الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

محمد حاكم فيلسوف الكاريكاتير

أهدى رسام الكاريكاتير الفنان سمير عبدالغني، إلى مجلة «صباح الخير» حلقاته المميزة عن جيل الأساتذة من رسامى الكاريكاتير، قبل أن يجمعها فى كتاب يوثق خلاله رحلة هؤلاء مع أحد أهم فنون الصحافة من خلال حكايات وذكريات، عاشها معهم، وصاحبهم خلالها على مدار سنوات عديدة، حرص على توثيقها لتقديمها إلى محبى فن الضحكة والبسمة، وللأجيال الجديدة التى لم يسعدها الحظ أن تتابع رسومات هؤلاء الفنانين فى زمانهم.



كنت أجلس فى الجمعية المصرية للكاريكاتير أشاهد مجموعة من أعمال الفنان الكبير حسن حاكم.. وكان يجلس إلى جوارى أخوه محمد حاكم.. وبين الحين والآخر أضع الرسم أمام عينيه وأسأله: إيه رأيك؟ هو فيه إبداع كده؟.. هو فيه فن أحلى من كده؟ صمت محمد حاكم طويلًا ثم انفجر.. حرام عليك.. طيب والله العظيم حرام.. قلت له خير هو فيه إيه؟ هدأ قليلًا ثم قال: حرام إن أنا وحسن حاكم نكون إخوات.. كان لازم هو يتولد قبلى بـ100 سنة، أو يتولد بعدى بـ100.. لكن أكون أنا وهو أخوات وأكون دايمًا محمد الصغير وحسن الكبير طول العمر.. حرام.. أكبر حرام.. وضحكت كما لم أضحك من قبل، محمد حاكم ما زال وهو فى طريقه للـ80 طفلًا صغيرًا يغار من أخيه الكبير.

 

 

 

ذات مرة قال لى الفنان محمد حاكم حاجة مهمة قوى، قال لى: علاقتنا بالحياة زى ما يكون واحد ماسك زهر، كلنا عارفين إن الزهر من واحد لستة، لكن كلنا طمعانين نوصل لرقم سبعة، وإن رقم سبعة ده مش هييجى أبدًا، وإنك لو عايز تعيش سعيد وإنت بترمى الزهر طول الوقت تقول اللى هييجى لى هو رقم واحد، لو جالك اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة هتبقى طاير من الفرح.. يمتلك محمد حاكم هذه الفلسفة ويوظفها فى أعماله التى تعتمد على الفنتازيا والسخرية

الفنان الكبير محمد حاكم عندما تجلس إليه تشعر أنك أمام فيلسوف كبير.. أو أحد علماء النفس، أو أحد أساتذة علم الاجتماع، وعندما يتغير الحوار نحو السخرية والمرح ستجد نفسك تجلس أمام أحد أولاد البلد العاشقين لترابها.. يضحك كطفل صغير ويسخر كفلاح علمته الأرض حكمتها ماذا يقول ومتى يصمت وربما هذا هو سبب سخريته اللاذعة وقدرته غير العادية فى إنتاج أفكاره الكاريكاتيرية المرحة.. هو واحد من أهم وألمع رسامى الكاريكاتير فى مصر والعالم العربى. 

 

 

 

كان حسن حاكم يحب رسوم محمد التى كانت فى بداياتها تشبه رسوم حاكم الكبير.. كان التأثر واضحًا.. بساطة الخط.. وصناعة المفارقة ومحاولة عمل كاريكاتير بدون تعليق.. أو كتابة تعليق.. ربما كان أطول قليلًا ويجب أن يختصر وكانت هذه هى المشكلة رسام جيد فى حاجة إلى وقت وخبرات حياتية تصقله.

 

 

 

سافر حسن الكبير إلى الكويت وقتًا طويلًا أكثر من 30 سنة.. وكانت فرصة أن يكون فى مصر حاكم واحد. 

الحق يقال إن محمد حاكم هو واحد من أجمل الرسامين الذين تفتخر بهم مصر، ولقد بلغ مبلغًا عظيمًا فى صناعة اللوحة الكاريكاتورية وأعماله فى متحف الكاريكاتير بالفيوم وبيت جلال بميدان عابدين خير دليل على ذلك.. تستطيع وأنت ترى الرسوم أن تشم رائحة المكان والأشخاص.. 

