتى الآن!

ووجدتنى أقول للرئيس السادات: هل هذا معقول يا سيادة الرئيس إنك لم تقرأ الكتاب؟! ما من مصرى واحد يتصور إنك لم تتصفح الكتاب قبل طبعه ولم توافق على نشره؟!

وهنا انفعل الرئيس السادات وقال لى فى حضور الزميلين «عبدالله عبدالبارى» و«أنيس منصور» هذه هى المصيبة فعلا، أن الناس تعتقد أننى وافقت على كتاب «عثمان»، فإذا كنت أنت الذى أراك أكثر من مرة كل أسبوع وتقول هذا الكلام! فماذا يقول الذين لايعرفوننى ولا يقابلونني؟!

وسكت السادات لحظة ثم قال: على العموم ليس هناك أحد منكم جميعًا يعرفنى كما يعرفنى موسى صبرى «فهو الوحيد الذى يعرف رأيى فى موضوع دون أن يسمعه منى ودون أن يقابلنى، فهى عشرة سنوات طويلة جدا».

ويستطرد الأستاذ «إبراهيم سعدة» فيقول: وكانت هذه هى الحقيقة، فموسى صبرى كان أكثر المقربين من السادات معرفة بأفكاره وسياساته ومواقفه وقراراته، ولهذا السبب كان الرئيس الراحل يثق فى «موسى صبرى» ثقة كاملة، وحدث أن طلبه لمقابلته فى قرية «ميت أبوالكوم» - فى بداية توليه الحكم وقال له:

- لقد قررت أن أختارك لتكتب مالا يعرفه أحد عن فترة رئاستى، سأنتهز كل وقت فراغ لأراك وأكشف أمامك كل الحقائق على أن تحتفظ بهذه الأشرطة حتى يحين الوقت لتفريغها وتتولى نشرها للناس والتاريخ ولنبدأ الآن الجلسة الأولى!

••

وهكذا تجمعت لدى «موسى صبرى» حقائق هائلة، واستمع من «السادات» إلى أخطر الأسرار التى لم تتح لغيره معرفتها أو تجميعها وتتعلق بكل القضايا القومية التى واجهها حكم السادات!

وبعد رحيل السادات فكر «موسى صبرى» فى أن يكتب كتابًا عن الراحل العظيم، أحس، أن من حق الرأى العام أن يتعرف على حقائق يجهلها، ويكشف له الستار عن أكاذيب لفَّقها ورددها البعض، وتوهم أن تلك الأكاذيب تمكنه من أن يخفى الحقيقة!

وبدأ موسى صبرى يكتب كتابه الجديد (السادات.. الحقيقة والأسطورة)، لم يعتمد على ما لديه من أشرطة ومن أرشيف خاص ومن وثائق رسمية فقط، وإنما صمم على أن يلتقى بأكبر عدد ممكن من شهود تلك الأحداث ليستعيد معهم ذكرياتهم ويقارنها بما لديه من معلومات ووقائع ومواقف حتى يطمئن إلى صدق ما يكتبه، ويطمئن أكثر إلى أن الذاكرة لم تخنه خاصة أنه يتعرض لأحداث مضت عليها سنوات بعيدة!

ولم تكن المشكلة أمام المؤلف هى المعلومات، فلديه منها الكثير والكثير وإنما تركزت المشكلة فى أن يجد وقتًا للكتابة بعيدًا عن مسئوليته ومشاغله كرئيس لمجلس إدارة «أخبار اليوم» ورئيس لتحرير «الأخبار»، واضطر إلى أن يخصص إجازاته الأسبوعية والسنوية للكتابة، ليس هذا فقط، بل كان يكتب خلال رحلاته الصحفية الخارجية بعد أن ينتهى من مهمته، فمثلا كان يكتب صفحات من كتابه فى «بون» خلال زيارته لها لتغطية زيارة الرئيس «حسنى مبارك» لألمانيا، ويكتب فى «أمستردام» عندما طار للاشتراك فى مؤتمر الصحافة الدولى بهولندا، ويكتب فى لندن وباريس وواشنطن، ونيويورك والإسكندرية!

وعندما انتهى موسى صبرى من كتابة آخر سطر فى كتاب «السادات الحقيقة والأسطورة» فوجئ بأنه تعدى الألف وخمسمائة صفحة، واقترح الناشر أحمد يحيى.. أن ينشر الكتاب فى جزئين، ولكن المؤلف رفض وقرر أن يختصر «خمسمائة» صفحة حتى يصدر الكتاب فى جزء واحد من ألف صفحة!!

ويقول الأستاذ «إبراهيم سعدة»: إن كتاب «السادات الحقيقة والأسطورة» يتضمن أخطر الأسرار جمعها فى عشرين فصلا، وإذا كانت «أخبار اليوم» قد اختارت الفصول الخاصة بقصة «السلام» بكل أسرارها وخفاياها ومفاجآتها، فإن الفصول الأخرى يثير كل واحد منها نفس الاهتمام بمجرد قراءة عناوينها، من هذه الفصول «14 جهة قررت اغتيال السادات والجريمة تمت فى 35 ثانية، ولماذا قتلوه»؟، «والمعارضة تشجع التطرف الدينى»، و«كيف صدرت قرارات سبتمبر؟»، و«السادات من الداخل»، و«بين السادات وعبدالناصر».. و.. وإلى آخر فصول الكتاب المثير!

إن كتاب موسى صبرى الجديد «السادات.. الحقيقة والأسطورة» يضع عشرات النقاط فوق حروف مازالت ناقصة ومهتزة وأحدثت بلبلة.. آن الوقت لإنهائها.

انتهى عمود الأستاذ إبراهيم سعدة الذى قدم به كتاب «موسى صبرى» الذى تضمن الفصل العشرين منه موضوع «شخصيات كانت قريبة من السادات» منهم «عثمان أحمد عثمان» وعنه كتب موسى صبرى.. يقول: «عندما أصدر عثمان أحمد عثمان كتابه وهاجم نزاهة عبدالناصر وقيادات ثورة 23 يوليو فإن الرئيس السادات غضب غضبًا شديدًا وأعلن ثورته وامتنع عن دعوة عثمان لزيارته، وكثيرون لم يصدقوا أن أنور السادات لم يكن يعرف بموضوع الكتاب ولكن هذه هى الحقيقة!

وقد حدث أن قال لى «مصطفى أمين» بعد ظهور الكتاب إنه من المؤكد أن الرئيس يعرف محتوياته وأنه وافق على نشره! وكانت إجابتى لمصطفى أمين أننى رغم علمى بالوقائع لم أسأل الرئيس، فإننى واثق تمامًا أن أنور السادات لم يطلع على الكتاب، وهذا فهمى للرئيس، أنه لا يقبل أبدًا أن يظهر كتاب يهاجم عبدالناصر وخاصة إذا كتبه صديق له أو شخص قريب منه!

واتصلت بالرئيس وسألته ووجدته فى قمة الانفعال بعد أن قرأ فى الصحف بعض محتويات الكتاب لأن عددًا من الصحفيين تصور أن السادات راض عن الكتاب، فعلقوا بالتمجيد للكتاب ثم توقفوا بعد أن علموا أن السادات فى إحدى غضباته الكبرى وكانت غضبة صادقة فعلا!

وكان الرئيس يردد: طبعا لا أحد يمكن أن يتصور أن يصدر كتاب «عثمان» بدون علمى! وللحكاية بقية!