 

 

هؤلاء الذين يملأون الكادر فى لوحاته يشبهون البشر الذين تراهم فى الشارع.. هو يعرف الفرق بين الشخص الذى يأتى من الصعيد والشخص الذى يأتى من مدينة ساحلية.. والشخص الذى ولد وعاش فى القاهرة.. هو ليس مجرد رسام هو دكتور فى الاجتماع.. يجب أن ترى محمد حاكم وهو يمشى فى شوارع وسط البلد لتعرف السبب, يمكن أن يعبر شارع واحد فى ساعتين وعندما تسأله لماذا تتحرك كالسلحفاة؟ تكون إجابته أنه يصور بعينيه كل شيء.. لمحمد عين تشبه (الإسكانر) يقوم بعمل مسح ضوئى لكل ما تقع عليها.. وإذا كان أمامه ورقة وقلم كل ما عليك أن تسأله وسوف يجيبك بالرسم.. لا يجد محمد صعوبة فى رسم أى شيء.. لدرجة أنه يمكن أن يخرج من تحت الدش عاريًا وهو يصرخ وجدتها وجدتها إذا ظهرت له الفكرة التى يبحث عنها، يتميز محمد حاكم بالقدرة على أنه يستطيع أن يخاطب الأطفال وله أكثر من 100 كتاب وعمل بمجلة ماجد وعلاء الدين.

 

 

 

يرسم محمد الطفل الذى بداخله المدهش المندهش.. الذى يريد أن يتفوق ويسبق الجميع.وقد كان حسن يعترف أنه سبق محمد فى أشياء كثيرة إلا أن عالم رسوم الأطفال كان المجال الذى سبق فيه محمد مبدعين كبار وأولهم حسن.

وقد قرر فى الفترة الأخيرة وبعد سنوات طويلة من فن الكاريكاتير أن يتجه للفن التشكيلى، يقوم الآن بعمل لوحات كاريكاتورية عندما تشاهدها تشعر أنها من مصر، فيها الزحمة والناس فى الأتوبيس وفى الشارع والمواصلات العامة، وفى الأفراح.. هو أحد الفنانين القلائل الذين لديهم فلسفة ووجهة نظر، فترى الناس فى بعض أعماله ليس لها أذن على الإطلاق وهو يقول عن سبب ذلك: الناس لا تسمع بعضها، وأحيانًا يقول: الناس لا بتسمع ولا بتشوف.

 

 

محمد حاكم من الفنانين القلائل جدًا فى مصر الذى يستطيع عمل كاريكاتير بدون كلام، ومن خلاله يستطيع أن يعبر عن كل المشاعر الخاصة والتعبير عن كل أفكاره أو أفكار الآخرين ببساطة وذكاء غير عادى.. وقد شارك فى العديد من المعارض الدولية وحاز على العديد من الجوائز.

استطاع محمد حاكم أن يكون عنوانًا لمجلتى صباح الخير، وروزاليوسف.. فبعد توقف الكبار ورحيل جمعة إلى الأهرام.. كان محمد حاكم أحد الأعمدة الرئيسية للمؤسسة وقدم من وقته وجهده الكثير. 

يرسم محمد وكأنه يعرف الطريق.. إذا كان الكاريكاتير فيه تعليق سوف يكون قريبًا من حوار الناس فى الشارع أو القهوة.. وإذا كان بدون تعليق سوف تجد فيه فلسفة العارف ببواطن الأمور والقارئ الجيد للأحداث.

وهو يرى أن الكاريكاتير ليس مجرد مادة للسخرية، ولكنه وسيلة من وسائل التعبير عن الناس، وهو يعتبر نفسه رسام الناس الغلابة.

.. ورغم أن محمد لا يصدق أنه بلغ القمة.. ودائمًا يتحرك للأمام.. ليلمس السحاب. 

محمد الذى بلغ الـ80 ما زال يمارس الرسم وكأنه يلعب ويستمتع بكل من يقول له الله.. وينظر للسماء ليقول لأخيه حسن: «أصبح لى معجبين يتحدثون عنى بمحبة ولك أن تفتخر بنجاحى».